خطة ترمب لطرد المهاجرين من أميركا تصطدم بـ"عقبات قانونية وأعباء مالية"

ترحيل ملايين المهاجرين غير الشرعيين يتطلب جهوداً لوجيستية ضخمة وتكلفة باهظة

time reading iconدقائق القراءة - 12
مهاجرون يطلبون اللجوء في الولايات المتحدة يخضعون للتفتيش الجسدي من قبل ضابط على السياج الحدودي بعد عبورهم الحدود من المكسيك - 23 يناير 2022 - REUTERS
مهاجرون يطلبون اللجوء في الولايات المتحدة يخضعون للتفتيش الجسدي من قبل ضابط على السياج الحدودي بعد عبورهم الحدود من المكسيك - 23 يناير 2022 - REUTERS
واشنطن-عزيز عليلو

يصف الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب الولايات المتحدة في حملاته الانتخابية، بـ"المحتلة" من قبل ملايين المهاجرين غير الشرعيين، ويتعهد بـ"تحريرها" في حال فوزه بالرئاسة باستخدام قانون يعود إلى عام 1798، للقيام بـ"أكبر عملية ترحيل جماعي" في تاريخ أميركا. لكن هل يستطيع حقاً تحقيق ذلك؟

وعود ترمب بترحيل ملايين المهاجرين ليست جديدة، إذ تعود لحملته الانتخابية الأولى في عام 2016، غير أن سجل ولايته الأولى يظهر فجوة كبيرة بين طموحاته والواقع القانوني والمالي والسياسي لعمليات الترحيل الجماعي للأشخاص الموجودين في الولايات المتحدة بطرق غير قانونية.

غير أن ترمب ومهندس سياساته للهجرة، ستيفن ميلر، أعدّا نهجاً مختلف عن الولاية الأولى، يعتمد على تفعيل قانون "الأعداء الأجانب"، الذي يسمح للسلطات بتجاوز الإجراءات القانونية لترحيل المهاجرين، ولكن هذه الخطوة قد تواجه تحديات قضائية، نظراً لأنه يشترط أن تكون البلاد في حالة حرب أو تواجه تهديداً بالغزو لتفعيل القانون، الذي يعود إلى عام 1798.

وفيما يرى خبراء تحدثوا لـ"الشرق" إمكانية نجاح ترمب في مساعيه خلال ولاية ثانية، فإنهم يستبعدون أن ينجح في ترحيل جميع المهاجرين غير الشرعيين بالولايات المتحدة، والذين تجاوز عددهم 11 مليوناً حتى عام 2022، بحسب أحدث تقديرات وزارة الأمن الداخلي.

العودة إلى 1789

بحسب ترمب، من أجل الوصول إلى مستقبل تكون فيه أميركا بدون مهاجرين غير شرعيين "يجب العودة إلى عام 1789"، على حد تعبيره في تجمع انتخابي بولاية نورث كارولاينا، في إشارة إلى قانون "الأعداء الأجانب" الذي صدر عام 1789، ويمنح الرئيس صلاحيات لاعتقال واحتجاز وترحيل الأفراد من الدول التي في حالة حرب مع الولايات المتحدة، دون الحاجة للإجراءات القانونية المعتادة.

ولتجاوز العقبات القانونية، التي تشترط تفعيل القانون فقط حينما تكون الولايات المتحدة في حالة حرب أو تواجه تهديداً بالغزو، يخطط ترمب لإعلان تدفق المهاجرين على أنه "غزو" ضد الولايات المتحدة من قبل شبكات الهجرة الإجرامية.

ويقول بول سميث، أستاذ بكلية الحقوق بجامعة جورجتاون في واشنطن، إن قانون "الأعداء الأجانب" استخدم ثلاث مرات فقط في تاريخ الولايات المتحدة، وخلال هذه المرات كان الكونجرس قد أعلن بالفعل أن الولايات المتحدة في حالة حرب، وآخرها كان خلال الحرب العالمية الثانية، حين تم استخدام القانون لاعتقال المهاجرين من اليابان وألمانيا وإيطاليا.

وبالتالي، يقول سميث لـ"الشرق"، إنه لا توجد سوابق في استخدام القانون في الحالات الأخرى المتاحة غير الحرب، وهي تعرض البلاد لـ"غزو" أو "توغل عدائي".

وأشار إلى أنه من الناحية النظرية، فإنه يمكن لترمب تفعيل القانون بذريعة أن الولايات المتحدة تشهد "غزواً" أو "توغلاً عدائياً" من قبل شبكات الهجرة الإجرامية ما سيسمح له بالترحيل الجماعي للمهاجرين غير الشرعيين، دون إعطائهم حق جلسة الاستماع في المحكمة أو حق استئناف قرار الترحيل.

ولكنه أشار إلى أنه سيكون عليه من الصعب تطبيق القانون على كل المهاجرين غير الشرعيين بالولايات المتحدة، وسيقتصر ذلك على هؤلاء الذين لديهم ارتباط بعصابات الهجرة أو من صدر في حقه إدانات قضائية.

ووفقاً لرسالة من نائب مدير وكالة الهجرة والجمارك، فإنه حتى 21 يوليو الماضي، سُجل في الولايات المتحدة 662,566 مهاجراً غير موثق ذوي سوابق جنائية، في جرائم تتراوح بين القتل والاعتداء الجنسي، والاختطاف وترويج المخدرات والسرقة .

تحديات قانونية

من جانبها، ترى إلين سوليفان، وهي محامية في "مكتب كامبريدج لقانون الهجرة" أن ترمب يمكنه أن يحاول تفعيل القانون "لكنه سوف يكون عرضة للتقاضي ومحاولات لإيقافه من قبل المدافعين عن حقوق الهجرة"، وهو ما سيجعله "مضطراً لإقناع المحاكم بأن تدفق المهاجرين أو المخدرات عبر الحدود يعتبر (غزواً)".

وقالت سوليفان لـ"الشرق"، إنه إذا ذهبت القضية للمحاكم، "سيتعين على ترمب أن يثبت أن شبكات الهجرة تعتبر وكلاء لدولة عدائية لتبرير حدوث غزو. وحتى في حال نجاحه في هذا المسار القانوني، فإن ذلك سيأتي بنتائج غير مرجوة لترمب، لأنه سيؤسس سابقة في المحاكم تعتبر أن هذه العصابات وكلاء دولة، وهو ما سيُبطل سياساته بشأن اللجوء، التي تعارض منح اللجوء بناءً على الاضطهاد من العصابات، لأن العصابة ليست حكومة".

في السياق ذاته، تقول كاثرين ديلسين، وهي محامية إدارية في "مجموعة ديلسين الاستشارية"، لـ"الشرق" إن ترمب ستكون لديه صلاحيات لمحاولة تفعيل القانون، لكن "سيكون عليه من الصعب إثبات أنه يحترم شروط تفعيله في المحاكم".

وأضافت أنه "لا يوجد أساس معقول للقول بأن الهجرة أو تهريب المخدرات يشكل غزواً أو توغلاً عدائياً، لذلك فالأكيد أن الطعن في القرار سيصل حتى المحكمة العليا، التي يجب أن تحكم بعدم دستوريته، وبالتالي لن يكون من الممكن تنفيذه".

غير أن أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية وليام لورانس يرى فرصة أمام ترمب للفوز في المعارك القضائية من أجل تفعيل القانون.

وقال لـ"الشرق" إن "المحكمة العليا أثبتت من خلال قرارها الأخير بشأن حصانة ترمب من الملاحقة القضائية على الأفعال الرسمية، أنها تعمل لصالحه، لأن القضاة المحافظين فيها يشكلون الأغلبية وترمب نفسه عين ثلاثة قضاة منهم، وفي حال وصل التقاضي بشأن القرار إلى المحكمة العليا، فسيكون من المحتمل جداً أن تصدر المحكمة قراراً لصالحه".

هل يحتاج ترمب للقانون من أجل الترحيل الجماعي؟

ويرى بول سميث الأستاذ بكلية الحقوق بجامعة جورجتاون في واشنطن، أن ترمب يمكنه استخدام قوانين أخرى أقل جدلية من أجل القيام بعمليات الترحيل الجماعي، وأشار إلى أن ترمب قد لا يصل إلى أهدافه بترحيل الملايين عبر المسار العادي للترحيل الذي يبدأ باعتقال المهاجرين غير الشرعيين، ثم عرضهم على قاضي في جلسة استماع، قبل أن يصدر القاضي الأمر بالترحيل.

ولفت الخبير القانوني إلى أنه "لا يوجد عدد كافي من محاكم أو القضاة للنظر في ملايين قضايا الترحيل"، لافتاً إلى أن ذلك ما يفسر رغبة ترمب في استخدام قانون الأعداء الأجانب لأن ذلك سيسمح له بتجاوز كل هذا المسار القانوني.

وبحسب تقرير مركز تبادل الوصول إلى السجلات المعاملاتية، فإن محاكم الهجرة تعاني من تراكم في القضايا المتعلقة باللجوء بسبب زيادة أعداد الوافدين بشكل غير قانوني، مشيراً إلى أن المحاكم لم تعط مواعيد جلسات لأعداد كبيرة من المهاجرين الذين تنظر المحكمة في حالات ترحيلهم.

ويحصي مركز الهجرة الأميركي، أن الترحيل الجماعي لمليون مهاجر غير شرعي سنوياً قد يتطلب بناء ألف محكمة هجرة جديدة، لافتاً إلى أن حتى يناير 2024، كان لدى مكتب الهجرة ومراجعة الاستئنافات 601 قاعة محكمة متاحة فقط، يعمل فيها 734 قاضي هجرة. وأشار التقرير إلى أن ترحيل مليون مهاجر سنوياً سيتطلب توظيف 158 قاضياً جديداً للهجرة سنوياً.

أعباء مالية

وترى كاثلين ديلسين أن خطة ترمب غير قابلة للتطبيق، بسبب التحديات اللوجستية والأعباء المالية التي قد تكلفها.

وقالت إن "كل عملية ترحيل نفذتها وكالة الهجرة والجمارك الأميركية عام 2016 كلفت دافعي الضرائب في المتوسط 10,854 دولاراً ، بما يشمل تكاليف الاعتقال ثم إيواء المحتجزين وإطعامهم وتكاليف نقلهم إلى بلادهم".

وأضافت أنه "في عام 2025، ومع العدد الكبير المخطط لترحيلهم، ستكون التكلفة هائلة. رحلات الترحيل أصبحت أكثر تكلفة، واللوجستيات حولها أصبحت أكثر تعقيداً. وبجانب التأثير المالي على البلاد، هناك التأثير المعنوي على صورة أميركا كمصدر للأمل الذي لطالما احتفظت به للمهاجرين داخل حدودها وخارجها".

بلغت ميزانية وكالة الهجرة والجمارك الأميركية للنقل والترحيل في عام 2023 حوالي 420 مليون دولار، وقامت الوكالة بترحيل 142,580 شخصاً خلال ذلك العام. وتختلف تكاليف الترحيل بشكل كبير حسب البلد وتشمل متغيرات مثل تكلفة الرحلات التجارية واحتياجات الأمن واستخدام الرحلات المستأجرة. قد تصل تكلفة ترحيل 10 ملايين شخص إلى عشرات المليارات من الدولارات.

كما أن نفقات الاعتقال والاحتجاز قبل الترحيل ستتطلب نفقات إضافية أخرى. وتدير وكالة الهجرة والجمارك الأمريكية حوالي 41,500 سرير في 200 سجن ومركز احتجاز بتكلفة تبلغ 57,378 دولاراً سنوياً لكل سرير، وفقًا لوثائق الميزانية العامة. وفي حال حدوث عمليات ترحيل جماعية، ستحتاج الحكومة إلى دفع تكاليف توفير أسرة إضافية بشكل كبير.

بحسب مركز الهجرة الأميركي، يعيش حوالي 11 مليون مهاجر غير موثق في الولايات المتحدة حتى عام 2022، ما يمثل حوالي 3.3 بالمئة من إجمالي عدد السكان في البلاد. كما تم إطلاق سراح 2.3 مليون مهاجر آخر قابل للترحيل إلى الولايات المتحدة بين يناير 2023 وأبريل 2024،  وتقدر تكلفة ترحيل كل هؤلاء المهاجرين على الأقل بـ315 مليار دولار.

وفق المركز، فإن هذه النفقات تتوزع بين 89.3 مليار دولار لإجراء عدد كافٍ من الاعتقالات، و 167.8 مليار دولار لاحتجاز المهاجرين بشكل جماعي، و 34.1 مليار دولار على المعالجة القانونية، بالإضافة إلى 24.1 مليار دولار على عمليات الترحيل.

نقاط انتخابية

ويُظهر سجل ترمب كرئيس خلال ولايته الأولى فجوة كبيرة بين طموحاته والواقع القانوني والمالي والسياسي لعمليات الترحيل الجماعي للأشخاص الموجودين في الولايات المتحدة. 

خلال ولاية ترمب الأولى، سجلت وزارة الأمن الداخلي مليوني عملية ترحيل بما يشمل المهاجرين الذين تم إيقافهم عند الحدود، ثم أُعيد ترحيلهم، وهو رقم يبقى أدنى من سجل الرئيس السابق باراك أوباما، الذي شهدت ولايته الأولى 3.2 ملايين حالة ترحيل و2.1 مليون عملية ترحيل خلال ولايته الثانية.

بحسب خبير الحملات الانتخابية كالفن دارك، فإن خطة ترمب تبدو كـ"رسالة انتخابية" أكثر من كونها خطة قابلة للتنفيذ، مشيراً إلى أن إثارته الجدل بقانون 1789 وراءه دوافع سياسية.

"ما يفعله ترامب وراء الكواليس هو استخدام قانون عام 1798 لأسباب سياسية تتعلق بالانتخابات، ببساطة لأنه لتحقيق ما يقوله، لا يحتاج إلى قانون جديد إذا كان هدفه الأول هو التخلص من عصابات المهاجرين. الرئيس يتمتع بالفعل بالقدرة على تحقيق ذلك عبر القوانين المتاحة والسلطة التنفيذية، كما يمكنه أيضاً تنفيذ عمليات ترحيل جماعية لمن هم هنا بشكل غير قانوني".

وأضاف أن "ما يقوله دونالد ترمب عبر إثارة الجدل بهذا القانون هو أن كامالا هاريس تقول إنها لا تستطيع حل المشكلة حتى يصدر الكونجرس قانوناً جديداً لحل مشكلة الهجرة،. أما هو فيقول: لدي قانون حالي يمكنني استخدامه، هذه رسالة فعالة في حملته الانتخابية، خصوصاً وسط الناخبين المترددين".

ووفق استطلاع لأكسيوس، تحظى فكرة الترحيل الجماعي للمهاجرين بتأييد 68 بالمائة من الناخبين الجمهوريين، و42 في المائة من الديمقراطيين، فيما يؤيدها 46 في المائة من الناخبين المستقلين.

تصنيفات

قصص قد تهمك