بعث الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش رسالة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يحتج فيها على قانون جديد يمكن أن يشل فعلياً وكالة الأمم المتحدة المسؤولة عن مساعدة اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا".
وتحظر اللوائح التي وافق عليها البرلمان الإسرائيلي على الوكالة الأممية العمل في إسرائيل والقدس الشرقية المحتلة، وتمنعها من التواصل والتنسيق مع السلطات الإسرائيلية، الأمر الذي قد ينهي عملها في غزة والضفة الغربية المحتلة.
ولطالما كانت إسرائيل على خلاف مع "الأونروا" وزعمت أن بعض موظفيها متورطون في هجمات "حماس" في 7 أكتوبر. ومن المقرر أن يبدأ الحظر بعد ثلاثة أشهر.
وهذه الترجمة العربية للخطاب الذي حصلت "المجلة" على نسخة منه:
28 أكتوبر 2024
معالي السيد بنيامين نتنياهو
رئيس وزراء دولة إسرائيل
القدس
صاحب المعالي،
بالإشارة إلى رسالتي المؤرخة 4 أكتوبر 2024 بشأن مشروع القانون المتعلق بوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا) الذي كان قيد الدراسة في الكنيست الإسرائيلي. يؤسفني أن أعلم أنه في 28 أكتوبر 2024، أقر الكنيست مشروع القانون، وأصبح قانون وقف أنشطة الأونروا (2024) وقانون وقف أنشطة الأونروا في دولة إسرائيل (2024) نافذين.
إن هذين القانونين، في حال تنفيذهما، قد يعيقان الأونروا من متابعة عملها الأساسي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، التي تشمل الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، وقطاع غزة، ما قد يرتّب عواقب مدمرة على اللاجئين الفلسطينيين، ولا سيما في ظل عدم وجود بديل فعلي حالي يمكنه تقديم الخدمات والمساعدات المطلوبة بشكل كاف.
إنني أناشدكم والحكومةَ الإسرائيلية تجنب هذه العواقب الوخيمة والسماح للأونروا بمواصلة أنشطتها في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك القدس الشرقية، وفقا للالتزامات بموجب القانون الدولي.
وأشير بقلق خاصر إلى أن قانون وقف أنشطة الأونروا (2024) ينص، من بين أمور أخرى، على أن "الدعوة الموجهة إلى الأونروا بناء على تبادل الرسائل بين إسرائيل والأونروا بتاريخ 14 يونيو 1967 ستنتهي في 7 أكتوبر 2024"، وأنه "لن يُسمح لأي هيئة حكومية، بما في ذلك الهيئات والأفراد الذين يقومون بواجبات عامة بموجب القانون، بإقامة أي اتصال مع الأونروا أو أي من ممثليها" (وفق الترجمة غير الرسمية للأونروا من الأصل العبري). كما يساورني القلق بشأن الإشارة إلى الإجراءات الجنائية ضد موظفي الأونروا، والتي قد تكون متعلقة بأنشطتهم لصالح الأونروا أو بالنيابة عنها.
أشير كذلك إلى أن قانون وقف أنشطة الأونروا في دولة إسرائيل (2024)، الذي يحظر من بين أمور أخرى أي نشاط للأونروا "داخل الأراضي السيادية لدولة إسرائيل" (الترجمة غير الرسمية للأونروا من الأصل العبري)، يُفترض تطبيقه أيضا في القدس الشرقية. ووفقا للقرارات والآراء الصادرة عن الأجهزة الرئيسية المختصة للأمم المتحدة، تعتبر الأمم المتحدة أن الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية وقطاع غزة، جزء من الأراضي الفلسطينية المحتلة، وأن إسرائيل لا تملك حق السيادة أو ممارسة الصلاحيات السيادية على أي جزء من هذه الأراضي نتيجة لاحتلالها.
منذ إنشاء الأونروا من قبل الجمعية العامة في قرارها 302 (4) بتاريخ 18 ديسمبر 1949، قدمت الأونروا المساعدة للاجئين الفلسطينيين في الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، وقطاع غزة منذ عام 1950. وفي الظروف العادية، تدير الأونروا ما يقارب 400 مدرسة، وأكثر من 65 عيادة صحية أولية ومستشفى واحد في الأراضي الفلسطينية المحتلة، مما يتيح توفير التعليم لأكثر من 350,000 طفل وأكثر من 5 ملايين استشارة صحية سنويا. في القدس الشرقية بشكل خاص، توفر مدارس الأونروا التعليم لـ 2000 طالب وتخدم عياداتها الصحية 40,000 مريض مسجل. كما تقدم الأونروا مساعدات حيوية للإغاثة من الفقر والخدمات الاجتماعية، بما في ذلك شبكة الأمان الاجتماعي، والمساعدات الطارئة والقسائم الغذائية، التي يستفيد منها أكثر من 1.2 مليون شخص.
في غزة تحديداً، كانت الأونروا المزود الرئيسي للخدمات الأساسية والضرورية، حيث وفرت التعليم لـ 300,000 طفل في 288 مدرسة ومركزين للتدريب، وخدمات الرعاية الصحية لـ 900,000 مريض و3.5 مليون استشارة طبية سنويا في 22 عيادة صحية أولية، والمساعدات الطارئة لـ 1.1 مليون شخص. وفي ظل الأزمة الحالية في غزة، تشكل الأونروا العمود الفقري لعمليات الإغاثة الإنسانية التابعة للأمم المتحدة، حيث تقدم الدعم والمأوى لأغلبية السكان البالغ عددهم نحو 2.3 مليون نسمة تأثروا جميعهم بالنزاع المستمر، بما في ذلك توفير الغذاء لـ 1.9 مليون شخص، وتقديم لقاحات شلل الأطفال لأكثر من 200,000 طفل، والرعاية الصحية لـ 15,000 شخص، ما يمثل أكثر من 60% من إجمالي خدمات الرعاية الصحية الأولية في غزة، بالإضافة إلى توفير المأوى لمئات الآلاف من النازحين داخليا في داخل وفي محيط أكثر من 100 مدرسة.
وأُذكّر بأنه وفقا للقانون الإنساني الدولي، في حال عدم حصول جميع سكان الأراضي المحتلة، أو جزء منهم، على الإمدادات الكافية، فإنه يتوجب على القوة المحتلة أن توافق على خطط الإغاثة الموجهة للسكان المعنيين وأن تُسهّل تنفيذها بكل الوسائل المتاحة لها.
إن الأونروا هي الوسيلة الأساسية لتقديم المساعدات الضرورية للاجئين الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة. ولا يوجد في الوقت الحالي أي بديل فعلي يمكنه توفير الخدمات والمساعدات المطلوبة بشكل كاف، سواء من هيئات أخرى تابعة للأمم المتحدة أو منظمات دولية أو أي جهة أخرى. إن وقف أنشطتها أو فرض قيود عليها سيترك اللاجئين الفلسطينيين دون المساعدة الأساسية التي يحتاجونها. وبناء عليه، تبقى إسرائيل، بصفتها القوة المحتلة، مُلزمة بضمان تلبية احتياجات السكان. وفي حال لم تتمكن إسرائيل من تلبية هذه الاحتياجات، فإنها مُلزمة بالسماح لأنشطة الأمم المتحدة، بما في ذلك الأونروا، وغيرها من الوكالات الإنسانية، وتسهيلها، إلى أن تُلبى احتياجات اللاجئين الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة. ولتحقيق هذا الالتزام، يتوجب على السلطات الحكومية الإسرائيلية، بما في ذلك الهيئات والأفراد القائمون بواجبات عامة بموجب القانون، التواصل مع الأونروا أو أي من ممثليها.
وعلاوة على ذلك، تظل إسرائيل ملزمة، بصفتها عضوا في الأمم المتحدة، وبموجب المادة 2، الفقرة 5، من ميثاق الأمم المتحدة، بتقديم جميع أشكال الدعم للأونروا في أي إجراء تتخذه بما يتماشى مع القرارات ذات الصلة الصادرة عن الأجهزة الرئيسية المختصة وفقا لأحكام الميثاق، بما في ذلك قرار الجمعية العامة 302 (4) والقرارات اللاحقة للجمعية العامة التي جددت ولاية الأونروا.
وبالإضافة إلى ذلك، ما لم تقتضِ التطورات اللاحقة بموجب القانون الدولي تغيير الترتيبات الحالية، ستواصل الأونروا عملها على أساس أن إسرائيل تظل ملتزمة بتعهداتها بموجب تبادل الرسائل الذي يشكل اتفاقا مؤقتا بين الأونروا وإسرائيل بشأن المساعدة المقدمة للاجئين الفلسطينيين، والمبرم في 14 حزيران 1967 (الأمم المتحدة، سلسلة المعاهدات، المجلد 620، ص 183). ويشمل ذلك الالتزامات بضمان حماية وأمن موظفي الأونروا ومنشآتها وممتلكاتها، والسماح بحرية حركة مركبات الأونروا إلى داخل إسرائيل والمناطق المعنية وخارجها، والسماح للموظفين الدوليين في الوكالة بالتحرك داخل إسرائيل والمناطق المعنية وخارجها، إضافةً إلى السماح للموظفين المحليين في الوكالة بالتحرك داخل المناطق المعنية وفق الترتيبات المبرمة أو التي ستُبرم مع السلطات العسكرية.
وتبقى إسرائيل ملزمة أيضاً بتنفيذ بنود اتفاقية امتيازات وحصانات الأمم المتحدة، التي أصبحت طرفا فيها منذ 21 فبراير 1949 (الاتفاقية العامة) والتي تنطبق على الأونروا باعتبارها جزءا لا يتجزأ من الأمم المتحدة. يشمل ذلك حصانة الأونروا وممتلكاتها وأصولها أينما كانت ومن أي شخص كان من أي إجراء قانوني؛ وحرمة مباني الأونروا؛ وحصانة ممتلكاتها وأصولها من التفتيش والمصادرة والاستيلاء وأي شكل آخر من أشكال التدخل، سواء من خلال الإجراءات التنفيذية أو الإدارية أو القضائية أو التشريعية؛ بالإضافة إلى الإعفاء من الضرائب المباشرة والرسوم الجمركية، والمحظورات والقيود المفروضة على الواردات والصادرات المتعلقة بالمواد التي تستوردها الأونروا أو تصدرها لاستخدامها الرسمي.
وفيما يتعلق بمسؤولي الأمم المتحدة وخبرائها الذين يعملون في مهام نيابة عن الأونروا، فإن إسرائيل ملزمة بالاعتراف بالامتيازات والحصانات الممنوحة لهم بموجب الاتفاقية العامة، بما في ذلك حصانتهم من الإجراءات القانونية المتعلقة بمهامهم الرسمية، وحقهم في الحصول على التسهيلات اللازمة للسفر السريع.
وفي هذا السياق، أود أن أُذكّر بأن الاتفاقية العامة تنص، بموجب المادة الثامنة، القسم 30، على ضرورة إحالة جميع الخلافات الناشئة عن تفسير أو تطبيق الاتفاقية العامة إلى محكمة العدل الدولية. وفي هذا الشأن، قد تنشأ حالة يحدث فيها خلاف بين الأمم المتحدة ودولة إسرائيل بشأن عدة أمور، منها تفسير أو تطبيق اتفاقية امتيازات وحصانات الأمم المتحدة التي تُعد إسرائيل طرفا فيها. سأواصل إطلاع الجمعية العامة على تطورات هذه المسألة لتمكينها من النظر في الإجراء المناسب.
أود أن أُذكّر أيضاً بأن إسرائيل لا تزال ملزمة، في تعاملها مع الأونروا، بالامتثال لالتزاماتها الأخرى بموجب القانون الإنساني الدولي، ولا سيما تلك المنصوص عليها في قانون الاحتلال. ويشمل ذلك حظر مصادرة الممتلكات الخاصة في الأراضي المحتلة، وحظر تدمير الممتلكات العقارية أو الشخصية من قبل القوة المحتلة، والالتزام بتيسير العمل المناسب لكافة المؤسسات المخصصة لرعاية وتعليم الأطفال في الأراضي المحتلة، إضافة إلى الالتزام بتأمين وصيانة المؤسسات والخدمات الطبية والمستشفيات في تلك المناطق.
وأخيرا، أُذكّر بأنه لا يجوز لإسرائيل الاستناد إلى أحكام قانونها الداخلي، بما في ذلك القوانين المشار إليها أعلاه، كذريعة لتبرير عدم الوفاء بالتزاماتها بموجب القانون الدولي.
أود أيضاً أن أستغل هذه الرسالة لتجديد مخاوفي بشأن تصرفات إسرائيل التي تؤثر على أنشطة الأمم المتحدة الأخرى، بما في ذلك عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في أماكن أخرى من المنطقة، مثل لبنان. وفي هذا السياق، أكرر دعوتي لالتزام إسرائيل بواجباتها الأخرى بموجب القانون الدولي، لا سيما تلك المنصوص عليها في القانون الإنساني الدولي وتلك المتعلقة بامتيازات وحصانات الأمم المتحدة، وضمان احترام وحماية موظفي الأمم المتحدة، بمن فيهم أفراد عمليات حفظ السلام، واحترام حرمة مباني الأمم المتحدة.
وكما أشرت في رسالتي المؤرخة 4 أكتوبر 2024، فقد قمت وبالنظر إلى خطورة هذه المسألة، بلفت انتباه الجمعية العامة إليها وطلبت توجيهاتها ودعمها، وسأبقي الجمعية العامة على اطلاع وثيق مع تطور الوضع.
وتفضلوا، يا صاحب المعالي، بقبول فائق التقدير والاحترام
أنطونيو جوتيريش