تعهد الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب بإلغاء وزارة التعليم، وأشار خلال حملته الانتخابية مراراً إلى الوزارة باعتبارها رمزاً لتدخل الحكومة الفيدرالية في الحياة اليومية للأسر الأميركية، وفق شبكة CNN.
وأشارت شبكة CNN الأميركية، الثلاثاء، إلى أن ترمب قال خلال تجمع انتخابي في ويسكونسن في سبتمبر الماضي: "أقول هذا طوال الوقت، وأتطلع للعودة لتحقيق ذلك. سنقوم في النهاية بإلغاء وزارة التعليم الفيدرالية".
وأضاف: "سنقوم بتجفيف مستنقع التعليم الحكومي، ونتوقف عن إهدار أموال دافعي الضرائب في غسيل أدمغة شباب أميركا بكل ما لا ترغبون في أن يسمعه شبابنا".
وذكرت CNN أنه في عام 1979، وقع الرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر، وهو ديمقراطي من ولاية جورجيا، على قانون جعل وزارة التعليم جزءاً من الحكومة الفيدرالية، وفاءً بوعد انتخابي قدمه لإحدى أكبر نقابات المعلمين في البلاد، وهي الجمعية الوطنية للتعليم.
وكانت البرامج الفيدرالية للتعليم سابقاً تُدار في وكالات أخرى. ولم يذكر ترمب بالضبط كيف يخطط لإغلاق الوزارة، وهو ما يتطلب تشريعاً من الكونجرس، أو ما الذي سيحدث للبرامج التعليمية الممولة من الحكومة الفيدرالية إذا فعل ذلك.
وأوضحت CNN أن وزارة التعليم الأميركية، تلعب دوراً حيوياً في تمويل الولايات والمدارس، وتعليم الأطفال من الأسر منخفضة الدخل، ومساعدة الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، ومن المحتمل أن يكون لقرار إلغائها تأثيرات عدة.
تمويل البرامج التعليمية
من أبرز مهام وزارة التعليم الأميركية، إدارة التمويل الفيدرالي، الذي يخصصه الكونجرس للمدارس من مرحلة رياض الأطفال حتى الصف الثاني عشر (آخر أعوام التعليم ما قبل الجامعي)، وكذلك إدارة برامج القروض الطلابية الفيدرالية والمساعدات المالية.
ويعد اثنان من أكبر برامج التمويل للمدارس من رياض الأطفال حتى الصف الثاني عشر، هما برنامج Title I، الذي يهدف إلى مساعدة تعليم الأطفال من الأسر منخفضة الدخل، وبرنامج IDEA، الذي يوفر التمويل للمدارس لمساعدة الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة.
وتساعد هذه البرامج في تحقيق الهدف، الذي أعلنته وزارة التعليم في الكونجرس، وهو "ضمان الوصول إلى فرص تعليمية متساوية لكل فرد".
وهذه البرامج مجتمعة توفر للمدارس من رياض الأطفال حتى الصف الثاني عشر نحو 28 مليار دولار سنوياً.
مع ذلك، فإن التمويل الفيدرالي يمثل عادة نحو 10% فقط من إجمالي تمويل المدارس، فيما يأتي الباقي من الضرائب المحلية، والضرائب على مستوى الولايات.
وخلال السنوات الأربع الماضية، تلقت المدارس تمويلاً إضافياً من الحكومة الفيدرالية لمساعدتها في التعافي من جائحة فيروس كورونا.
كما توزع وزارة التعليم نحو 30 مليار دولار سنوياً على الطلاب الجامعيين من ذوي الدخل المنخفض عبر برنامج Pell grant، وتدير محفظة قروض الطلاب التي تبلغ قيمتها 1.6 تريليون دولار.
الرقابة ووضع الأنظمة
تتمتع وزارة التعليم الأميركية أيضاً بدور رقابي، وتشارك في وضع الأنظمة الفيدرالية. فعلى سبيل المثال، يتولى مكتب الحقوق المدنية التابع للوزارة التحقيق في شكاوى التمييز المزعومة في الجامعات والمدارس من رياض الأطفال حتى الصف الثاني عشر.
يمكن للوزارة أيضاً وضع الأنظمة الفيدرالية. وتناولت بعض القواعد التي وضعتها الوزارة مؤخراً قضايا متعلقة بالحروب الثقافية، التي تسللت إلى السياسة المحلية خلال جائحة كوفيد-19.
وقامت وزارة التعليم في عهد الرئيس جو بايدن بتعزيز الحماية للطلاب المتحولين جنسياً، كما تشارك الوزارة في صياغة لوائح إدارة الإعفاء من قروض الطلاب. لكن كلا هاتين القاعدتين لا تزالان قيد النظر أمام القضاء.
من جهة أخرى، قامت إدارة ترمب الأولى بإلغاء الإرشادات التي وضعتها إدارة سلفه باراك أوباما، التي كانت تهدف إلى ضمان عدم تعرض الطلاب من الأقليات لعقوبات غير عادلة في المدارس.
لكن الولايات ومجالس المدارس المحلية لا تزال تحتفظ بسلطة لا يمكن تجاوزها من قبل الوزارة. على سبيل المثال، خلال جائحة كورونا، لم تتمكن وزارة التعليم من فرض إغلاق المدارس، أو إبقائها مفتوحة للتعلم الحضوري.
وفي الواقع، على الرغم من التهديد الذي أطلقه الرئيس ترمب آنذاك، لم يكن بالإمكان للسلطة التنفيذية أن تقطع التمويل الفيدرالي للمدارس، التي لم تعاود فتح أبوابها في خريف 2020.
تمويل فيدرالي مشروط
ويأتي التمويل الفيدرالي الذي تتلقاه المدارس من خلال برامج مثل Title I وIDEA مع شروط. وتحصل المدارس على التمويل بعد أن تلبي شروطاً معينة ومتطلبات تتعلق بتقديم تقارير دورية بشأن كيفية استخدام الأموال.
في تعليق على الأمر، قال فريدريك هيس، الزميل الأول ومدير دراسات سياسة التعليم في معهد "أميركان إنتربرايز": "بالنسبة لأولئك الذين يهتمون بالبيروقراطية التي تخلقها وزارة التعليم، فإن كيفية معالجة هذه القواعد والشروط هو السؤال الأكبر"، معتبراً أن "إلغاء الوزارة هو أكثر من مجرد حل مختصر".
وإحدى الطرق لمعالجة البيروقراطية، هي تقديم التمويل الفيدرالي من خلال ما يُسمى "المنح الكلية"، التي تأتي مع متطلبات أقل، بحسب CNN.
إلغاء الوزارة لا يعني وقف التمويل
ولفتت CNN إلى أن برامج التمويل الفيدرالي للمدارس من رياض الأطفال حتى الصف الثاني عشر، التي تدعم تعليم الطلاب من الأسر ذات الدخل المنخفض والأطفال ذوي الإعاقة، كانت موجودة قبل إنشاء وزارة التعليم.
وقالت مارجريت روزا، مديرة مركز Edunomics Lab التابع لجامعة "جورج تاون"، وهو مركز بحثي يركز على سياسة تمويل التعليم: "لا أعتقد أن المدارس ستفقد التمويل بشكل مفاجئ".
وأشارت روزا إلى أن برنامج Title I أثبت أنه يحظى بشعبية نسبية من كلا الجانبين" في الكونجرس.
وعندما اقترح الرؤساء في الماضي، تقليص ميزانية وزارة التعليم، عارض الكونجرس ذلك وخصص تمويلاً أكبر مما طلبه الرئيس بنسبة تصل إلى نحو 71%، وفق تحليل من "مؤسسة بروكينجز".
وحتى عندما اقترحت إدارة ترمب الأولى تقليص ميزانية الوزارة، قرر الكونجرس الذي يسيطر عليه الجمهوريون بزيادة التمويل في نهاية المطاف.
استبعاد موافقة الكونجرس
ونوهت CNN إلى أن إغلاق وكالة فيدرالية يتطلب سن تشريع من الكونجرس.
أما الدعوات لإلغاء وزارة التعليم أو دمجها مع وكالة فيدرالية أخرى ليست جديدة، إذ دعا الرئيس جمهوري الراحل رونالد ريجان، إلى إلغاء الوزارة بعد عام واحد فقط من بدء عملها في عام 1980، لكنه تراجع عندما تبين أنه لا يوجد دعم كافٍ في الكونجرس.
وخلال ولاية ترمب الأولى، اقترحت إدارته دمج وزارتَي التعليم والعمل في وكالة فيدرالية واحدة. وعلى الرغم من أن الجمهوريين كانوا يسيطرون على كل من مجلس الشيوخ ومجلس النواب في ذلك الوقت، فإن الاقتراح لم يلقَ أي تقدم.
وبحلول يناير المقبل، والذي يشهد تنصيب ترمب، يأمل الجمهوريون في السيطرة الشاملة على واشنطن، حيث سيكون لهم الأغلبية في مجلس الشيوخ، ولكن توازن القوى في مجلس النواب لا يزال غير محسوم.
كما تبنى عضوان جديدان في مجلس الشيوخ الجمهوري؛ هما بيرني مورينو، الذي هزم شيرود براون في ولاية أوهايو، وتيم شيهي، الذي هزم جون تيستر في ولاية مونتانا، هذه الفكرة.
ولكن حتى إذا سيطر الحزب الجمهوري على مجلس النواب، لا يزال من غير الواضح ما إذا كان سيكون هناك دعم كافٍ لإلغاء الوزارة في الكونجرس هذه المرة.