اتهمت منظمة "هيومن رايتس ووتش"، الخميس، إسرائيل، بإجبار الفلسطينييين في غزة على النزوح القسري، إلى حد يشكل "جرائم حرب" و"جرائم ضد الإنسانية" و"تطهير عرقي"، وهو ما يُعد التقرير الأحدث في سلسلة تقارير صادرة عن منظمات إغاثة وهيئات دولية تُحذّر من الوضع الإنساني المتردي في القطاع المحاصر.
ووجدت "هيومن رايتس ووتش"، أدلة تشير إلى أن التهجير القسري واسع النطاق "منهجي، وجزء من سياسة الدولة"، في حين لم يعلّق الجيش الإسرائيلي أو وزارة الخارجية حتى الآن، على التقرير.
وقالت المديرة التنفيذية لـ"هيومن رايتس ووتش"، تيرانا حسن إن "المياه أساسية للحياة الإنسانية، ومع ذلك، تتعمد الحكومة الإسرائيلية منذ أكثر من عام حرمان الفلسطينيين في غزة من الحد الأدنى الذي يحتاجون إليه للبقاء على قيد الحياة".
وأضافت: "هذا ليس مجرد إهمال، إنها سياسة حرمان مدروسة أدت إلى وفاة الآلاف جرّاء الجفاف والمرض، وهو ما لا يقل عن الجريمة ضد الإنسانية المتمثلة في الإبادة وأحد أفعال الإبادة الجماعية".
من جهتها، ذكرت الباحثة في قسم حقوق اللاجئين والمهاجرين في المنظمة الحقوقية، نادية هاردمان، أن الحكومة الإسرائيلية "لا يمكن أن تدَّعي حفاظها على أمن الفلسطينيين عندما تقتلهم على طول طرق الهروب، وتقصف ما تسميه بمناطق آمنة، وتقطع عنهم الطعام والمياه والصرف الصحي".
وأضافت هاردمان: "انتهكت إسرائيل بشكل صارخ التزامها بضمان عودة الفلسطينيين إلى ديارهم، حيث هدمت كل شيء تقريباً في مناطق واسعة".
وتشن إسرائيل الحرب على غزة منذ 7 أكتوبر من العام الماضي 2023، ما أودى بحياة نحو 44 ألف فلسطيني وأصاب ما يزيد عن 103 آلاف آخرين، فضلاً عن آلاف المفقودين تحت أنقاض المباني المدمرة، كما أجبرت معظم السكان البالغ عددهم نحو 2.3 ملايين نسمة على النزوح عدة مرات في ظل تدمير واسع النطاق للبنية التحتية في القطاع المحاصر.
ويحظر قانون النزاعات المسلحة، التهجير القسري للسكان المدنيين من الأراضي المحتلة، ما لم يكن ذلك ضرورياً لأمن المدنيين أو لأسباب عسكرية ملحة.
تطهير عرقي
وفي الشهر الماضي، أمرت القوات الإسرائيلية عشرات الآلاف من الأشخاص بالنزوح من مناطق في شمال القطاع بزعم الرغبة في القضاء على مقاتلي حركة "حماس" الذين يقول الجيش الإسرائيلي، إنهم يعيدون تنظيم صفوفهم حول بلدات جباليا وبيت لاهيا وبيت حانون.
وذكرت "هيومن رايتس ووتش": "من المرجح أن يكون التهجير المنظم والعنيف الذي تقوم به السلطات الإسرائيلية للفلسطينيين في غزة، مخططاً له بأن يكون دائماً في المناطق العازلة والممرات الأمنية"، وأضافت: "ترقى هذه الأعمال إلى التطهير العرقي".
وشددت على أن إسرائيل، بصفتها سلطة احتلال "ملزمة بضمان توفير التسهيلات الكافية لإيواء المدنيين النازحين، لكن السلطات منعت وصول جميع المساعدات الإنسانية الضرورية والمياه والكهرباء والوقود إلى المدنيين المحتاجين في غزة، باستثناء جزء يسير منها".
وأشارت إلى أن الهجمات الإسرائيلية ألحقت "أضراراً ودمرت الموارد التي يحتاجها الناس للبقاء على قيد الحياة، بما في ذلك المستشفيات والمدارس والبنية التحتية للمياه والطاقة والمخابز والأراضي الزراعية".
ودعت "هيومن رايتس ووتش" مدعي المحكمة الجنائية الدولية العام، كريم خان، إلى التحقيق في تهجير إسرائيل للفلسطينيين ومنعهم من ممارسة حقهم في العودة، باعتباره "جريمة ضد الإنسانية"، وحثت الحكومات أن تدين علناً الجهود الرامية إلى ترهيب مسؤولي المحكمة والمتعاونين معها والتدخل في عملها.
وخلصت المنظمة الحقوقية إلى أن "السلطات الإسرائيلية خلقت عمداً ظروفاً معيشية مصممة لإلحاق التدمير المادي بالفلسطينيين في غزة كلياً أو جزئياً".
وجاء في التقرير: "هذه السياسة، التي فُرضت كجزء من القتل الجماعي للمدنيين الفلسطينيين في غزة، تعني أن السلطات الإسرائيلية ارتكبت الجريمة ضد الإنسانية المتمثلة في الإبادة، والتي ما تزال مستمرة. كما ترقى هذه السياسة إلى أحد أفعال الإبادة الجماعية الخمسة بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية لعام 1948".
كما وجدت "هيومن رايتس ووتش" أن بعض التصريحات الصادرة عن كبار المسؤولين الإسرائيليين الذين دعوا إلى قطع المياه والوقود والمساعدات، بالتزامن مع أفعالهم، ترقى إلى تحريض مباشر وعلني على الإبادة الجماعية.
وتابعت: "إن الحصار المستمر الذي تفرضه الحكومة الإسرائيلية على غزة، كما الإغلاق الذي تفرضه منذ أكثر من 17 عاماً، يرقى أيضاً إلى عقاب جماعي للسكان المدنيين، وهو جريمة حرب. يشكّل الإغلاق أيضاً جزءاً من الجريمتين المستمرتين ضد الإنسانية المتمثلتين في الفصل العنصري والاضطهاد اللتين ترتكبهما السلطات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين".
ودانت قيام العديد من الدول بتزويد إسرائيل بالسلاح قائلة: "العديد من الحكومات قوضت جهود المساءلة واستمرت بتزويد الحكومة الإسرائيلية بالأسلحة رغم الخطر الواضح المتمثل في التواطؤ في انتهاكات خطيرة للقانون الإنساني الدولي".