أثار التقدم السريع للفصائل السورية المسلحة باتجاه دمشق دون مقاومة تذكر من الجيش السوري، تساؤلات كثيرة عن أسباب انهيار الجيش الذي اعتمد بشكل كبير على حلفاء دمشق الأجانب وخاصة في هيكل القيادة.
وتحدثت "رويترز" إلى نحو 10 مصادر من بينهم اثنان منشقان عن الجيش السوري، و3 ضباط سوريين كبار وقائدين لفصيل عراقي يعمل مع الجيش السوري، ومصدر أمني سوري، ومصدر مطلع على أسلوب جماعة "حزب الله" اللبنانية، أحد حلفاء الأسد العسكريين الرئيسيين.
ورسمت المصادر، إلى جانب وثائق مخابرات عثرت عليها "رويترز" في مكتب عسكري مهجور بالعاصمة دمشق، صورة تفصيلية لكيفية انهيار جيش الأسد، مشيرةً إلى عدة أسباب منها انخفاض الروح المعنوية للقوات، والاعتماد الكبير على الحلفاء الأجانب وخاصة في هيكل القيادة، والغضب المتزايد بين صفوفه بسبب الفساد المستشري.
ووفقاً للمصادر فإنه منذ اندلاع الحرب الأهلية عام 2011، أصبحت قيادة الجيش السوري تعتمد على القوات الإيرانية المتحالفة معها، والقوات اللبنانية والعراقية الممولة من إيران، لتوفير أفضل الوحدات القتالية في سوريا.
وأضافت المصادر، أن الجزء الأعظم من هيكل القيادة العملياتية للجيش السوري كان يديره مستشارون عسكريون إيرانيون وجماعات مسلحة متحالفة معهم.
لكن العديد من المستشارين العسكريين الإيرانيين غادروا في الربيع بعد الضربات الجوية الإسرائيلية على دمشق، وغادر الباقون، الأسبوع الماضي، وفقاً لقادة الفصائل العراقية الذين عملوا معهم.
وذكر المصدر المطلع على تفكير "حزب الله"، أن "معظم مقاتلي الجماعة وقادته غادروا بالفعل في أكتوبر الماضي للتركيز على الحرب المتصاعدة في لبنان مع إسرائيل".
وقال عقيد سوري ومصدران أمنيان سوريان ومصدر أمني لبناني مطلع على الجيش السوري، إن مركز القيادة والسيطرة المركزي للجيش السوري لم يعد يعمل بشكل جيد بعد رحيل الضباط الإيرانيين و"حزب الله".
غياب استراتيجية دفاعية
ولفتوا إلى أن الجيش السوري كان يفتقر إلى استراتيجية دفاعية، وخاصة بالنسبة لمدينة حلب، ثاني أكبر مدينة في سوريا.
وأضاف مصدران أمنيان سوريان، أن الجيش لم يقدم خطة واضحة لوحداته عندما تعرضت حلب للهجوم في أواخر نوفمبر الماضي، لكن صدرت لها أوامر بإعداد الخطة بنفسها أو التراجع إلى مدينة حمص الاستراتيجية لمحاولة إعادة تجميع صفوفها.
وسقطت حلب دون قتال كبير في 29 نوفمبر، بعد يومين فقط من بدء الهجوم، وقال 3 ضباط سوريين كبار، إن ذلك أثار موجة من الصدمة في صفوف الجيش.
رشاوى الضباط
وأكدت كل المصادر، أن ما تبقى على الأرض كان جيش يفتقر بشدة إلى التماسك، مشيرة إلى معاناة وحدات عديدة من نقص في العدد نظراً لقبول ضباط رشاوى لإخراج الجنود من الخدمة، أو مطالبتهم للجنود بالعودة إلى ديارهم وحصولهم على رواتبهم بدلاً منهم.
وأشار مسؤول أميركي طلب عدم ذكر اسمه، إلى أن "الولايات المتحدة تلقت معلومات في الأيام التي سبقت انهيار النظام، الأحد، أفادت بحدوث انشقاقات وتبديل للولاءات على نطاق واسع، فضلاً عن انتقال بعض العناصر إلى العراق".
وفي 28 نوفمبر، أصدرت القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة أوامر لجميع القوات بأن تكون على أهبة الاستعداد القتالي، وذلك وفقاً لوثيقة عسكرية عثرت عليها "رويترز" في مكتب تابع للمخابرات الجوية في دمشق.
وفي مؤشر على القلق الشديد الذي انتاب النظام السوري، اتهمت الإدارة العامة للمخابرات الجوية السورية، وهي من الأجهزة الرئيسية المقربة من عائلة الأسد، رجالها بالتراخي في نقاط الحراسة في شتى أنحاء البلاد بعد أن اجتاحت المعارضة المسلحة إحدى نقاط التفتيش في الجنوب في الأول من ديسمبر، وحذرتهم من عقاب شديد إذا لم يقاتلوا، وفقاً للوثيقة التي اطلعت عليها "رويترز".
ورغم الأوامر والتهديدات، بدأت أعداد متزايدة من الجنود والضباط في الفرار، حسبما ذكرت جميع المصادر.
وبدلاً من مواجهة المعارضة المسلحة، أو حتى المتظاهرين العزل، شوهد الجنود وهم يغادرون مواقعهم ويرتدون ملابس مدنية ويعودون إلى منازلهم.
وقال ضابطان، أحدهما تقاعد في الآونة الأخيرة والآخر انشق، إن غضب الكثير من الضباط أصحاب الرتب المتوسطة تصاعد في الأعوام القليلة الماضية لأن تضحيات الجيش وانتصاراته أثناء الحرب لم تترجم إلى تحسين الرواتب والظروف والموارد.
وعلى الرغم من أن مراسيم في عام 2021 رفعت الرواتب العسكرية إلى مثليها تقريباً لمواكبة التضخم الذي تجاوز 100% في هذا العام، إلا أن القوة الشرائية انخفضت بشدة مع انهيار الليرة السورية مقابل الدولار.
وذكر ضابط مخابرات عسكرية كبير في الخدمة، إن الغضب تصاعد على وجه الخصوص في العام المنصرم، مضيفاً أنه كان هناك "سخط متزايد تجاه الأسد" حتى بين كبار مؤيديه المنتمين إلى الطائفة العلوية.
الاعتماد على الحلفاء
اعتمد الأسد على الحلفاء في محاربة المعارضة التي بدأت انتفاضتها ضده باحتجاجات في عام 2011. وأرسلت روسيا طائرات قصفت مواقع المعارضة، كما أرسلت إيران مستشارين عسكريين ومقاتلين من "حزب الله"، فيما جاءت من العراق فصائل مسلحة تدعمها طهران، وكذلك جماعة أخرى شكلتها إيران من مقاتلين شيعة أفغان، وكانوا يتمتعون بمهارات قتالية ورفاهية على عكس الجنود السوريين.
وقال قائد فصيل عراقي مسلح يخدم بالقرب من حلب، إنه كان يدعو عادةً جنود سوريين لتناول الطعام معهم بدافع الشفقة لأن حصصهم الغذائية يرثى لها.
وأشار قادة فصائل عراقية ومصدر مطلع على طريقة تفكير "حزب الله"، إلى أن الجماعة اللبنانية والفصائل المسلحة المتحالفة معها ينظرون إلى القوات السورية النظامية "بازدراء". وأضافت المصادر، أنهم لا يثقون فيها لتنفيذ عمليات مهمة، ولا يقاتلون إلى جانبها في الغالب.
وذكر قائد الفصيل العراقي المتمركز بالقرب من حلب ومستشار عسكري عراقي في دمشق، أن التزام إيران تجاه سوريا بدأ يتزعزع في الأشهر التي أعقبت هجوم "حماس" على إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023.
وتضمن رد إسرائيل على هجوم "حماس" تكثيفاً للضربات على أهداف مرتبطة بإيران في مناطق تشمل سوريا.
كما أسفرت ضربة في أول أبريل الماضي عن سقوط قادة كبار من الحرس الثوري الإيراني كانوا في مبنى داخل مجمع القنصلية الإيرانية في دمشق، ولم تؤكد إسرائيل أو تنفي تورطها في ذلك.
وأشار المصدران العراقيان، إلى أن عدد القادة من الحرس الثوري الإيراني الموجودين في سوريا انخفض بشكل كبير بعد ذلك.
وذكر أحدهما، أن قيادة العمليات العسكرية السورية أصبحت غير فعالة نتيجة لذلك، وتفاقم الوضع بسبب انسحاب "حزب الله" في أكتوبر. وقال المصدران، إن روسيا شنت ضربات جوية على قوات المعارضة أثناء تقدمها في حماة وحمص، لكن بخلاف المراحل السابقة من الحرب، لم تكن هناك قوات برية قادرة على الاستفادة من ذلك.
وقال عقيد في الجيش السوري، إن القوات السورية اعتمدت على "حزب الله" في قيادة العمليات بحلب. وتابع هو وقائد الفصيل العراقي والمستشار العراقي: الجيش السوري لا يستطيع السيطرة على الأراضي القريبة من المدينة بدون مستشارين إيرانيين أو "حزب الله".
ولفت قائد الفصيل العراقي، إلى أن الفصائل العراقية المسلحة أرسلت المزيد من المقاتلين إلى سوريا، الأسبوع الماضي، لكنها وجدت أن جميع قنوات الاتصال بالمستشارين العسكريين الإيرانيين انقطعت.
وذكر أن الأوامر صدرت للجماعات العراقية بالمغادرة بعدما استولت الفصائل المسلحة المعارضة على مدينة حماة الجمعة. وقال المستشار العسكري العراقي: "خسرنا معركة سوريا من اليوم الأول".