دمشق بعد الأسد.. ترقب وأمل في حياة أفضل

ارتفاع مقلق لأسعار المواد الأساسية مع تزايد الطلب على السلع

time reading iconدقائق القراءة - 10
أطفال يلتقطون صورة مع مقاتل في الفصائل المسلحة بمدينة دمشق القديمة. 12 ديسمبر 2024 - Reuters
أطفال يلتقطون صورة مع مقاتل في الفصائل المسلحة بمدينة دمشق القديمة. 12 ديسمبر 2024 - Reuters
دمشق-الشرق

"أخيراً أستطيع التنفس بسلام هواءً خالياً من الخوف "، هذا ما قالته السورية ميس القاسم، وهي ربة منزل في الأربعينيات من عمرها، بصوت يحمل مزيجاً من الراحة والدهشة، بينما كانت تسير في أحد شوارع العاصمة السورية دمشق القديمة، بعد سقوط نظام الرئيس السابق بشار الأسد.

تشعر ميس، باختلاف في كل شيء، وتضيف: "في الأيام الأولى بعد سقوط النظام، كان كل شيء غارقاً في الفوضى، الكهرباء والمياه تنقطع لساعات طويلة، والأسواق فارغة والمحلات مقفلة حتى الناس لا يعرفون أين يذهبون، لكن مع مرور الوقت، بدأنا نعيد ترتيب حياتنا من جديد وإن كانت الحرب قد تركت آثارها في كل شيء".

وسيطرت فصائل المعارضة المسلحة على دمشق، الأحد الماضي، بعد هجوم مفاجئ استمر 11 يوماً، أنهى عهد بشار الأسد الذي قاد البلاد لأربعة وعشرين عاماً، وأيضاً حكم عائلة الأسد الذي امتد لأكثر من 5 عقود.

أزمة الأسواق وارتفاع الأسعار

وأصبحت الأسعار حديث الساعة في سوريا، بعدما شهدت تقلبات وقفزات هائلة وسط تزايد الطلب على السلع، فيما تراوحت قيمة الليرة السورية من 15 ألفاً و35 ألف مقابل الدولار.

وقالت سوسن التي اكتفت بذكر المقطع الأول من اسمها، وهي أم لثلاثة أطفال: "علينا أن نخطط لكل شيء. من يشتري اليوم يشتري بأسعار اليوم، فغداً ربما لن نتمكن من شراء ما نحتاجه. الخوف من ارتفاع الأسعار يجعلنا نشتري كل شيء بكميات أكبر".

وأشارت سوسن إلى ارتفاع الأسعار بشكل جنوني مقارنة ببداية الشهر الجاري، إذ ارتفع سعر كيلو السكر من 8 آلاف إلى 20 ألف ليرة، وارتفع ثمن لتر الزيت النباتي من 22 ألف ليرة إلى 37 ألف ليرة، وأضافت أن سعر كيلو الأرز بلغ أوائل الشهر نحو 30 ألف ليرة، في حين وصل الخميس إلى 45 ألفاً.

وأردفت: "إذا كنت لا تملك المال، فقد يكون من الصعب أن تجد الغذاء. قبل فترة، كانت الحكومة تبيع الخبز بموجب بطاقة ذكية، الآن نشتريه من المخابز دون أي شروط، وبعد أن كان ثمن ربطة الخبز 400 ليرة سورية على البطاقة أصبح سعرها الآن بين 4 آلاف و6 آلاف، وهذا ما يثير التساؤلات. الناس يخزنون المواد الغذائية خوفاً من ارتفاع الأسعار، لا أحد يثق بما سيحدث غداً".

يتنقل نضال حمصي، وهو شاب في 30 من عمره، بين المحلات التجارية في حي المزة بدمشق لشراء المواد الغذائية، لكنه لم يجد سوى أرفف شبه فارغة ويقول: "الأسواق فارغة، لكننا نعلم أن المشكلة ليست في النقص، بل في التخزين. الجميع يحتفظون بمخزون من مواد معينة خوفاً من غلاء الأسعار".

فقر وتحديات اقتصادية

ومع استمرار الصراع في سوريا لأكثر من 13 عاماً، توقع البنك الدولي في تقرير أصدره في وقت سابق من العام الحالي، انكماش الناتج المحلي الحقيقي في البلاد بنسبة 1.5% في عام 2024.

وأشار إلى أنه في عام 2022 طال الفقر 69% من السكان، أي نحو 14.5 مليون سوري، بينما بلغ معدل الفقر المدقع 27%.

وأضاف: "على الرغم من عدم وجود الفقر المدقع فعلياً قبل اندلاع الصراع، لكنه طال أكثر 1 من كل 4 سوريين عام 2022، وربما زاد حدة وشدة بسبب الآثار المدمرة لزلزال فبراير 2023″، الذي أودى بحياة الآلاف.

وبينما يواجه السوريون تحديات اقتصادية جسيمة، فإنهم يعانون أيضاً من ضعف الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه إلى جانب هبوط قيمة الليرة.

وأشار تقرير البنك الدولي، إلى انخفاض قيمة العملة بنسبة 141% مقابل الدولار الأميركي العام الماضي.

نهب وفوضى

ولعل ما يشغل بال السوريين حالياً أكثر من أي وقت مضى هو الفوضى والنهب الذي اجتاح المدن بعد سقوط نظام الأسد.

ففي شارع باب توما بالعاصمة، قال عادل ابراهيم، وهو من سكان المنطقة بينما كان يقف أمام محل تجاري مدمّر، إن "اللصوص استغلوا اللحظة الأولى من سقوط النظام ونهبوا كل شيء، حتى محلات الإلكترونيات تعرضت للسرقة. كان الجميع في حالة من الفوضى، ولكننا الآن نحاول استعادة السيطرة".

وفي حي كفرسوسة، حيث لا تزال آثار النهب واضحة على المحلات التجارية، هناك متاجر مغلقة وأخرى تعرض سلعاً بأسعار غير منطقية.

وقالت سلمى اليوسف التي خرجت للتسوق لتفاجأ بمشاهد لم تكن لتخطر ببالها قبل بضعة أسابيع: "لقد تغيرت الحياة تماماً. أصبحنا نشعر أن الجميع يبحث عن طريقة للبقاء على قيد الحياة. قبل سقوط النظام، كان لدينا قيود على كل شيء، لكن اليوم، نحن نواجه مشكلة أخرى، الأسعار غير مستقرة، والكل يحاول تخزين المواد الغذائية خوفاً من حدوث أزمة أكبر".

ويطغى القلق على حديث سلمى، لكنها تشعر بقدر من الارتياح، إذ تأمل في التمتع بالحرية بعد سقوط الأسد، وقالت: "رغم التحديات التي نواجهها، فإن الحرية هي أغلى شيء نتمناه، حتى لو كانت الحياة الاقتصادية صعبة".

مظاهر الحياة بدأت تعود لدمشق

وبدأت مظاهر الحياة الطبيعية تعود إلى دمشق منذ أعلنت إدارة العمليات العسكرية التابعة للسلطة الجديدة، إلغاء حظر التجول في العاصمة، وطلبت من السكان العودة إلى أعمالهم، وأن "يساهموا معاً ببناء سوريا الجديدة".

وترى سلمى أن الأوضاع تتحسن "ولكن النهب والفوضى ما زالا يخيمان على الأحياء. نسمع عن سرقة محولات الكهرباء من أماكن عدة، والطوابير الطويلة أمام محطات الوقود. كل شيء أصبح مكلفاً، وحتى وسائل النقل العام التي كانت أساسية أصبحت مشكلة بسبب غياب المازوت".

أما أحمد سعيد، الطالب في كلية العلوم السياسية بجامعة دمشق، فعبّر عن تفاؤله بأن يكون انتهاء حكم الأسد بداية لمرحلة جديدة من التعاون الإقليمي والدولي، تكون فيها سوريا جزءاً من المنظومة العربية والعالمية بشكل أكثر انفتاحاً.

وأعرب سعيد عن أمله بأن تؤدي هذه التحولات إلى رفع العقوبات المفروضة على سوريا تدريجياً، مما سيسهم في تحفيز الاقتصاد، وتهيئة مناخ أكثر جذباً للاستثمارات.

ويراقب العالم عن كثب ليرى ما إذا كان بوسع حكام سوريا الجدد تحقيق الاستقرار في بلد قد تسعى فيه الأطراف المختلفة للانتقام بعد حرب أهلية استمرت 13 عاماً.

ووعد قائد إدارة العمليات العسكرية في فصائل المعارضة المسلحة أحمد الشرع المعروف بأبو محمد الجولاني، الأربعاء، بملاحقة أي شخص متورط في تعذيب المعتقلين أو قتلهم في السجون، والتي من بينها سجن صيدنايا الشهير، خلال حكم الأسد، ولكنه يسعى حالياً لتحقيق توازن بين مطالبات الضحايا بتحقيق العدالة، وضرورة تجنب العنف، وضمان تلقي الدعم الدولي.

وحدد رئيس حكومة تصريف الأعمال في سوريا، محمد البشير، الثلاثاء، مهام حكومته التي ستستمر حتى مارس 2025، في "ضبط الأمن" و"الحفاظ على استقرار المؤسسات"، و"ضمان عدم تفكك الدولة"، إلى حين "البت في القضايا الدستورية".

وتواجه حكومة البشير تحديات اقتصادية وسياسية ثقيلة، منها كيفية التعامل مع الوجود الروسي عبر قاعدتين جوية وبحرية، واستمرار القصف الإسرائيلي الكثيف على بلاده، وملف إعادة إعمار سوريا، والذي سيكون مهمة كبيرة بعد 13 عاماً من الحرب الأهلية التي قتلت مئات الآلاف.

تصنيفات

قصص قد تهمك