أثارت مساعي رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر في إقامة علاقات أوثق مع الصين مؤخراً، تساؤلات خاصة من جانب إدارة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب القادمة والدبلوماسيين الأوروبيين وحتى بعض كبار المسؤولين البريطانيين، بحسب "بلومبرغ".
ويحرص ستارمر على الاستفادة من ثاني أكبر اقتصاد في العالم، للمساعدة في جعل بريطانيا بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي أكثر إنتاجية، لكن ذلك يتعارض مع التيارات السياسية في كل من بروكسل وواشنطن، حيث توصل حلفاء لندن إلى الرأي القائل بأن "العلاقات الصينية تجلب التهديدات أكثر من الفرص".
والشهر الماضي، أصبح ستارمر أول رئيس وزراء بريطاني يلتقي بالرئيس الصيني شي جين بينج منذ 7 سنوات، فيما من المقرر أن تجتمع وزيرة الخزانة راشيل ريفز الشهر المقبل بكبار المسؤولين في بكين في وقت مبكر مع أولويات تشمل تعميق العلاقات المالية بين شنغهاي ولندن.
وحاولت حكومة حزب العمال الجديدة إصلاح العلاقة التي انتقلت من "العصر الذهبي" في عام 2015 في عهد رئيس الوزراء المحافظ آنذاك ديفيد كاميرون، إلى كآبة تامة، إذ تجمدت العلاقات في أعقاب حملة بكين على الناشطين المؤيدين للديمقراطية في هونج كونج، ودعمها لغزو روسيا لأوكرانيا وموجة من الهجمات الإلكترونية وعمليات التجسس المزعومة في بريطانيا.
والأسبوع الماضي، عادت هذه المخاطر إلى الواجهة، عندما ظهر أن مستشاراً تجارياً صينياً لشقيق الملك، الأمير أندرو، مُنع من دخول المملكة المتحدة بسبب مخاوف أمنية.
التعاون والتحدي والتنافس
ورداً على ذلك، قال ستارمر إنه "في حين أن الأمن القومي هو أولويته، فإن سياسة الحكومة تجاه الصين ستستند إلى 3 مبادئ هي التعاون والتحدي والتنافس".
ووفقاً لمصادر مطلعة على مناقشات خاصة مع حلفاء بريطانيا، فإن تصرفات الحكومة البريطانية تشير إلى أن التعاون مع الصين أولى مبادئها، فقد مضى وزير الخارجية ديفيد لامي قدماً في زيارة إلى بكين خلال أكتوبر الماضي، حتى بعد أن أطلقت الصين تدريبات عسكرية واسعة النطاق حول تايوان التي تحكمها الديمقراطية.
وتخلى ستارمر عن فرصة إدانة الحكم على دعاة الديمقراطية في هونج كونج بعد ساعات من اجتماعه مع شي، ما دفع مسؤولين غربيين رئيسيين، وخاصة فريق ترمب ودول أوروبية، إلى التشكيك في موقف ستارمر تجاه الصين.
وقال سام جودمان، كبير مديري السياسات في معهد المخاطر الاستراتيجية الصينية في لندن: "يبدو أن هذه الحكومة تضع استراتيجيتها تجاه الصين بشكل واضح خارج التزامن مع أوروبا والولايات المتحدة بشأن مجموعة متنوعة من القضايا التي تتراوح من التعريفات الجمركية على المركبات الكهربائية الصينية، وفحص العمالة القسرية على السلع القادمة من شينجيانج، إلى اعتماد سجل للعملاء الأجانب".
بريطانيا "نقطة ضعف"
ويأتي التقارب مع الصين قبل تنصيب ترمب في يناير المقبل، إذ أعرب فريق الرئيس المنتخب عن مخاوفه لإدارة ستارمر من أن المملكة المتحدة لا ينبغي لها أن تسمح للصين برؤيتها كنقطة ضعف في العزيمة الغربية.
وقال أحدهم إن الأميركيين لا يرون أن المملكة المتحدة تبذل قصارى جهدها لتعزيز العلاقات مع الصين بما يتفق مع ادعائها بأنها "الحليف الأول لأميركا". وقد ظهرت إشارة إلى هذا الانقسام في أكتوبر الماضي، قبل انتخاب ترمب مباشرة.
وحذر السيناتور عن ولاية فلوريدا ماركو روبيو، الذي تم اختياره لاحقاً كمرشح ترمب لمنصب وزير الخارجية، من أن صفقة ستارمر لمنح موريشيوس السيطرة على جزر تشاجوس، حيث توجد قاعدة عسكرية أميركية رئيسية، تشكل "خطراً خطيراً" ومن شأنها أن تساعد بكين.
كما شكك بعض كبار المسؤولين بالاتحاد الأوروبي في توقيت تواصل المملكة المتحدة مع بكين، عندما دفعت المفوضية والعديد من دول الاتحاد الأوروبي بنهج أكثر صرامة، وخاصة فيما يتعلق بدعم الدولة الآسيوية لروسيا.
وبينما اختار ستارمر حليفه المقرب، بيتر ماندلسون، سفيراً له للولايات المتحدة في محاولة لتعميق العلاقات مع ترمب، فإن دعوة المبعوث القادم لعلاقات أوثق مع الصين قد لا تجعله محبوباً لدى الإدارة الجديدة.
وأشارت بعض الدول الأوروبية بشكل خاص إلى أن بريطانيا تعد "حالة شاذة" في عدم اتباع قيادة الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في فرض الرسوم الجمركية على المركبات الكهربائية من الصين.
ورفض حليف لستارمر الادعاء بأنه يخاطر بإزعاج الحلفاء، مشيراً إلى أن رئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيز أشرف على عودة العلاقات مع بكين هذا العام، وإن كان الرئيس الأميركي جو بايدن يسعى أيضاً إلى تحقيق نوع من الاستقرار في العلاقات مع الصين.
انتقادات في لندن
ويواجه رئيس الوزراء منتقدين في الداخل أيضاً، إذ يقال إن وزارة الداخلية لا توافق على قراره المتوقع بعدم وضع الصين على ما يسمى بالمستوى المعزز لبرنامج تسجيل النفوذ الأجنبي البريطاني، والذي كان سيفرض قيوداً أكثر صرامة على الأعمال التجارية مع بكين.
ويشعر بعض كبار المسؤولين في المملكة المتحدة بالقلق من نهج ستارمر، مشيرين إلى مخاطر التجسس والأمن السيبراني المستمرة وتصاعد النشاط الصيني لمساعدة روسيا في حربها على أوكرانيا.
في الإطار، قال حليف لرئيس الوزراء السابق ريشي سوناك، إنه بصفته مستشاراً ثم رئيساً للوزراء، رفض مقترحات من مسؤولي الخزانة للاتفاق على علاقة اقتصادية ومالية أوثق مع الصين.
وعلى النقيض من ذلك، يبدو أن ستارمر وريفز قد قبلوا هذه المقترحات، على حد قولهم، ما أدى إلى تغذية رواية مفادها أن رئيس الوزراء يسمح لوزارة الخزانة بتوجيه السياسة.
ووصف أحد كبار المسؤولين الحكوميين سياسة ستارمر تجاه الصين بأنها "طلقة في الظلام"، واعترف بأنه من غير المؤكد ما إذا كانت المملكة المتحدة سترى أي فائدة اقتصادية ملموسة من الصين، لكنه جادل بأن الأمر يستحق المحاولة في السعي لتحقيق النمو الذي تشتد الحاجة إليه.