يتواصل الجدل بين الحكومة الإيطالية ومجمع القضاة من جهة، وبين رئيسة الحكومة جورجيا ميلوني والمعارضة من جهةٍ أخرى، بسبب قرار الإفراج عن مسؤول شرطة ليبي مطلوب لدى المحكمة الجنائية الدولية، فيما تسعى لإجراء تعديلات دستورية في تركيبة السلطة القضائية.
وألقت إيطاليا القبض على أسامة المصري نجيم، الأحد الماضي، في تورينو بموجب مذكرة اعتقال أصدرتها الجنائية الدولية ومقرها لاهاي، قالت فيها إنه "مشتبه به في ارتكاب جرائم ضد محتجزين في ليبيا".
وأفرجت السلطات الإيطالية عنه، الثلاثاء، بسبب ما وصفه مصدر بوزارة الداخلية الإيطالية بـ"الخطأ القانوني"، ونقل على متن طائرة رسمية إلى طرابلس. وطالبت المحكمة الجنائية الدولية بتفسير من روما، وقالت إنها لم تُستشر من قبل الحكومة الإيطالية.
وبسبب هذه الحادثة، أعلنت ميلوني خضوعها ومسؤولين آخرين لتحقيق قضائي، بسبب الاشتباه في "مساعدة وتحريض على ارتكاب جريمة، وإساءة استخدام أموال عامة".
ولا يعني الخضوع للتحقيق إدانتها، ولا يعني بالضرورة توجيه اتهامات رسمية إليها.
تحدي جديد للمعارضة والقضاة
ورداً على موجة الانتقادات، قالت ميلوني في تصريح وُصف بأنه "تحدي جديد للمعارضة والقضاة"، إن "المدعي العام في روما لو فوي، وهو نفسه الذي أشرف على المحاكمة الفاشلة ضد (نائب رئيس الحكومة) ماتيو سالفيني بتهمة احتجاز أشخاص، أرسل لي إشعار تحقيق رسمي بتهمة المحاباة، واستغلال المنصب في قضية ترحيل المواطن الليبي أسامة نُجيم المصري".
وأوضحت أن ذات الإشعار أرسل إلى وزير العدل كارلو نورديو، ووزير الداخلية ماتيو بيانتيدوزي، ونائب رئيس الحكومة لشؤون المخابرات ألفريدو مانتوفانو.
وشددت ميلوني، التي تنوي حكومتها إدخال تعديلات تتعلق بالفصل ما بين الاختصاصات في السلطة القضائية، وإتباع وكلاء النيابة وقضاة التحقيق إلى السلطة التنفيذية، على أنها "ليست عرضة للتهديد أو الابتزاز"، وبأنها سائرة على ذات الخط "بهامة مرفوعة ولن أهاب".
وجاء هذا التصريح بالتزامن مع اجتماع للجمعية الوطنية للقضاة، من أجل انتخاب رئيس محسوب على التيار المحافظ القريب إلى الأغلبية الحاكمة.
شكوى مقتضبة
وتقدم المحامي لويجي لي جوتي بشكوى مقتضبة، الأسبوع الماضي، إلى الادعاء المحلي طالب فيها بالتحقيق في "الاستغلال السيء للموقع الوظيفي والمحاباة" في قضية إطلاق سراح نجيم المصري، وهو مدير سجن معيتيقيّة القريب من العاصمة الليبية طرابلس، إضافة إلى التحقيق بـ"إساءة استخدام الأموال العامة بنقله إلى ليبيا على متن طائرة حكومية".
وأوقفت الشرطة في تورينو نجيم المصري، ليل 19 يناير الجاري، بعد أن حضر مباراة كرة القدم بين يوفنتوس وميلان. وجاء التوقيف استناداً إلى مذكرة اعتقال دولية صادرة من المحكمة الدولية، باعتباره "مجرماً خطيراً ومطلوب دولياً".
وبدلاً من تسليمه إلى المحكمة الدولية، ألغى وزير العدل مذكرة التوقيف، كما أصدر وزير الداخلية قراراً بالطرد الفوري من الأراضي الإيطالية، وحُمل على متن طائرة فالكون تابعة للمخابرات الإيطالية، وغادر إلى طرابلس.
على عكس وصف ميلوني للي جوتي باعتباره "سياسياً يسارياً سابقاً"، و"مقرباً من رئيس الحكومة السابق رومانو برودي"، فقد تبين أن المحامي بدأ حياته السياسية في صفوف حزب "التحالف القومي" اليميني، وتولى إدارة فرع الحزب في صقلية، قبل انتقاله إلى حزب "إيطاليا القيم"، بزعامة القاضي الشهير أنتونيو دي بييرو، وشغل منصب وكيل وزارة العدل في الحكومة الثانية لرومانو برودي، ما بين عامي 2006 إلى 2008.
وزعمت ميلوني، أن "ملف التحقيق فتح نتيجة شكوى قدمها المحامي لويجي لي جوتي، الذي سبق له الدفاع عن 2 تائبين من أعضاء المافيا الكبار مثل تومازو بوشيتا وجوفاني بروسكا وغيرهم من أفراد المافيا".
وعرضت ميلوني، خلال لقاء تلفزيوني، ورقةً من رئيس النيابة العامة في روما ظهر، فيما بعد، أنها "مذكرة إشعار"، قائلةً إن النيابة العامة أدرجت اسمها، وأسماء 3 من أعضاء حكومتها، في ملف تحقيق بعد أن تسلمت بلاغ شكوى من أحد المواطنين، ولكونها (أي النيابة العامة) غير مرخصة بالتحقيق في هذا الملف، فقد أحالته إلى المحكمة الدستورية للنظر فيه.
"سوء فهم"
وفي غضون ذلك، ذكرت "الجمعية الوطنية للقضاة" في بيان، أن النيابة العامة في روما لم تصدر إشعار تحقيق رسمي، بل مجرد "إشعار تسجيل في السجل الجنائي"، وهو إجراء قانوني إلزامي.
وجاء في البيان: "من المهم التوضيح أن هناك سوء فهم من قبل بعض الشخصيات السياسية بشأن طبيعة الإجراء المتخذ. إذ لم تصدر النيابة العامة أي إشعار تحقيق كما زُعم، بل قامت فقط بتسجيل القضية، وفقاً للمادة 6 من القانون الدستوري رقم 1 لعام 1989".
ويفرض هذا القانون، الذي ينظم المسؤوليات الجنائية للوزراء، على المدعي العام إحالة القضية إلى المحكمة الخاصة بالوزراء خلال 15 يوماً من تلقي البلاغ، دون إجراء أي تحقيق، وإخطار المعنيين ليتمكنوا من تقديم مذكرات دفاعهم أو طلب الاستماع إليهم.
وبناء على ذلك، قرر المدعي العام في روما لو فوي، إرسال الإشعار إلى رئيسة الوزراء، والوزيرين كارلو نورديو وماتيو بيانتيدوزي، ونائب رئيس الحكومة لشؤون المخابرات ألفريدو مانتوفانو، باعتباره "إجراءً إلزامياً".
وبمجرد إحالة الملف، يكون لدى المحكمة المختصة 90 يوماً لإجراء تحقيقاتها، ثم تقرر ما إذا كانت ستحفظ القضية أو ترسل الملف إلى البرلمان لطلب الإذن بمباشرة الإجراءات الجنائية.
واتهمت المعارضة، رئيسة الحكومة بأنها "تُخفي الحقيقة حول سبب تجاهل الحكومة طلب المحكمة الدولية"، وبشأن إقدام وزيري العدل والداخلية في إطلاق سراح الليبي وترحيله إلى طرابلس "على متن طائرة تابعة للدولة يتحمّل دافع الضرائب تكاليفها"، وطالبت المعارضة رئيسة الحكومة بـ"الحضور إلى البرلمان لإماطة اللثام عن تفاصيل الحادث".
في هذه الأثناء، ألغيت الجلسة البرلمانية التي كانت مقررةً الأربعاء، ليقدم خلالها وزيرا العدل والداخلية بياناً بشأن اعتقال وإطلاق سراح وترحيل أسامة نُجيم المصري.
وكانت مصادر حكومية توقعت إلغاء هذه الجلسة البرلمانية بسبب التطورات الأخيرة، وتم إخطار رئيسي مجلس النواب والشيوخ بذلك بشكل غير رسمي.
وألمحت الحكومة الإيطالية، وكثير من المعلقين المقربين من الائتلاف الحاكم، إلى ما وصفوه بـ"النية المبيتة" لدى المحكمة الدولية لـ"توريط إيطاليا بالملف"، لكونها انتظرت وصول المواطن الليبي إلى إيطاليا بعد "12 يوماً من السياحة الهادئة في عدد من الدول الأوروبية".
وأشار مصدر بالمعارضة لوسائل إعلام إيطالية، إلى "معطيات عن الدور الذي يلعبه أسامة نجيم المصري في تحجيم وصول المهاجرين غير الشرعيين إلى السواحل الإيطالية".
واعتبر المصدر، أن "الارتفاع المحسوس لعدد المهاجرين الذين وصلوا إلى السواحل الإيطالية في أيام توقيف المصري بمثابة إنذار أطلقته العصابات التي تنظم تدفق المهاجرين في ليبيا، بأنها ستفتح الأبواب أمام سيل المهاجرين".