![ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان يصافح الرئيس الأميركي دونالد ترمب، في قمة زعماء مجموعة العشرين في أوساكا باليابان. 29 يونيو 2019 - Reuters](https://assets-news.asharq.com/images/articles/416x312/4-3/aGvdKOxXEs_1739811625.jpg)
يبرز ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وسيطاً قوياً ورئيساً على الساحة الدولية في الجهود الرامية إلى إعادة تشكيل المشهد الجيوسياسي على المستوى الدولي، مما يضع الرياض في موقع حاسم كوسيط في كل من الحرب الأوكرانية، وإعادة ترتيب النظام في الشرق الأوسط، وفق وكالة "بلومبرغ".
وأشارت الوكالة إلى أنه بينما يسعى الرئيس الأميركي دونالد ترمب للتوصل إلى اتفاق ينهي الصراع في أوكرانيا ويدفع بخطته المثيرة للجدل بشأن غزة التي مزقتها الحرب، يُسخّر ولي العهد السعودي علاقاته الوثيقة مع كل من الرئيسين الأميركي والروسي فلاديمير بوتين، لتعزيز دور بلاده كمركز دبلوماسي عالمي، ويلعب دوراً رئيساً كصانع سلام محتمل.
وقد جعل ذلك الرياض المكان الأكثر ترجيحاً لاستضافة قمة ترمب وبوتين بشأن أوكرانيا، كما وضع الأمير محمد في قلب الاستجابة الإقليمية للرد على مقترحات الرئيس الأميركي المثيرة للجدل بشأن غزة.
وكون ولي العهد السعودي المحاور المفضل للرئيس الأميركي في المنطقة، فإن ذلك يعزز مكانته داخلياً وعالمياً، متماشياً مع القناعة السعودية الراسخة بأن الاستقرار الإقليمي سيؤدي لجذب الاستثمارات الأجنبية، ويساعد في تحقيق الخطط الاقتصادية الطموحة للمملكة.
وقالت "بلومبرغ"، نقلاً عمن وصفتهم بـ"المصدرين المطلعين على تفكيره"، إن "الأمير محمد بن سلمان يعتقد أن النهج الحاسم لترمب قد يكون المطلوب لحل النزاعات في الشرق الأوسط وأماكن أخرى".
الرياض.. مركز للقمم الدولية
وقال جوناثان بانيكوف، مدير مبادرة سكوكروفت للأمن في الشرق الأوسط التابعة لمؤسسة "المجلس الأطلسي" البحثية، إن "قمة ترمب-بوتين يمكن أن تكون فرصة لمحمد بن سلمان لتعزيز مكانته على الساحة العالمية"، معتبراً أن الرياض تأمل أيضاً أن يساعد دعمها لهذا الجهد في تحقيق الأهداف المتعلقة بغزة.
وتؤكد السعودية بشكل متكرر على ضرورة قيام الدولة الفلسطينية، ورفضها "القاطع المساس بحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة سواء من خلال سياسات الاستيطان الإسرائيلي، أو ضم الأراضي الفلسطينية، أو السعي لتهجير الشعب الفلسطيني من أرضه".
وكان ترمب صرح، الأربعاء الماضي أنه "على الأرجح" سيلتقي بوتين في السعودية "في المستقبل القريب"، وذلك بعد مكالمة هاتفية مع الرئيس الروسي، مهدت الطريق لمحادثات تهدف لإنهاء الصراع المستمر بين موسكو وكييف منذ قرابة 3 سنوات.
وتعهد ترمب خلال حملته الانتخابية بإنهاء الحرب التي بدأت بغزو روسيا لأوكرانيا عام 2022، فيما بدأ وزير الدفاع الأميركي بيت هيجسيث، بطرح "تنازلات" قد تضطر أوكرانيا إلى تقديمها.
وفي حال عُقد الاجتماع بالفعل في السعودية، فسيعزز ذلك الصورة التي تسعى الرياض إلى ترسيخها كمركز لاستضافة القمم الدولية. وكانت المملكة سابقاً موقعاً لمناقشات رفيعة المستوى حول حل الدولتين للصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، ومستقبل سوريا، وإنهاء الحرب في السودان.
وسيكون دور الرياض في استضافة ترمب وبوتين مشابهاً لدور سنغافورة، عندما التقى ترمب بالزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون، خلال ولايته الأولى.
وذكرت "بلومبرغ" أن مسؤولين سعوديين يرون أن "تقديم الأمير محمد بن سلمان في صورة صانع سلام يعزز طموح المملكة في أن تصبح قوة عالمية متوسطة صديقة لجميع الأطراف، وتتبنى سياسة خارجية تخدم مصالحها الاقتصادية بالدرجة الأولى".
وتستثمر المملكة تريليونات الدولارات في خطة لتطوير الاقتصاد غير النفطي، من خلال "رؤية 2030"، التي تطمح إلى زيادة تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى 100 مليار دولار سنوياً بحلول ذلك العام.
وعقد ولي العهد السعودي في ديسمبر 2023 جلسة محادثات موسعة مع بوتين بالرياض، كما استقبل في العام ذاته الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الذي حضر أيضاً القمة العربية.
وترى لينا خطيب، الزميلة الباحثة في برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في معهد "تشاتام هاوس"، أن "اختيار ترمب للسعودية كمضيف يهدف لتعزيز دور المملكة على الساحة الدولية"، مضيفة أن ذلك "يؤكد صحة النهج الذي تتبعه الرياض في الشؤون الخارجية، القائم على تنويع علاقاتها الدبلوماسية".
تعاون دفاعي ونووي مع أميركا
إذا كان استضافة رئيسي الولايات المتحدة وروسيا أمراً يمكن للسعودية إدارته بسهولة نسبية، فإن التعامل مع خطة ترمب الخاصة بغزة قد يكون أكثر تعقيداً.
وقالت "بلومبرغ" إنه يتعين على الأمير محمد بن سلمان أن يوازن بين علاقته الوثيقة بواشنطن، والمخاوف العميقة للمملكة من المبادرة الأميركية من منظور عربي وإسلامي.
وتقضي خطة ترمب بأن تستحوذ الولايات المتحدة على غزة المدمرة، والاستفادة من ساحلها على البحر الأبيض المتوسط خلال عملية إعادة الإعمار. ويشمل ذلك، وفقاً لما ذكره ترمب، تهجير أكثر من مليوني فلسطيني يعيشون هناك إلى مصر والأردن ودول أخرى، وهي خطوة تعتبر على نطاق واسع "تطهيراً عرقياً".
وفي ظل إدانات واسعة النطاق في الشرق الأوسط، جاء الرد السعودي الأولي ليؤكد ضرورة إقامة دولة فلسطينية، ورفض أي محاولة لتهجير سكان غزة. ويخشى المسؤولون السعوديون والعرب من أن تدفق اللاجئين قد يهدد استقرار كل من مصر والأردن، مما قد يؤثر على استقرار المنطقة برمتها.
وذكرت "بلومبرغ"، نقلاً عن مصدر مطلع قوله، إن المسؤولين السعوديين يؤمنون بأن العالم العربي لا يمكنه السماح بانهيار مصر أو الأردن، وأن المملكة، إلى جانب قوى إقليمية أخرى، سوف تتدخل مالياً لمساعدة هذين البلدين إذا قرر ترمب قطع المساعدات عنهما.
وقالت المصادر المطلعة إنه مع ذلك، "تأمل السعودية ألا تصل الأمور إلى هذا الحد، نظراً للعلاقة القوية بين الأمير محمد بن سلمان وترمب"، مضيفة أن هذه العلاقة تعود لـ"الولاية الأولى لترمب"، و"استمرت حتى بعد خسارته للانتخابات الرئاسية الأميركية في عام 2020".
وفي هذا السياق، تعد الحكومة المصرية خطة بديلة لغزة، سيبحثها الرئيس عبد الفتاح السيسي وملك الأردن عبد الله الثاني مع الأمير محمد بن سلمان خلال قمة خماسية في الرياض، وفقاً لما ذكره مسؤولان عربيان. ومن المقرر أن تُعقد القمة في 20 فبراير الجاري.
ولطالما سعى الأمير محمد إلى إبرام اتفاق تعاون دفاعي وتقني ونووي مع الولايات المتحدة، وهو ما أبدت واشنطن استعدادها لمناقشته في حال وافقت الرياض على تطبيع العلاقات مع إسرائيل.
وقالت آنا بورشيفسكايا، الباحثة في "معهد واشنطن"، إن "ترمب يوجه رسالة مفادها أنه يدعم سعي السعودية لقيادة المنطقة"، معتبرةً أن "نهجه القائم على الصفقات في السياسة الدولية يشير إلى أنه يعتقد أنه يمكنه جني فوائد من هذا التحالف".