
احتشد عشرات الآلاف على مشارف العاصمة اللبنانية بيروت، الأحد، للمشاركة في جنازة الأمين العام لجماعة "حزب الله" اللبنانية حسن نصر الله، وخلفه هاشم صفي الدين، بعد أشهر على اغتيالهما، وسط إجراءات أمنية مكثفة، وتحليق لطائرات استطلاع إسرائيلية.
وقالت مصادر أمنية لـ "الشرق" إن طائرات من نوع "سيسنا" تابعة للجيش اللبناني حلقت في أجواء بيروت والضاحية الجنوبية، فيما حلقت طائرات استطلاع إسرائيلية في أجواء العاصمة اللبنانية خلال فترة قبل الظهر.
وأوضحت المصادر أن الطيران الإسرائيلي شن غارة على منطقة بريصا في جرود الهرمل في عمق البقاع الشمالي، كما شن سلسلة غارات في جنوب لبنان استهدفت الوادي المجاور لبلدة معرو بقضاء صور، وعلى المنطقة الواقعة بين القليلة والسماعية في القضاء ذاته، كما استهدف أطراف بلدة أنصار في قضاء النبطية، ومنطقة الأحمدية.
وأفادت الوكالة الوطنية للإعلام بتحليق الطيران الإسرائيلي على ارتفاع منخفض فوق أجواء العاصمة بيروت وضواحيها، لافتة إلى تنفيذه غارتين عنيفتين على بلدة تبنا في قضاء صيدا، وعلى جبل الريحان بمنطقة جزين، إضافة إلى استهدافه منطقة وادي العزية جنوب صور وبلدة بوداي بين محلة الجداوي وتلة الحفير غرب بعلبك.
وتجمع أنصار "حزب الله"، وهم يحملون صور نصر الله ورايات الجماعة، في ملعب بالضاحية الجنوبية لبيروت التي يسيطر عليها الحزب، في ساعة مبكرة من صباح الأحد، للمشاركة في الجنازة الشعبية الحاشدة.
وامتلأ ملعب مدينة "كميل شمعون الرياضية"، الذي يضم 55 ألف مقعد بالكامل تقريباً قبل ساعات من بدء مراسم الجنازة، التي يحضرها وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، ووفد عراقي يضم قادة فصائل مسلحة، ووفد من جماعة "الحوثي" اليمنية.
استمرّت مراسم التشييع نحو الساعة، إذ تحركت شاحنة كبيرة مكشوفة تحمل النعشين بصعوبة وسط عشرات الآلاف من المشاركين، وألقى أمين عام الجماعة، نعيم قاسم، كلمة أعقبتها صلاة الجنازة، ثم انطلقت جنازة نصر الله، إلى مكان الدفن في منطقة برج البراجنة على طريق مطار رفيق الحريري الدولي، بينما انطلقت جنازة صفي الدين إلى بلدته "دير قانون النهر" في جنوب لبنان، بناءً على وصيته.
كلمة نعيم قاسم
وقال أمين عام حزب الله نعيم قاسم، في كلمة تم بثها بالفيديو عبر الشاشات دون حضوره الشخصي، إن "الحزب وافق على الطلب الإسرائيلي بوقف إطلاق النار، لأن لا مصلحة للمقاومة ولبنان باستمرار القتال غير التناسبي وتحقيق الأضرار من دون أُفق سياسي ولا ميداني".
وأضاف: "أصبحنا الآن في مرحلة جديدة، تختلف أدواتها وأساليبها وكيفية التعامل معها.. وأبرز خطوة اتخذناها أن تتحمل الدولة مسؤوليتها بعد أن منعت المقاومة العدو من أن يجتاح أو أن يُحقق أهدافه.. يعني أنجزنا القسم الأول، ثم جاء القسم الثاني الذي هو مسؤولية الدولة، التزمنا ولم ولن تلتزم إسرائيل، صبرنا لإعطاء الفرصة لانسحاب إسرائيل بالاتفاق والدبلوماسية، ولم نخرق كي لا نتساوى معهم".
وعن مصير حزب الله قال قاسم: "لا يا حبيبي، المقاومة لم تنته، المقاومة مستمرة بِحضورها وجهوزيتها"، لكنه استدرك قائلاً: "سنمارس العمل المقاوم بالأساليب والطرق والتوقيت انسجاماً مع المرحلة وتقدير القيادة، ليس معنى استمرار المقاومة أننا في كل يوم سوف نرد، وأننا في كل يوم سوف نُطلق النار، كلا، بِخيارنا نُطلق متى نرى مناسباً ونصبر متى نرى مناسباً".
وقال قاسم: "نُؤمن بِدور الجيش (اللبناني) الكبير للدفاع عن السيادة والأمن"، مضيفاً أن "حزب الله" سيشارك في "بناء الدولة القوية والعادلة، ويساهم في نهضتها على قاعدة المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات وتحت سقف اتفاق الطائف، ضمن ثلاثة ركائز أساسية: أولاً، إخراج المحتل وإعادة الأسرى، ثانياً، إعادة الإعمار والترميم والبنى التحتية كالتزام أساسي لهذه الدولة ونحن معها، ثالثاً، إقرار خطة الإنقاذ والنهضة الاقتصادية والمالية والإدارية والقضائية والاجتماعية بأسرع وقت".
استعدادات أمنية
وكان مصدر عسكري لبناني قال لـ"الشرق" إن الجيش قرر رفع الجاهزية بنسبة 100%، اعتباراً من منتصف ليل السبت، استعداداً للجنازة، كما أصدر أوامر إلى قواعده في كافة المناطق بأن تكون على استعداد كاملة لأي تداعيات أمنية، وتسهيل مرور المشيعين دون مشكلات.
وأضاف المصدر أن الجيش قرر وضع نقاط تمركز، وتسيير دوريات على كل الخطوط الرئيسية لوصول المشيعين من البقاع والشمال والجنوب إلى جانب التنسيق مع قوى الأمن الداخلي لحفظ الأمن على جميع المنافذ وخطوط السير وبوابات الدخول.
وتابع وزير الداخلية والبلديات أحمد الحجار، منذ صباح الأحد، سير التدابير والإجراءات الأمنية المتخذة من قبل قوى الأمن الداخلي والأجهزة الأمنية والعسكرية والدفاع المدني، لمتابعة مجريات مراسم الجنازة في مدينة "كميل شمعون الرياضية" ومحيطها.
وكان اغتيال نصر الله، الذي قاد الجماعة عبر عقود من الصراع مع إسرائيل، وأشرف على تحولها إلى قوة عسكرية ذات نفوذ إقليمي، من بين الضربات العنيفة الأولى خلال تصعيد إسرائيلي أضعف الجماعة بشدة.