
توقفت بعض خدمات مؤسسة "صوت أميركا"، الأسبوع الماضي، بأمر من الرئيس دونالد ترمب، بعدما صمدت الشبكة الأميركية منذ انطلاقها عام 1942 خلال فترة الحرب العالمية الثانية، ورغم كل الأزمات التي مر بها العالم بما في ذلك الحرب الباردة والأزمة المالية العالمية في 2008 وجائحة كورونا، لم تغلق أو تعلق خدماتها.
ووقع ترمب أمراً تنفيذياً، الأسبوع الماضي، يستهدف تقليص الوكالة الأميركية للإعلام الدولي USAGM، وهي هيئة مستقلة تابعة للحكومة الأميركية وممولة من قبل الكونجرس في سياق ميزانية السفارات والقنصليات، وتدير الشبكات الإعلامية الحكومية الأميركية الموجهة إلى الخارج، بما في ذلك إذاعة "صوت أميركا" و"إذاعة أوروبا الحرة"، وقناة "الحرة" الناطقة باللغة العربية.
على مدار أكثر من 8 عقود، استخدمت الولايات المتحدة البث الدولي كأداة قوية للقوة الناعمة، لمواجهة دعاية ما تصفها بـ"الأنظمة المعادية". من إذاعة "صوت أميركا" VOA، و"إذاعة أوروبا الحرة" RFE/RL في حقبة الحرب الباردة، إلى شبكات حديثة مثل "شبكة الشرق الأوسط للإرسال" التي تضم قناة "الحرة"، وشبكاتها الرقمية، حيث تنقل هذه المنصات وجهة النظر الأميركية بمواجهة "بروباجندا" خصومها، التي عادة ما تشير إلى أنها الصين، وروسيا، وإيران.
وبينما تتحرك الحكومة الأميركية لتقليص شبكتها الممولة من الحكومة في ساحة الإعلام العالمية، إلا أن منافسيها الجيوسياسيين يفعلون العكس، إذ وسعت موسكو وبكين وطهران بشكل كبير إمبراطورياتها الإعلامية الممولة من الدولة، وضخت مليارات الدولارات لتشكيل الفضاء الإعلامي العالمي.
وتأتي هذه التحولات وسط تساؤلات عما إذا كانت الولايات المتحدة تتخلى عن ركيزة قديمة لقوتها الناعمة، وما إذا كان ذلك سيسلم الرواية الدولية إلى خصوم حريصين على إعادة تشكيل تصور العالم للولايات المتحدة.
قناة "الحرة".. مصير مجهول
لم تقتصر تداعيات الأمر التنفيذي الذي وقعه ترمب على شبكة "صوت أميركا"، بل أثر أيضاً على قناة "الحرة" والمنصات الرقمية التابعة لها، التي تبث باللغة العربية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بعدما قررت الإدارة الأميركية تجميد تمويل الشركة الأم "شبكة الشرق الأوسط للإرسال".
وأبلغت الشركة موظفيها، ومعظمهم من جنسيات عربية، الأحد، بأن إدارة ترمب قررت وقف التمويل الخاصة بالشبكة، الذي أقره "الكونجرس" في وقت سابق من مارس الجاري.
وقال أحد الموظفين بالشركة لـ"الشرق" إن الشركة وضعت معظم الموظفين بأخذ إجازة إدارية بدون راتب، مع استمرار بعض المزايا، مثل تغطية التأمين الصحي، حتى إشعار آخر.
وأضاف الموظف، الذي يعمل صحافياً بمنصة "أصوات مغاربية" التابعة لـ"شبكة الشرق الأوسط للإرسال"، إن العديد من الموظفين لم يحصلوا بعد على تصريح عمل بالولايات المتحدة، ما يجعلهم غير قادرين على مزاولة أي وظيفة أخرى، وقد يضطرون إلى العودة إلى بلدانهم.
واستثنت القناة عدداً قليلاً من الموظفين، الذين طلب منهم مواصلة العمل لضمان استمرار بث القناة والنشر على منصاتها الرقمية المختلفة.
وأبلغت إدارة الشركة الموظفين في رسالة عبر البريد الإلكتروني بأن "الاستسلام ليس خياراً"، مؤكدة أنها ستلجأ إلى القضاء والكونجرس، من أجل الطعن في قرار وقف تمويلها.
وقال جيفري جدمن، رئيس شبكة "الشرق الأوسط للإرسال" ومديرها التنفيذي، في بيان، إنه تم إبلاغ الشركة بـ"إنهاء اتفاق منحة التمويل بشكل مفاجئ"، محذراً من أن الشبكة هي "الصوت الوحيد للولايات المتحدة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الذي يقف في وجه محاولات نشر العداء ضد الولايات المتحدة".
وأضاف جدمن أن "موازنة شبكة الشرق الأوسط للإرسال لا تتجاوز كلفة مروحتين من طراز أباتشي، وفي هذا الوقت بالذات، لا يجب على أميركا أن تتخلى عن أحد مصادر قوتها".
وفي مقابلة مع صحيفة Jewish Insider، قال جدمن إن "مروحية أباتشي واحدة تكلف 53 مليون دولار.. يمكنني تشغيل هذه الشبكة الإعلامية بكلفة مروحية ونصف فقط!". وأشار إلى أنه في حال فشلت الطعون القضائية في إلغاء قرار ترمب، فإن "هناك مسارات قانونية يمكن من خلالها للشبكة مواصلة البث، إذا تمكنت من العثور على تمويل خاص لإبقاء الشبكة قيد التشغيل".
وكانت شبكة "الشرق الأوسط للإرسال" أعلنت تسريح 160 موظفاً ودمج "قناة الحرة العراق" مع القناة الأم، في سبتمبر الماضي، بعدما قلص الكونجرس ميزانيتها بنحو 20 مليون دولار.
وتتخذ الشبكة من ولاية فرجينيا مقراً لها، وبدأت قناة "الحرة" بثها في فبراير عام 2004 في إطار جهود أميركية للتواصل مع الجمهور في الشرق الأوسط، وسط تصاعد المشاعر المناهضة لأميركا بعد غزو العراق عام 2003.
"صوت أميركا".. تقليص أم تفكيك كامل؟
خلال الأسابيع الماضية، أشارت تقارير إعلامية إلى انقسام داخل إدارة ترمب بشأن مستقبل شبكة "صوت أميركا". فمن جهة، كان مستشار ترمب، إيلون ماسك، والمبعوث الخاص للأمم المتحدة، ريتشارد جرينيل، يدعون إلى إغلاق الشبكة تماماً، مؤكدين أن واشنطن لم تعد بحاجة إليها، وفي المقابل، دعت كاري ليك، التي عينها ترمب مستشارته الخاصة للوكالة الأميركية للإعلام الدولي، مشيرة إلى أهمية "صوت أميركا" في المشهد العالمي مع ضرورة إصلاحها وتحويلها إلى "سلاح" في الحرب الدعائية.
غير أن الأمر التنفيذي الذي وقعه ترمب جاء مخالفاً لما كانت تسعى إليه كاري ليك، بحسب صحيفة "واشنطن بوست"، إذ وجه بتقليص وكالة الأميركية للإعلام الدولي إلى الحد الأقصى الذي يسمح به القانون، وسط مخاوف من تفكيك شامل للشبكات الإعلامية التابعة للوكالة.
ويحكي صحافي آخر من بين 1300 موظف بالشبكة الذين تم وضعهم في إجازة إدارية، ويعمل في "صوت أميركا" الناطقة بالإسبانية لـ"الشرق"، دون الكشف عن هويته، أن "مستشارة الرئيس، كاري ليك قالت إن النية ليست الإغلاق الكامل، بل تقليص صوت أميركا إلى الحد الأدنى المطلوب قانونياً، حتى يتمكنوا من تنظيف الوكالة من الموظفين المتطرفين.. إنهم ينتقدوننا لأننا لا نستخدم مصطلح منظمة إرهابية عند الإشارة إلى حماس (الفلسطينية)، ونكتفي بقول جماعة مسلحة، أو لأننا نقدم الأخبار باستقلالية دون محاباة ساكن البيت الأبيض أو آراء حزبه"، على حد قوله.
وأضاف في حديثه لـ"الشرق" أنه "حتى لو تمكنا من العودة للعمل بقرار قضائي أو تدخل سياسي، فلن نعود كما كنا. لقد فقدنا استقلاليتنا في نظر الجمهور، لأن العالم كله الآن يرى أننا وسيلة إعلامية يمكن إغلاقها بأمر من الرئيس، مما يضعف مصداقيتنا كوسيلة مستقلة".
وفي السياق، وصف مايكل أبراموفيتز، مدير الوكالة الأميركية للإعلام العالمي، في مقابلة مع شبكة CBS News، "صوت أميركا بأنها أداة قوة ناعمة في غاية الأهمية" للولايات المتحدة، وقال إن إغلاقها "سيكون ضربة ذاتية للأمن القومي"، مشيراً إلى أن "تغطية صوت أميركا الإخبارية تلعب دوراً محورياً في التصدي لحملات التضليل الإعلامي القادمة من الصين وروسيا وإيران".
وتابع أبراموفيتز: "إذا انسحبت أميركا من هذا المجال الإعلامي، وتركت الساحة لخصومها، فهم من سيروون الروايات التي سيسمعها العالم، وهذا لن يكون في صالح أميركا. سيسمعون روايات مناهضة لأميركا. نحن بحاجة إلى محاربة ذلك بالحقيقة."
هل تتخلى أميركا عن ترسانتها الدعائية؟
بينما يدافع مؤيدو ترمب عن القرار باعتباره تصحيحاً ضرورياً للمسار، معتبرين أن هذه الشبكات فقدت هدفها الأصلي، وأصبحت منحازة سياسياً لصالح "أجندة الديمقراطيين"، يرى آخرون أن واشنطن تتخلى عن معركة السرديات الإعلامية.
اعتبر جيف لي، الخبير في السياسات العامة والشؤون الحكومية العالمية، أن القرار "خطأ جسيم". وقال لـ"الشرق"، إن "القوة الناعمة تظل أداة حيوية للمصالح الوطنية والأمن العالمي. هذه الأدوات أرخص بكثير من إرسال الصواريخ والقنابل، وبجزء بسيط من تكلفة أي حملة عسكرية"، مضيفاً: " في عصر يسوده عدم اليقين، ينبغي أن يكون توسيع الخيارات المتاحة أولوية ضرورية لتعزيز قدرة الردع المحتملة".
وأشار جيف لي، إلى أن "رد الفعل الإيجابي والمبتهج من بكين وموسكو على هذا القرار"، قائلاً إنه "يعكس الفجوة التي يتركها انسحاب الولايات المتحدة، ويؤكد على القيمة الجوهرية لهذه الوسائل الإعلامية".
واعتبر أن هذا "تطور خطير" للأمن القومي الأميركي، قائلاً: "مع وقف تمويل وكالة التنمية الدولية، مؤخراً، وتعطل خدماتها، اتخذت بكين وطهران وموسكو خطوات لتقديم المزيد من المساعدات في مجالات التنمية الدولية".
وتوقع جيف لي أن "تستغل هذه الدول تراجع أميركا من الساحة الإعلامية الدولية، لتزيد استثماراتها في آلاتها الدعائية، مما قد يشكل خسارة كبيرة للولايات المتحدة وحلفائها الغربيين في ساحة النفوذ الإعلامي والدبلوماسي".
خلال الحرب الباردة، كانت المعلومات سلاحاً قوياً، واستثمرت أميركا في البث الإذاعي والتلفزيوني لكسر الدعاية السوفيتية. لكن في العصر الرقمي، أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي ساحة المعركة الرئيسية.
يوافق بيتر روف، الصحفي والمحلل الإعلامي المحافظ، أن "إذاعة صوت أميركا، وراديو أوروبا الحرة، وراديو ليبرتي، ومن بعدها الشبكات التلفزيونية، كانت حاسمة خلال الحرب الباردة، قائلاً إنه " كان من المهم أن يستمع الناس على الجانب الآخر من الستار الحديدي إلى الأخبار كما يتم بثها من الولايات المتحدة".
لكنه أشار في حديث لـ"الشرق"، إلى "هذه الوسائل الإعلامية وإن كانت ذات قيمة في الماضي، فهذا لا يعني بالضرورة أنها لا تزال بنفس القيمة اليوم. ولا يعني ذلك أيضًا أنها لم تعد ذات قيمة".
ويرى روف أن "تفكيك الإعلام الأميركي دون بديل سيخلق فراغاً تملؤه الصين وروسيا وإيران بسرعة". وقال إن "أميركا إذا قامت بتفكيك منظومتها الإعلامية الدولية، ولم تستبدلها بشيء، فمن الطبيعي أن تتحرك الصين وروسيا وإيران لملء هذا الفراغ.. الخيار الذكي، وما أتوقع حدوثه، هو إعادة ابتكار شبكة إعلامية تستغل وسائل التواصل الاجتماعي".
بالأرقام.. من يُنفق أكثر؟
وأمر ترمب بتقليص الوكالة الأميركية للإعلام الدولي إلى "الحد الأقصى الذي يسمح به القانون"، ضمن مساعيه لخفض الإنفاق الحكومي، الذي طال مختلف الوكالات الفيدرالية.
وتكشف الإحصاءات أن ميزانية الوكالة الأميركية الممولة من قبل الحكومة تبقى أقل بالمقارنة مع بعض منافسيها، فيما تهدد تحركات ترمب الأخيرة بتقليص جهود الوكالة الأميركية للإعلام الدولي بتوسيع هذه الفجوة.
في عام 2024، خصصت الولايات المتحدة 944 مليون دولار للوكالة الأميركية للإعلام الدولي، لتمويل الشبكات الإعلامية التابعة لها. وكانت الميزانية المقترحة لعام 2025 أعلى قليلاً عند 950 مليوناً، حتى تحركت الإدارة لوقف تمويل الوكالة بالكامل.
بالمقابل، تقدر الإحصاءات أن روسيا تنفق سنوياً ما يقدر بـ1.1 مليار دولار على وسائل الإعلام الممولة من الدولة الموجهة للداخل والخارج، بما في ذلك وكالة "روسيا سيغودنيا" التي تضم "سبوتنيك" وقناة "آر تي" التلفزيونية (روسيا اليوم).
ويفوق إنفاق الصين على الإعلام جميع الدول الأخرى. فمنذ عام 2010، ضخت بكين ما بين 6 و10 مليارات دولار سنوياً في ترسانتها الإعلامية المملوكة للدولة بما في ذلك شبكة CGTN المعروفة سابقاً باسم CCTV، ووكالة أنباء "شينخوا"، وإذاعة الصين الدولية، و"جلوبال تايمز"، ضمن مساعيها لبسط نفوذها على المشهد الإعلامي العالمي.
أما إيران، كانت ميزانية هيئة الإذاعة الإيرانية IRIB، التي تشرف على قناة Press TV الدولية وقناة "العالم" الناطقة بالعربية، تبلغ 900 مليون دولار عام 2009، ولكنها قلصت الميزانية في السنوات الأخيرة بسبب العقوبات المفروضة على طهران إلى نحو 158 مليون دولار عام 2023.
وفي عام 2025، رفعت إيران تمويل ترسانتها الإعلامية إلى 480 مليوناً عام 2025، وهي زيادة كبيرة تشير إلى التزام طهران بمواجهة النفوذ الأميركي في الشرق الأوسط، وفق مركز state media monitor.
حرب الإعلام
على مدى عقود، انخرطت الولايات المتحدة وخصومها في حرب معلومات عبر مناطق متعددة، مستخدمين الشبكات والقنوات الممولة من الدولة للتأثير على الرأي العام، وتشكيل الروايات، وتعزيز أجنداتهم الجيوسياسية.
وتعد الوكالة الأميركية للإعلام الدولي أكبر شبكة إعلامية حكومية دولية من حيث الوصول الجماهيري، حيث تصل شبكاتها مثل صوت أميركا VOA، وإذاعة أوروبا الحرة/راديو ليبرتي (RFE/RL) إلى حوالي 420 مليون شخص أسبوعياً بـ63 لغة في أكثر من 100 دولة، وفقاً لإحصائيات عام 2023.
وتستهدف شبكات الوكالة الأميركية إفريقيا جنوب الصحراء، وأميركا اللاتينية بالإضافة إلى الشرق الأوسط وشرق آسيا. كما توجد برامج بث تاريخية موجهة إلى كوبا (راديو/تلفزيون مارتي)، وروسيا وأوروبا الشرقية عبر شبكات RFE/RL الناطقة بالروسية والأوكرانية وغيرها.
وفي إيران، تبث الولايات المتحدة عبر شبكات "صوت أميركا" الناطقة بالفارسية وراديو "فردا". كما تستهدف شبكات الوكالة الأميركية الصين عبر شبكة راديو آسيا الحرة RFA، وشبكة "صوت أميركا" الناطقتين بالماندرين والكانتونية.
في السنوات الأخيرة، وسعت الشبكة جهودها في منطقة الهندو-باسيفيك وإفريقيا لمواجهة الرسائل الإعلامية الصينية والروسية، عبر تقديم صحافة ناطقة باللغات المحلية وأخبار قائمة على الحقائق.
وبحسب إحصاءات الوكالة لعام 2023، يتابع شبكات الوكالة الأميركية أسبوعياً عبر الراديو والتلفزيون والمنصات الرقمية، 19% من الإيرانيين، وما بين 10 و11% من الروس، بالإضافة إلى 34% من العراقيين ونحو 33% من الجمهور في نيجيريا.
ويقول تلفزيون روسيا اليوم (RT) إن لديه حوالي 70 مليون مشاهد أسبوعياً عالمياً، وفقاً لاستطلاع أجرته شركة Ipsos عام 2016، لكن تحليلات أخرى تظهر أن تأثيره محدود في العديد من الأسواق. قبل حظر القناة عام 2022، كانت نسبة جمهور RT عبر الإنترنت في المملكة المتحدة لا تتجاوز 0.6% شهرياً، و3% في ألمانيا و2% في فرنسا.
تركز روسيا على استهداف الدول الغربية، حيث تبث RT بالإنجليزية والفرنسية والألمانية (قبل حظرها في الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة عام 2022)، وذلك للتأثير على الرأي العام والنقاش السياسي.
كما تستهدف الجنوب العالمي عبر RT العربية وسبوتنيك العربية، التي تخاطب الشرق الأوسط، وRT الإسبانية التي تنشط في أميركا اللاتينية، حيث اكتسبت جمهوراً في فنزويلا ونيكاراجوا. كما تبث أيضاً سبوتنيك بلغات مثل الصربية والماندرين.
سلاح الصين
أما وسائل الإعلام الصينية، فإن تأثيرها متباين. فرغم أن قناة CGTN تبث بلغات متعددة عبر القارات، إلا أن الأرقام الدقيقة لجمهورها غير متوفرة.
في بعض المناطق، حققت الصين موطئ قدم مهمًا، كما هو الحال في إفريقيا، حيث تتيح CGTN بثها المجاني عبر شراكات مع منصة Star Times الصينية، مما يسمح بوصول الأخبار الصينية إلى ملايين الأسر الإفريقية، إذ تقول الشبكة إنها تصل إلى 10 ملايين مشاهد. ومع ذلك، يعتقد المحللون أن هذه الأرقام قد تكون مبالغاً فيها، بحسب صحيفة "جارديان".
كما استثمرت CGTN بكثافة في بناء متابعين، حيث بلغ عدد متابعي صفحتها على فيسبوك بالفرنسية أكثر من 20 مليون متابع، وبالإسبانية 15 مليونًا بحلول عام 2019.
تتميز استراتيجية الإعلام الصيني بأنها واسعة النطاق وموجهة من الدولة، بالتوازي مع جهودها الاقتصادية والدبلوماسية، مثل مبادرة الحزام والطريق. وتستهدف الشبكات الإعلامية الصينية إفريقيا، وجنوب آسيا، وجنوب شرق آسيا، وأميركا اللاتينية، حيث تسعى الصين لكسب التأييد الشعبي بصفتها قوة عالمية صاعدة.
وتدير CGTN قنوات بالإنجليزية، والإسبانية، والفرنسية، والعربية، والروسية. فيما تمتلك وكالة الأنباء شينخوا (Xinhua) 170 مكتبًا حول العالم، تقدم خدمات إخبارية للعديد من الدول. كما تبث إذاعة الصين الدولية (CRI) بعشرات اللغات، أحيانًا عبر محطات محلية ممولة سراً من بكين. وتركز هذه الشبكات على نشر محتوى إيجابي عن الصين، مع تجنب الهجمات المباشرة كما تفعل روسيا، وفق "جارديان".
أما إيران، فتبقى تأثيراتها الإعلامية محدودة عالمياً، إذ أن قناة Press TV التي أطلقت عام 2007، لديها جمهور بين المعسكرات الناقدة للغرب، لكنها تعرضت للحظر من مزودي الأقمار الصناعية الرئيسيين في عدة فترات.
وفي الشرق الأوسط، تبث قناة "العالم" باللغة العربية لجمهور موالي لإيران، لكن داخل إيران نفسها، تراجع تأثير هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية، حيث تشير التقارير إلى أن 32% فقط من الإيرانيين يعتقدون أن برامجها تعكس الواقع، وأقل من النصف يعتمدون عليها كمصدر رئيسي للأخبار.
وعلى الرغم من مواردها المحدودة مقارنة بالصين وروسيا، لديها نهج إعلامي مركّز للغاية، يهدف إلى دعم حلفائها الإقليميين والترويج لموقفها الأيديولوجي وتعزيز أهداف طهران الجيوسياسية، مما يجعله لاعبًا رئيسيًا في ساحة الحرب الإعلامية.