
قال رئيس تحرير مجلة "ذا أتلانتيك" الصحافي الأميركي جيفري جولدبيرج، الاثنين، إنه تلقى رسائل نصية عن طريق الخطأ من وزير الدفاع الأميركي بيت هيجسيث، تضمنت تفاصيل دقيقة لخطط عسكرية أميركية لشن ضربات في اليمن، وذلك قبل ساعتين من بدء الهجمات، فيما ذكر البيت الأبيض في بيان، أنه يُراجع كيف تمت إضافة جولدبيرج في المحادثة الجماعية عبر تطبيق "سيجنال" SIGNAL، وضمت كبار المسؤولين الأميركيين.
تعود بداية القصة إلى 11 مارس الجاري، إذ قال جولدبيرج إنه تلقى طلب تواصل عبر تطبيق "سيجنال" من شخص يزعم أنه مايكل والتز، مستشار الأمن القومي في إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب.
ورغم شكوكه، وافق على التواصل، ليُضاف لاحقاً إلى مجموعة محادثة سرية تحمل اسم Houthi PC small group. وفي 15 مارس، قبل ساعتين فقط من تنفيذ الضربات العسكرية، وصلت إلى جولدبيرج رسالة تحتوي على تفاصيل العمليات العسكرية ضد أهداف حوثية في اليمن، لتبدأ الهجمات بعد وقت قصير، ما أكد له أن المعلومات التي تلقاها كانت صحيحة.
وجاء في إحدى الرسائل التي أرسلها والتز إلى المجموعة: "نقوم بإنشاء مجموعة رئيسية لتنسيق العمليات ضد الحوثيين خلال الـ72 ساعة القادمة. نائبي أليكس وونج يشكل فريق عمل على مستوى نواب الوزراء وكبار موظفي الوكالات لمتابعة نتائج اجتماع غرفة العمليات هذا الصباح".
وسرعان ما بدأ مسؤولون بارزون بالتفاعل مع المحادثة، حيث عيّن وزير الخارجية المفترض ماركو روبيو، مستشاره مايك نيدهام ممثلاً عن الوزارة، بينما قال حساب باسم جيه دي فانس إن أندي بيكر سيمثل نائب الرئيس الأميركي.
كما تم تعيين جو كينت مديراً للاستخبارات الوطنية، ودان كاتز عن الخزانة، ودان كالدويل عن وزارة الدفاع، فيما أعلن شخص يدعى براين أن براين ماكورماك سيمثل مجلس الأمن القومي.
وورد أيضاً اسم مسؤول في وكالة الاستخبارات المركزية CIA، لكن جولدبيرج امتنع عن كشف هويته لدواعٍ أمنية.
ومع انتهاء المحادثة، ضمت المجموعة 18 مسؤولاً، بينهم شخصيات بارزة في مجلس الأمن القومي، ومستشار ترمب لشؤون الشرق الأوسط وأوكرانيا ستيف ويتكوف، ورئيسة موظفي البيت الأبيض سوزي وايلز، بالإضافة إلى شخصية يُعتقد أنها المستشار الرئاسي ستيفن ميلر.
وأشار جولدبيرج، إلى أن المفاجأة الكبرى كانت إدراج اسمه في هذه المحادثة الحساسة، دون معرفة كيفية حصول ذلك.
وأوضح جولدبيرج، أنه بعد استلامه الرسائل المنسوبة إلى والتز، ناقش الأمر مع عدد من زملائه، إذ رجّحوا احتمال أن تكون هذه الرسائل جزءاً من حملة تضليل إعلامي، سواء من قبل جهاز استخبارات أجنبي أو منظمة إعلامية تهدف إلى إحراج الصحافيين.
وأضاف أنه شكك في مصداقية هذه المراسلات، معتبراً أنه من غير المحتمل أن تناقش قيادات الأمن القومي الأميركية خطط حرب وشيكة عبر "سيجنال"، كما استبعد أن يكون مستشار الأمن القومي قد أدرج رئيس تحرير "ذا أتلانتيك" في محادثات حساسة تضم مسؤولين كباراً.
في اليوم التالي، ازدادت الأمور غرابة. عند الساعة 8:05 صباحاً من يوم الجمعة، 14 مارس، تلقى جولدبيرج رسالة من حساب باسم مايكل والتز جاء فيها: "أيها الفريق، ينبغي أن يكون لديكم بيان بالاستنتاجات مع التكليفات وفقاً لتوجيهات الرئيس هذا الصباح في صناديق بريدكم عالية الأمان.".
كما تضمنت الرسالة تفاصيل خطط للتواصل مع الحلفاء الإقليميين، وترتيب الإحاطات لكبار المسؤولين.
ردود الفعل
تبع ذلك نقاش سياسي موسع، حيث رد حساب باسم جي دي فانس عند الساعة 8:16 صباحاً، قائلاً إنه خارج الخدمة لحضور فعالية اقتصادية في ميشيجان، لكنه عبّر عن قلقه من أن "هذه الخطوة قد تكون خطأ"، مشيراً إلى تداعيات اقتصادية محتملة، أبرزها تأثيرها على أسعار النفط والتجارة الدولية. كما لفت إلى أن "الرئيس قد لا يدرك مدى تناقض هذه الخطوة مع رسالته الحالية بشأن أوروبا".
وفي الساعة 8:22، كتب حساب باسم جو كينت المرشح لرئاسة المركز الوطني لمكافحة الإرهاب: "لا يوجد أي دافع زمني ملح لتنفيذ هذه الخطوة الآن. ستكون لدينا نفس الخيارات المتاحة بعد شهر".
وبعد دقائق، في الساعة 8:26 صباحاً، تلقى جولدبيرج رسالة من حساب يحمل اسم جون راتكليف، تضمنت معلومات قد تشير إلى عمليات استخباراتية جارية.
وفي تمام الساعة 8:27 صباحاً، أرسل الحساب المسجل باسم بيت هيجسيث رسالة إلى المجموعة قال فيها: "نائب الرئيس، أتفهم مخاوفك وأؤيد تماماً طرحها على الرئيس. هناك اعتبارات مهمة يصعب التنبؤ بتداعياتها، مثل الاقتصاد، والسلام في أوكرانيا، والوضع في غزة، وغيرها. أعتقد أن التحدي الرئيسي يكمن في الرسائل الإعلامية، إذ لا أحد يعرف من هم الحوثيون، ولذلك يجب التركيز على نقطتين: 1- (الرئيس السابق جو) بايدن فشل، و2- إيران هي الممول".
وأضاف الحساب ذاته: "الانتظار لأسابيع أو شهر لن يغير الحسابات بشكل جوهري، لكن هناك مخاطرتان فوريتان للتأجيل: 1- تسريب المعلومات، ما سيجعلنا نبدو مترددين؛ 2- احتمال أن تتحرك إسرائيل أولاً، أو أن ينهار وقف إطلاق النار في غزة، ما يفقدنا زمام المبادرة. يمكننا إدارة هذين الأمرين، ونحن مستعدون للتنفيذ".
وأردف: "لو كان القرار بيدي، كنت سأمضي قدماً. هذه المسألة ليست مرتبطة بالحوثيين فقط، بل تتعلق بأمرين رئيسيين: 1- استعادة حرية الملاحة، باعتبارها مصلحة قومية أساسية. 2- إعادة فرض الردع الذي أضعفه بايدن. لكن يمكننا تأجيل التنفيذ، وإذا فعلنا، سأضمن تطبيق أمن العمليات بنسبة 100%".
وبعد دقائق، نشر الحساب المنسوب لمايكل والتز رسالة مطولة تتناول أرقام التجارة والقدرات المحدودة للقوات البحرية الأوروبية، مشيراً إلى أنه "سواء كان الآن أو بعد عدة أسابيع، فإن الولايات المتحدة ستكون الجهة التي تعيد فتح هذه الممرات المائية. وبتوجيه من الرئيس، نعمل مع وزارتي الدفاع والخارجية لتقييم التكاليف وتحميلها للأوروبيين".
وفي الساعة 8:45، رد الحساب المسمى جي دي فانس موجهاً رسالة لبيت هيجسيث، قال فيها: "إذا كنت تعتقد أن علينا تنفيذ العملية، فلنمضِ قدماً. لكنني أكره إنقاذ أوروبا مرة أخرى". وهو ما يعكس انتقادات متكررة لإدارة ترمب بشأن تحمل واشنطن العبء العسكري لحماية التجارة الأوروبية.
وجاء الرد بعد 3 دقائق من هيجسيث: "نائب الرئيس، أشاطرك تماماً اشمئزازك من استغلال الأوروبيين للولايات المتحدة. هذا أمر بائس. لكن مايك محق، نحن الجهة الوحيدة القادرة على القيام بذلك. لا يوجد أي طرف آخر حتى قريب من إمكانياتنا. السؤال الآن يتعلق بالتوقيت، وأرى أن هذا هو الوقت المناسب وفقاً لتوجيهات الرئيس بفتح الممرات المائية. أعتقد أنه يجب المضي قدماً، لكن الرئيس لا يزال يملك 24 ساعة لاتخاذ القرار النهائي".
وعند هذه المرحلة، تحدث حساب S M، والذي يُعتقد أنه يعود لستيفن ميلر، مستشار ترمب ونائب كبير موظفي البيت الأبيض آنذاك، أو لشخص آخر ينتحل شخصيته. قائلاً: "حسبما سمعت، كان الرئيس واضحاً: الضوء الأخضر، لكن ينبغي أن نوضح لمصر وأوروبا ما نتوقعه في المقابل. علينا أيضاً معرفة كيفية فرض هذا الشرط، فمثلاً، إذا لم تعوض أوروبا التكاليف، فماذا سيكون رد فعلنا؟ إذا نجحت الولايات المتحدة في استعادة حرية الملاحة بتكلفة باهظة، فيجب تحقيق مكاسب اقتصادية إضافية مقابل ذلك".
وقد أنهت هذه الرسالة النقاش تقريباً، حيث جاء آخر رد من هيجسيث عند الساعة 9:46 صباحاً بكلمة واحدة: "متفق".
وبعد الاطلاع على سلسلة الرسائل هذه، وجد جولدبيرج أنها تمتلك درجة عالية من الواقعية، إذ بدت لغة النصوص ومحتواها متماشية مع أسلوب الشخصيات التي يُزعم أنها شاركت فيها، أو ربما كانت من إنتاج نظام ذكاء اصطناعي متقدم.
ورغم استمرار الشكوك بشأن احتمال أن تكون هذه الرسائل جزءاً من عملية تضليل أو محاكاة، إلا أن مستوى الدقة في محاكاة الأسلوب والمعلومات الجيوسياسية كان لافتاً.
وفي صباح السبت 15 مارس، اتخذت هذه القصة منحى غير متوقع. ففي الساعة 11:44 صباحاً، نشر الحساب المسمى بيت هيجسيث تحديثاً للفريق عبر تطبيق "سيجنال".
وذكر جولدبيرج، أنه لن ينقل محتوى هذا التحديث أو بعض الرسائل اللاحقة، نظراً لحساسيتها الشديدة، إذ كان من الممكن أن يستخدمها خصوم الولايات المتحدة للإضرار بالقوات العسكرية والاستخباراتية الأميركية، لا سيما في منطقة مسؤولية القيادة المركزية الأميركية في الشرق الأوسط.
وتابع: "ما يمكنني قوله، لتوضيح مدى التهور الصادم في هذه المحادثة، هو أن رسالة هيجسيث تضمنت تفاصيل عملياتية عن ضربات أميركية وشيكة على اليمن، بما في ذلك معلومات حول الأهداف والأسلحة المستخدمة، بالإضافة إلى تسلسل الهجمات.
الشخص الوحيد الذي رد على هذا التحديث كان الشخص المعرّف كنائب الرئيس، حيث كتب فانس: "سأدعو من أجل تحقيق النصر"، وتبع ذلك ردود أخرى برموز تعبيرية للدعاء من قبل عضوين آخرين.
ووفقاً لنص هيجسيث المطوّل، كان من المقرر أن تبدأ الضربات في اليمن بعد ساعتين، أي في الساعة 1:45 ظهراً بتوقيت الساحل الشرقي للولايات المتحدة.
وقال جولدبيرج: "عندها، قررت أن أراقب الوضع، فانتظرت في سيارتي في موقف أحد المتاجر الكبرى. إذا كانت هذه المحادثة على (سيجنال) حقيقية، فستبدأ القنابل قريباً في السقوط على أهداف الحوثيين. وبحلول الساعة 1:55، تحققت من منصة (إكس)، وبحثت عن أخبار اليمن، ووجدت تقارير تؤكد سماع دوي انفجارات في العاصمة صنعاء".
وأضاف: "عدت إلى مجموعة (سيجنال)، وفي الساعة 1:48، نشر مايكل والتز تحديثاً جديداً للمجموعة. لن أنقل محتوى رسالته، باستثناء وصفه للعملية بأنها عمل مذهل.
وبعد دقائق، كتب جون راتكليف: "بداية جيدة". وبعد فترة قصيرة، رد والتز بثلاثة رموز تعبيرية: قبضة يد، علم أميركي، ونار. بينما أرسلت سوزي وايلز رسالة نصها: "تحية للجميع.. خاصة لمن هم في الميدان والقيادة المركزية! عمل رائع. بارك الله فيكم".

وأضاف ستيف ويتكوف 5 رموز تعبيرية: يداً تشير للدعاء، عضلة مشدودة، وعلمين أميركيين.
وتضمن النقاش بعد العملية تقييمات للأضرار، بما في ذلك قتل شخص معين كان مستهدفاً في الهجمات. ووفقاً لوزارة الصحة التابعة للحوثيين، أسفرت الضربات عن سقوط ما لا يقل عن 53 شخصاً، وهو رقم لم يتم التحقق منه بشكل مستقل.
في اليوم التالي، ظهر والتز على قناة ABC في برنامج "This Week" وقارن الضربات بالنهج الأكثر تردداً لإدارة بايدن. وقال: "هذه لم تكن مجرد ضربات رمزية مترددة، بل كانت استجابة ساحقة استهدفت عدة قادة حوثيين وأطاحت بهم".
وأشار جولدبيرج إلى أنه "بحلول ذلك الوقت، كنت قد اقتنعت تقريباً بأن مجموعة (سيجنال) هذه حقيقية. وبعد إدراكي لهذه الحقيقة الصادمة، التي بدت غير ممكنة قبل ساعات فقط، قررت مغادرة المجموعة، رغم أنني كنت أعلم أن ذلك سيؤدي إلى تنبيه منشئ المجموعة، مايكل والتز، بأنني غادرت. ومع ذلك، لم يلاحظ أحد في المجموعة وجودي هناك، ولم أتلقَ أي استفسارات لاحقة بشأن سبب مغادرتي أو الأهم، من أكون أنا".
ولفت جولدبيرج إلى أنه أرسل بريداً إلكترونياً إلى والتز، كما أرسل له رسالة على حسابه في "سيجنال"، وقال إنه تواصل أيضاً مع بيت هيجسيث، وجون راتكليف، وتولسي جابارد، ومسؤولين آخرين.
وأشار إلى أنه طرح في رسالة البريد الإلكتروني، بعض الأسئلة منها: هل مجموعة "Houthi PC small group" على "سيجنال" حقيقية؟ هل كانوا يعلمون أنني كنت ضمن هذه المجموعة؟ هل تمت إضافتي عن قصد (وإن كان احتمالاً ضئيلاً)؟ وإذا لم يكن كذلك، فمن ظنوا أنني كنت؟ هل أدرك أي شخص هويتي عند إضافتي أو عند مغادرتي للمجموعة؟ هل يستخدم مسؤولو إدارة ترمب الكبار "سيجنال" بانتظام لمناقشات حساسة؟ هل يعتقد هؤلاء المسؤولون أن استخدام مثل هذه القناة قد يعرّض الأفراد الأميركيين للخطر؟.
رد البيت الأبيض
وبعد ساعتين، رد المتحدث باسم مجلس الأمن القومي براين هيوز، مؤكداً صحة مجموعة "سيجنال"، وقال: "يبدو أن هذه سلسلة رسائل حقيقية، ونحن نراجع كيفية إضافة رقم بشكل غير مقصود إلى المجموعة".
وأضاف: "تعكس هذه المحادثة التنسيق العميق والمدروس بين المسؤولين الكبار. كما أن النجاح المستمر للعملية ضد الحوثيين يبرهن على عدم وجود أي تهديد للقوات أو الأمن القومي".
وذكر جولدبيرج، أنه "لم يشهد من قبل اختراقاً كهذا. من الشائع أن يستخدم مسؤولو الأمن القومي (سيجنال)، لكنه يُستعمل عادة لتنسيق الاجتماعات والمسائل اللوجستية، وليس لنقاشات تفصيلية وسرية حول عمليات عسكرية وشيكة. وبالطبع، لم أسمع قط عن واقعة تمت فيها دعوة صحافي لمثل هذا النقاش".
وأوضح أنه ربما يكون والتز من خلال استخدامه "سيجنال" لتنسيق عمل عسكري وطني، قد انتهك عدة مواد من "قانون التجسس"، الذي ينظم التعامل مع معلومات "الدفاع الوطني"، وذلك وفقاً لما نقله عن عدة محامين مختصين في الأمن القومي.
واتفق جميع المحامين، على أنه لا ينبغي لمسؤول أميركي إنشاء مثل هذه المجموعة من الأساس. فالمعلومات المتعلقة بعملية عسكرية نشطة تندرج ضمن تعريف "معلومات الدفاع الوطني" في القانون. كما أن "سيجنال" ليس تطبيقاً معتمداً من الحكومة لمشاركة المعلومات السرية. فالحكومة لديها أنظمة خاصة لهذا الغرض.
وقال جولدبيرج إنه بهذا، أصبحت مجموعة "سيجنال" تنقل معلومات لشخص غير مخول بالاطلاع عليها، مشيراً إلى أن هذا هو التعريف الكلاسيكي لـ"التسريب"، حتى لو كان غير مقصود.
ولفت إلى أن جميع أعضاء مجموعة "سيجنال" كانوا على دراية بالحاجة إلى السرية وأمن العمليات. ففي رسالته التي تضمنت تفاصيل عن الهجوم الوشيك على أهداف حوثية، كتب هيجسيث إلى المجموعة التي كان جولدبيرج عضواً فيها حينها: "نحن حالياً في وضع آمن من حيث أمن العمليات".