
قالت "بلومبرغ"، إن كشف محادثات سرية بين مسؤولين أميركيين كبار عبر تطبيق المراسلات "سيجنال"، أظهر بوضوح الحد الأقصى لما وصفته بـ"ازدرائهم" لحلفائهم الأوروبيين الذين تتزايد لديهم مشاعر القلق إزاء الولايات المتحدة.
وكان رئيس تحرير مجلة "ذا أتلانتيك" الصحافي الأميركي جيفري جولدبيرج، كشف الاثنين، أنه تلقى رسائل نصية عن طريق الخطأ عبر تطبيق "سيجنال" SIGNAL من وزير الدفاع الأميركي بيت هيجسيث، تضمنت تفاصيل دقيقة لخطط عسكرية لشن ضربات ضد أهداف حوثية في اليمن، وذلك قبل ساعتين من بدء الهجمات.
وذكرت بلومبرغ في تقرير الثلاثاء، أن المحادثات بين نائب الرئيس الأميركي جيه دي فانس، وهيجسيث، سلطت الضوء على اعتقادهما بأن الحلفاء الأوروبيين "يستغلون" جهود الولايات المتحدة في استهداف جماعة "الحوثي" في اليمن.
وبحسب المحادثة التي نشرتها "ذا أتلانتيك"، ناقش المسؤولون في مجموعة المحادثة ما إذا كان ينبغي للولايات المتحدة تنفيذ الضربات، وفي مرحلة ما من النقاش بدا أن فانس يتساءل عما إذا كان حلفاء واشنطن الأوروبيين، الأكثر تأثراً باضطرابات الشحن في المنطقة، يستحقون المساعدة الأميركية.
"أكره إنقاذ أوروبا مجدداً"
وكتب حساب يحمل اسم فانس مخاطباً هيجسيث: "إذا كنت تعتقد أن علينا أن نفعل ذلك، فلنفعله". وأضاف: "أكره فقط إنقاذ أوروبا مجدداً"، مُبدياً تحفظه بشأن المضي قدماً في الضربات.
وردّ حساب يحمل اسم هيجسيث: "نائب الرئيس: أشاطرك تماماً كراهيتك للاستغلال الأوروبي"، مضيفاً: "إنه أمر مثير للشفقة".
وأعرب فانس عن رفضه للضربات الأميركية على الحوثيين لأسباب عدّة منها، أن "3% فقط من التجارة الأميركية تمر عبر قناة السويس، مقابل 40% من التجارة الأوروبية"، كما أشار إلى "وجود خطر من ارتفاع أسعار النفط وسوء فهم الجمهور للعملية العسكرية"، مطالباً بـ"تأجيل الضربة شهراً لإعداد الرسائل الإعلامية المناسبة".
ووفقاً لـ"ذا أتلانتيك"، حملت المحادثة بين المسؤولين الأميركيين انتقادات صريحة لأوروبا وتحميلها مسؤولية الاستفادة المجانية، مشيرة إلى أن المسؤولين ناقشوا بصراحة أن "أوروبا هي المستفيد الأكبر من حماية ممرات الشحن، وأن الولايات المتحدة تُجبر مجدداً على التصرف وحدها دون دعم أوروبي ملموس"، كما دار نقاش حول فرض تكاليف على الأوروبيين لقاء فتح الممرات البحرية.
قلق أوروبي
وفيما يتعلق بأوروبا، ذكرت "بلومبرغ" أن مشاعر القلق لدى الحلفاء إزاء الولايات المتحدة كانت تتزايد بالفعل، بعدما اتهم ترمب الحلفاء مراراً بعدم إنفاق ما يكفي على الدفاع، أو بإنفاق مبالغ أكبر على دعم أوكرانيا. كما تعهد ترمب بفرض رسوم جمركية ضخمة من شأنها أن تهز اقتصادات دول عدّة في الاتحاد الأوروبي.
وأشارت إلى أن خطاب نائب الرئيس جيه دي فانس خلال مؤتمر ميونيخ للأمن في فبراير الماضي، الذي اتهم فيه ألمانيا بـ"قمع مؤيدي اليمين المتطرف"، زاد من حدة التوتر.
كما أثار هيجسيث المزيد من الاستياء خلال كلمة ألقاها أمام اجتماع لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، حيث قال إن الولايات المتحدة لا يمكنها أن "تركز في المقام الأول على أمن أوروبا".
إلّا أن المحادثة النصية ذهبت إلى أبعد من ذلك، إذ قال مستشار الأمن القومي الأميركي مايك والتز، إن الولايات المتحدة ستُحصي تكاليف الضربة ضد الحوثيين، و"تحملها للأوروبيين" بناءً على طلب ترمب.
وفي تعليق على الواقعة، كتب رئيس الوزراء السويدي السابق، كارل بيلدت، على منصة "إكس": "في القصة المذهلة لمجموعة سيجنال التي نسقت الضربات الجوية في اليمن، يظهر نائب الرئيس جي دي فانس مجدداً مدفوعاً بمشاعر مناهضة لأوروبا".
ولم يرد متحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي على طلب "بلومبرغ" للتعليق على العلاقات مع أوروبا.
تداعيات تبادل المعلومات
ورجحت "بلومبرغ" أن الحلفاء الأوروبيين ربما يعيدون النظر في تداعيات تبادل المعلومات السرية مع الأميركيين، في ظل هذا "الخطاب العدائي".
ونقلت عن إيميلي هاردينج، وهي مسؤولة استخباراتية بارزة سابقة ونائبة رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية حالياً، قولها إن التعليقات الخاصة لمسؤولي إدارة ترمب في المحادثة الجماعية تتشابه مع تصريحاتهم العلنية بشأن أوروبا.
وتوقعت هاردينج أن الحلفاء سيشعرون بالقلق حيال أفضل الممارسات في إجراءات التواصل، قائلة: "أي شيء يشير إلى أن متلقي هذه المعلومات لا يلتزم بأفضل الممارسات سيكون مدعاة للقلق".
ووفقاً لـ"بلومبرغ"، لا يُرجح أن يُقدم الحلفاء على تقليص تبادل المعلومات بشكل جذري. فرغم أن الدول الحليفة يمكنها تزويد الولايات المتحدة بمعلومات استخباراتية قيّمة، لا سيما في المناطق الحساسة التي يصعب على المسؤولين الأميركيين الوصول إليها، فإن الشركاء الأجانب يعتمدون بشكل غير متناسب على المعلومات الاستخباراتية التي تشاركها واشنطن معهم.
وتشن الإدارة الأميركية حملة ضربات عسكرية واسعة النطاق على الحوثيين في اليمن منذ 15 مارس، بسبب هجمات الجماعة على سفن في البحر الأحمر لما تقول إنه دعماً لفلسطين.
وشاركت بريطانيا وحلفاء آخرون في ضربات سابقة ضد الحوثيين، التي بدأت في عهد الرئيس الأميركي السابق جو بايدن.
وفي عام 2024، أطلقت إدارة بايدن قوة مهام دولية باسم "عملية حارس الازدهار" (Operation Prosperity Guardian) بمشاركة بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وشركاء آخرين، بهدف حماية خطوط الشحن، فيما أطلق الاتحاد الأوروبي مهمة بحرية منفصلة باسم "أسبيديس" (Aspides)، وأرسل سفناً حربية أوروبية لحماية السفن التجارية.