
في خطوة قد تعيد رسم معادلة النفوذ الإقليمي في العراق، وبعد أن وجّهت واشنطن السلطات العراقية إلى وقف استيراد الغاز والنفط من إيران، تسارعت الجهود العراقية للبحث عن بدائل، قد تحرر بغداد جزئياً من قبضة طهران.
فبعد الضغط الأميركي لوقف استيراد الوقود الإيراني لتزويد محطات الكهرباء العراقية، وجد قطاع الكهرباء العراقي نفسه أمام تحدٍّ وجودي، وأثار أسئلة حادة حول خيارات بغداد المستقبلية، وتوازناتها الجيوسياسية بين الشرق والغرب.
يُقدّر الطلب الحالي على الكهرباء في العراق، خلال ذروة الصيف، بأكثر من 35 جيجاوات، بينما لا يتجاوز الإنتاج المحلي في أفضل الحالات 25 جيجاوات، ما يخلق فجوة يومية تؤدي إلى انقطاعات واسعة للطاقة، وفقاً لبيانات صندوق النقد الدولي IMF.
في الأعوام الماضية، اعتمد العراق على إيران لتزويده بما يقارب 40% من احتياجاته من الغاز والكهرباء، في وقت تفتقر فيه البنية التحتية العراقية إلى القدرة على معالجة الغاز المصاحب لاستخدامه محلياً.
ورقة نفوذ تضعف تدريجياً
لم يكن الغاز الإيراني مجرّد سلعة تجارية لبغداد، بل أصبح ورقة ضغط استراتيجية استخدمتها طهران لتعزيز حضورها داخل المؤسسات العراقية، والتحكم بجزء كبير من المزاج السياسي والاقتصادي في البلاد. هذا النفوذ قد يبدأ بالتآكل مع تحرك بغداد، تحت الضغط الأميركي، لإيجاد بدائل سريعة ومستدامة.
وذكرت وكالة "رويترز"، في تقرير لها في العاشر من مارس الجاري، أن العراق يبحث حالياً توقيع اتفاقيات مع قطر وسلطنة عمان لاستيراد الغاز الطبيعي المسال، كحلٍ بديلٍ سريع عن الغاز الإيراني.
اتجاه استراتيجي نحو الخليج
من بين الخيارات المطروحة، برز اسم شركة إماراتية تُدعى "بريز إنفستمنت" (Breese Investment)، حيث تدرس الحكومة العراقية استئجار محطة غاز عائمة من الشركة، تُزود العراق بـ14 مليون متر مكعب من الغاز يومياً، من المتوقع تشغيلها في ميناء خور الزبير قبل منتصف 2025، وفق نفس المصدر.
هذه الخطوة تمثل تحولاً دبلوماسياً لافتاً نحو دول محيط العراق العربي في لحظة حساسة تتراجع فيها قدرة إيران على لعب دور المنقذ للطاقة في العراق.
وصرّح حمزة عبد الباقي، المدير العام لشركة غاز الجنوب، أن وزارة النفط العراقية، بدأت فعلياً التحرك نحو أسواق بديلة، وقال في تصريحات نقلها موقع "كردستان 24": "لدينا توجيه واضح للبحث عن مصادر غير إيرانية، وسياسات جديدة لتعزيز الأمن الطاقي الوطني".
إضافة إلى ذلك، تعمل وزارة النفط العراقية على تسريع مشاريع جمع الغاز المصاحب، بالشراكة مع شركات كبرى مثل "توتال إنرجي" و"قطر للطاقة"، في إطار خطة متكاملة تستهدف تحقيق الاكتفاء الذاتي بحلول 2030، بحسب تقرير سابق لـ"رويترز" في يناير الماضي.
واشنطن تُضعف قبضة طهران
في السياق السياسي، يرى محللون أن خطوة واشنطن بمنع بغداد من استيراد الغاز من طهران هي "أداة ناعمة"، لكنها فعالة لـ"قصقصة" أجنحة النفوذ الإيراني داخل العراق دون الحاجة لمواجهة مباشرة.
يقول تقرير لـ Petroleum Economist إن إيران "خسرت أهم رافعة اقتصادية كانت تضمن بها استمرار تأثيرها في بغداد، وهي شبكة الطاقة".
الطاقة وتشكيل تحالفات العراق
بات واضحاً أن قرار وقف استيراد الغاز من إيران لم يكن مجرد إجراء فني، بل هو تغيير استراتيجي يعيد توجيه العراق نحو شركاء إقليميين جدد، ويضعف قدرة طهران على التأثير في الشأن العراقي.
وبينما تتسابق الشركات الخليجية لتقديم البدائل، تبقى الكهرباء ومصدرها، مؤشراً جوهرياً لفهم تحولات القوة في قلب الشرق الأوسط.