إقليم تيجراي الإثيوبي.. انتقال سلمي للسلطة بعد صراع أثار مخاوف تجدد الحرب

آبي أحمد أقال حاكم الإقليم جيتاتشو رضا وعين الجنرال تاديسي وريدي خلفاً له

time reading iconدقائق القراءة - 10
رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد يشهد مراسم تسليم الإدرة المؤقتة لإقليم تيجراي من الحاكم السابق جيتاتشو رضا (يمين) إلى خلفه الجنرال تاديسي وريدي (وسط). 9 أبريل 2025 - الشرق
رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد يشهد مراسم تسليم الإدرة المؤقتة لإقليم تيجراي من الحاكم السابق جيتاتشو رضا (يمين) إلى خلفه الجنرال تاديسي وريدي (وسط). 9 أبريل 2025 - الشرق
أديس أبابا-الشرق

في خطوة غير متوقعة عين رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، الجمعة، جيتاتشو رضا الحاكم السابق لإقليم تيجراي، وزيراً ومستشاراً له لشؤون شرق إفريقيا، ليتولى دوراً استشارياً رئيسياً في الحكومة الفيدرالية. وجاء قرار التعيين على خلفية صراع داخل قيادة جبهة تحرير تيجراي، انتهى بإعفاء رضا من منصب الحاكم، وتعيين الجنرال تاديسي وريدي، قائد قوات جبهة تحرير تيجراي رئيساً للإدارة المؤقتة للإقليم.

وشهد إقليم تيجراي شمالي إثيوبيا خلال الأسابيع الماضية صراعاً عنيفاً أثار مخاوف من انزلاق ثاني أكبر دولة إفريقية من حيث عدد السكان إلى نزاع آخر قد يضعها في مواجهة مع إريتريا حليفتها السابقة في حرب تيجراي عام 2020.

وتصاعدت حالة التوتر بالإقليم بعد قرار استبعاد جيتاتشو رضا، وطرده من الجبهة التي كان يشغل فيها منصب نائب الرئيس وعضو اللجنة التنفيذية، ثم تفاقم الصراع، وبلغ ذروته بعد عمليات الاستيلاء العنيفة التي نفذتها قوات موالية لزعيم جبهة تحرير تيجراي دبراصيون جبراميكائيل على مراكز السلطة في الإقليم من إدارة المحافظات والمحليات بالقوة في مارس الماضي.

وتطورت الخلافات بين فصيلي جيتاتشو رضا وزعيم الجبهة دبراصيون جبراميكائيل، بعد أن تبادل الطرفان الاتهامات بالفساد، واتهم رضا فصيل جبراميكائيل  بـ"التخطيط لانقلاب" بعد أن دعا أكثر من 200 من جنرالات قوات جبهة تحرير تيجراي الموالون لدبرصيون جبراميكائيل إلى حل الإدارة المؤقتة للإقليم التي كان يقودها جيتاتشو رضا بالقوة.

وتدخل رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد لتهدئة الصراع بإعفاء رضا، وتعيين الجنرال تاديسي وريدي خلفاً له لقيادة الإقليم، وهو ما سعت إليه مجموعة دبراصيون جبراميكائيل.

وقالت مصادر مطلعة لـ"الشرق"، إن آبي أحمد، عمل من خلال هذه الخطوة على تحييد مجموعة دبراصيون جبراميكائيل التي يتهمها غريمها جيتاتشو رضا، بإنشاء علاقات سرية مع جنرالات الجيش الإريتري ضمن تحالف يشمل مليشيات "فانو" في إقليم أمهرة المجاور، للإطاحة بحكومة أديس أبابا.

وهو الأمر الذي نفاه دبراصيون جبراميكائيل خلال مؤتمر صحافي عقده مؤخراً متهما جيتاتشو رضا بـ"الخيانة الوطنية".

وتأسست جبهة تحرير تيجراي عام 1975، ولعبت دوراً محورياً في الإطاحة بنظام منغيستو هايلي ماريام العسكري في عام 1991، ثم هيمنت لاحقاً على الساحة السياسة الإثيوبية من خلال تشكيل نظام فيدرالي إثني للبلاد استمر لأكثر من 3 عقود، حتى مجيء حكومة رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد.

وسرعان ما اندلع النزاع مع حكومة آبي أحمد بعد أن أحكمت الجبهة سيطرتها على الإقليم الذي تنحدر منه "تيجراي"، واستمر الصراع لأكثر من عامين، وانتهى بتوقيع اتفاق بريتوريا للسلام بجنوب إفريقيا في نوفمبر 2022 برعاية الاتحاد الإفريقي والولايات المتحدة.

"صراع سلطة"

واعتبر المحلل السياسي الإثيوبي هبتوم غبري، أن الصراع الحالي في إقليم تيجراي لا يعدو كونه "صراع سلطة بامتياز" بين من أسماه بـ"الحرس القديم" الذي لا زال يحلم بالعودة إلى الحكم، وفصيل جيتاتشو رضا الذي يُحظى بدعم الشباب.

وقال غبري لـ"الشرق"، إن ما وصفه بالتفاف الشباب حول رضا يعود إلى "الخطوة الجريئة" التي اتخذها بالاعتراف بأنه وزملائه في المكتب التنفيذي لجبهة تحرير تيجراي، كانوا سبباً رئيسياً في جر الإقليم إلى الحرب مع الحكومة الفيدرالية في 2020، وأنه يتحمل مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع في الإقليم جراء الحرب، معلناً سعيه إلى تصحيح الوضع من خلال تنفيذ اتفاق السلام مع الحكومة الفيدرالية وإعادة الحياة إلى طبيعتها.

لكن مساعي إعادة الحياة لطبيعتها في إقليم تيجراي انتهت بحسب المحلل السياسي الإثيوبي، بعد أن أطاح فصيل زعيم الجبهة دبراصيون جبراميكائيل بجيتاتشو رضا من رئاسة الإدارة المؤقتة للإقليم، وسيطرتهم عليه، رغم عدم اعتراف الحكومة الفيدرالية بهذه الخطوة.

بيد أن الخبير في شؤون القرن الإفريقي والمحلل آدم جبريل، يرى في خطوة رئيس الوزراء الإثيوبي بإعفاء جيتاتشو رضا من رئاسة الإقليم بعد صراعه مع "الحرس القديم" لجبهة تحرير تيجراي، "حنكة سياسية"، مشيراً إلى أن الحكومة الفيدرالية في أديس أبابا استشعرت خطورة ما أسماه بـ"التحالف السري الذي تشكل بدوافع مشتركة من أعداء الأمس في جبهة تحرير تيجراي والحكومة الإريترية ومليشيا (فانو) التي ما زالت تخوض حرباً شرسة مع السلطة المركزية في إقليم أمهرة".

وبحسب جبريل، فإن محاولة أديس أبابا استمالة "الحرس القديم" المسيطر على جبهة تحرير تيجراي حالياً، يمثل محاولة لمعالجة مشكلات لا تقل خطورة عن ما حدث في 2020، وأدى إلى اندلاع حرب تيجراي الأولى، فالجبهة حينها أعلنت سيطرتها على الإقليم معلنة عدم اعترافها بحكومة أديس أبابا، ثم واجهت الحكومة الفيدرالية، وهو ما ينطبق على الوضع الحالي الذي يمارسه "الحرس القديم" على الإقليم متحدياً الحكومة الفيدرالية.

وذكر جبريل لـ"الشرق"، أن سياسة "النفس الطويل" التي يمارسها رئيس الوزراء الإثيوبي في التعامل مع أزمة إقليم تيجراي، تهدف إلى تفكيك وضرب التحالف الثلاثي المكون من الجبهة ومليشيات "فانو" والحكومة الإريترية، من خلال تحييد فصيل دبراصيون جبراميكائيل ومفاوضته وهو ما حدث بالفعل، بتعين جيتاتشو رضا وزيراً ومستشاراً لآبي أحمد واستبعاده من الإقليم، لتنفرد به مجموعة "الحرس القديم" بعد تعين الجنرال، تاديسي وريدي، رئيساً لإدارة الإقليم.

"انتقال لا يخلو من التحديات"

وقال كيداني جبرا ميكائيل العضو بمنظمات المجتمع المدني بإقليم تيجراي، إن الانتقال السلمي للسلطة في إقليم تيجراي، لا يخلو من التحديات، مشيراً إلى أن السؤال الأهم خلال هذه المرحلة يتمثل في قدرة الحاكم الجديد الجنرال تاديسي وريدي على إحداث تغيير حقيقي في ظل استمرار نفس الهيكل الإداري والسياسي الذي قوبل بانتقادات خلال الفترة الماضية.

وأضاف جبرا ميكائيل لـ"الشرق"، أن تعيين الجنرال تاديسي وريدي رئيساً للإدارة المؤقتة لتيجراي "خطوة مهمة نحو تهدئة الأوضاع في الإقليم الذي يشهد صراعاً على السلطة وانقسامات داخلية بجبهة تحرير تيجراي"، مشيراً إلى أن الحاكم الجديد ينظر إليه كثيرون باعتباره "شخصية توافقية".

وتابع: "ما جرى لا يُعد مجرد تغيير في الوجوه، بل محاولة لإعادة تعريف طبيعة المرحلة الانتقالية في تيجراي. فاختيار الجنرال تاديسي وريدي، لا يخلو من دلالات سياسية. فهو شخصية مطّلعة على مكامن القوة والقصور في التجربة السابقة، ويُنظر إليه كشخصية قادرة على ضبط إيقاع المرحلة دون إحداث صدامات داخلية". 

ولفت جبرا ميكائيل إلى أن "تطلعات شعب تيجراي للسلام والتنمية تتطلب ما هو أكثر من مجرد استقرار شكلي؛ فهي تحتاج إلى إرادة سياسية حقيقية، ورؤية اقتصادية واضحة، وانفتاح على الحوار الوطني". 

تفاهمات بين أديس أبابا وتيجراي

وأوضح مصدر مطلع لـ"الشرق"، أن مفاوضات قد تمت بالفعل بين فصيل دبراصيون جبراميكائيل والحكومة الإثيوبية، توصلا خلالها إلى تفاهمات قضت بإعفاء جيتاتشو رضا، وتعين الجنرال تاديسي وريدي رئيساً الإدارة المؤقتة لإقليم تيجراي، مقابل أن تقوم الجبهة بحل وتسريح قواتها وانتشار قوات الجيش الإثيوبي في مختلف المعسكرات السابقة التي كانت تتواجد بها بالإقليم.

وأضاف أن المفاوضات تطورت مؤخراً لتبحث إمكانية استفادة الجيش الإثيوبي من قوات جبهة تحرير تيجراي حال اندلاع حرب مع إريتريا، وتلك خطوة وفق المصدر الذي فضل عدم ذكر اسمه، نجحت من خلالها أديس أبابا  في إضعاف التحالف الثلاثي الذي كان يعول على خبرة قوات جبهة تحرير تيجراي في مواجهة حكومة آبي أحمد.

وتصاعد  التوتر السياسي بين إثيوبيا وإريتريا في العام 2023، بعد أن أعلن رئيس الوزراء الإثيوبي أمام البرلمان نية بلاده تأمين ميناء على البحر الأحمر، وبالتالي المشاركة في التجارة البحرية الدولية، إذ قال إنه "بحلول عام 2030، سيبلغ عدد سكان إثيوبيا 150 مليون نسمة، ولا يمكن لهذا العدد من السكان أن يعيشوا في سجن جغرافي". وهي التصريحات التي قوبلت بقلق واسع النطاق باعتبارها مقدمة لعمل عسكري ضد إريتريا.

وفي يناير 2024، وقعت إثيوبيا مذكرة تفاهم مع إقليم أرض الصومال الذي أعلن استقلاله عن الصومال من جانب واحد دون الحصول على اعتراف دولي، وعدت فيها بالاعتراف باستقلال الأخيرة مقابل الوصول إلى شريط ساحلي يمتد 19 كيلومتراً على خليج عدن، ما أشعل صراعاً آخر مع الصومال، غير أن وساطة تركية أنهت الصراع باتفاق "إعلان أنقرة" بين البلدين لتعود العلاقات بين مقديشو وأديس أبابا، ودخولهما في مفاوضات فنية مستمرة تسمح للبلدين بالاستفادة من مواردهما بطرق سلمية.

تصنيفات

قصص قد تهمك