مصفاة بانياس تعود للعمل.. كيف تدعم قطاع الطاقة في سوريا؟

time reading iconدقائق القراءة - 11
وزير الطاقة السوري محمد البشير خلال جولة على أقسام شركة مصفاة بانياس للنفط بعد استئناف عملها- 12 أبريل 2025 - "سانا"
وزير الطاقة السوري محمد البشير خلال جولة على أقسام شركة مصفاة بانياس للنفط بعد استئناف عملها- 12 أبريل 2025 - "سانا"
دمشق-الشرق

بعد توقف دام لنحو 4 أشهر منذ سقوط نظام الرئيس السابق بشار الأسد، عادت قبل أيام مصفاة بانياس إلى العمل بطاقة إنتاجية تصل إلى 95 ألف برميل يومياً، وفق ما أعلنت السلطات في سوريا، ما سيُشكل رافداً لقطاع الطاقة الذي تعرض للكثير من الأضرار خلال العقد الماضي، وانعكس على كافة مناحي الحياة في البلاد.

وتُعد مصفاة بانياس التي أُنشئت عام 1974 واحدة من أبرز ركائز قطاع الطاقة في سوريا وشرياناً أساسياً في توليدها، نظراً لدورها الحيوي في تكرير النفط الخام وتوفير المشتقات النفطية الأساسية للسوق المحلية، ما جعلها ثاني أكبر مصفاة في البلاد بعد مصفاة حمص.

وللمصفاة موقع استراتيجي إثر تموضعها في مدينة بانياس بمحافظة طرطوس على الساحل السوري، ما يجعلها قريبة من مرفأ النفط البحري، ويسهّل عمليات الاستيراد والتصدير، حيث لعبت الدوراً محورياً في دعم الاقتصاد الوطني، إذ حافظت على استمرارية تزويد السوق المحلية بالبنزين، المازوت، الغاز المنزلي، والزيوت.

ومع اندلاع الحرب في سوريا، واجهت المصفاة سلسلة تحديات تقنية واقتصادية، شملت صعوبة تأمين قطع الغيار، وتأثّر خطوط الإمداد بفعل العقوبات الغربية، إلى جانب الأضرار الناجمة عن ضعف البنية التحتية. ورغم ذلك، استمرت المصفاة بالعمل، بوتيرة غير مستقرة، في محاولة للحفاظ على الحد الأدنى من أمن الطاقة في البلاد.

خطوة في استقرار واقع الطاقة

وكشف المتحدث باسم وزارة الطاقة السورية أحمد سليمان لـ"الشرق"، أن قدرة مصفاة بانياس الحالية على الإنتاج تُقدر بحوالي 95 ألف برميل يومياً، بينما كانت قدرتها الإنتاجية السابقة تتجاوز هذا الرقم بقليل.

وأشار إلى أن إعادة تشغيل مصفاة بانياس تُعتبر خطوة مهمة لاستعادة الاستقرار في قطاع الطاقة، وستساهم في تلبية احتياجات السوق المحلية من المشتقات النفطية، ما يساعد على تخفيف الأعباء الاقتصادية ويعزز من قدرة الحكومة على توفير الطاقة.

وأوضح سليمان أن مصفاة بانياس تعاني من تحديات كبيرة نتيجة قدم معداتها، لافتاً إلى أنه يتم التغلب على هذه التحديات من خلال إجراء الصيانات اللازمة للوحدات الإنتاجية ضمن الإمكانات المتاحة، حيث تحتاج المصفاة إلى إعادة تأهيل شاملة، لكن هذا الأمر يتطلب استثمارات في تحديث المعدات والبنية التحتية، وفق قوله.

وأضاف: "تُعاني حقول النفط في سوريا من بعض الصعوبات في الإنتاج نتيجة إجراءات النظام السابق، ويجري وضع خطط لإعادة التأهيل".

وأشار المتحدث الرسمي باسم وزارة الطاقة السورية إلى أن الإنتاج الحالي من النفط محدود، ولا يتجاوز 10 آلاف برميل يومياً من الحقول الواقعة غرب الفرات، وقال إن دمج حقول النفط في الشمال الشرقي يسهم في زيادة الإنتاج والتخفيف من الاستيراد، ويتيح للحكومة إدارة الموارد النفطية، ما يساهم في دعم الاقتصاد الوطني.

تأثير على الإيرادات

في سياق متصل رأى الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة حلب الدكتور حسن حزوري، أنه في حالة عودة مصفاة بانياس للعمل بطاقتها الكاملة سيكون له تأثير إيجابي، لأنها إحدى المصفاتين الأساسيتين في سوريا (مع مصفاة حمص)، وتُستخدم لتكرير النفط الخام إلى مشتقاته من البنزين، والمازوت، والكيروسين، والفيول (للصناعة وتوليد الكهرباء).

وأوضح حزوري لـ"الشرق"، أن عودة المصفاة للعمل سينعكس على الإيرادات من خلال تخفيض حاجة الحكومة السورية للاستيراد بأسعار مرتفعة جداً بسبب العقوبات، خاصةً أن كل طن مازوت أو بنزين مستورد يُكلف الدولة عملة صعبة (دولار أو يورو)، وعند تشغيل المصفاة بكفاءة، يمكن توفير هذه العملة الصعبة وبالتالي تقليل العجز.

وقال إنه إلى جانب الاستفادة من الخام المحلي أو المستورد بحال عادت حقول شمال شرق سوريا، يمكن تكرير الخام محلياً بدلاً من تصديره خاماً، لافتاً إلى أنه حتى لو تم استيراد النفط الخام من السعودية أو أي دولة صديقة فإن  تكريره محلياً أقل تكلفة من استيراد مشتقات مكررة.

وتابع: "كما أن عمل المصفاة بكفاءة سيُسهم في تحقيق إيرادات داخلية عن طريق بيع المشتقات للمواطنين والصناعيين بأسعار مدعومة أو شبه حرة، ما يعود على الدولة بإيرادات، إذ أن إنتاج 60 ألف برميل يومياً وتكريرهم يمكن أن يُدخل مئات الملايين من الدولارات سنوياً".

أما التأثير غير المباشر، فيتمثّل وفقاً لحزوري بأنه سيكون عن طريق "تحسين التوزيع الطاقي على صعيد الكهرباء والتدفئة والنقل، ما يؤدي إلى نشاط اقتصادي عام، يشمل الزراعة، والصناعة، والنقل، وحتى السياحة".

"قطاع النفط يشكل عبئاً"

كما لفت أستاذ الاقتصاد بجامعة حلب إلى أن قطاع النفط كان أحد أهم مصادر الدخل للحكومة السورية، قبل انطلاق الثورة عام 2011، إذ كانت سوريا تُنتج حوالي 380 ألف برميل يومياً، وتُصدّر جزءاً كبير منه، وكان النفط يُشكّل نحو 25% من عائدات الدولة وأكثر من 30% من العملة الأجنبية، لكن بعد بدء الأزمة السورية وحتى الآن تغيّر الوضع كلياً، إذ تراجع الإنتاج بشكل حاد، ويقدر حالياً بين 10 آلاف و20 ألف برميل يومياً (وهو  للاستهلاك المحلي فقط).

وقال حزوري إن قطاع النفط في وضعه الراهن "يُعتبر عبئاً على الموازنة العامة للدولة بدلاً من أن يكون مصدر دخل، ذلك أن الحكومة لا تملك السيطرة على الموارد، وتُعاني من العقوبات والتكاليف العالية في تأمين الوقود للسوق المحلي".

وأضاف: "تشكّل العقوبات الأوروبية والأميركية على قطاع النفط تحدياً كبيراً للحكومة السورية، ولذلك تعتبر تكاليف استيراد النفط مرتفعة. وبسبب نقص الإنتاج المحلي، تضطر الحكومة إلى استيراد النفط ومشتقاته (بشكل رسمي أو غير رسمي)، ما يُمثل عبئاً مالياً كبيراً".

ورأى أن "العقوبات الاقتصادية ووضع العراقيل أمام الحكومة رغم سقوط النظام البائد، تمنع  التعامل مع الحكومة السورية، وبالتالي تحول دون استثمار الشركات في القطاع النفطي أو حتى  شراء النفط، إلى جانب أن حقول النفط الأهم في دير الزور والحسكة تقع تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد). ورغم الاتفاق الذي وقعته مع دمشق، لكنه لم يدخل حيز التنفيذ بعد، وبالتالي  الحكومة السورية لا تتحكم إلا بجزء يسير من القطاع النفطي".

بدوره، قال المحلل الاقتصادي غالب صالح إنه على مدى 14 عاماً من الحرب، عانى الاقتصاد السوري بسبب شح المواد النفطية، وبالتالي تراجعت الكميات المتوفرة من الإنتاج المحلي إلى أكثر من 20%، مشيراً إلى أن السلطات السورية اعتمدت على ملايين البراميل النفطية شهرياً لتأمين الاحتياجات اليومية، علماً أنه قبل الحرب كان لدى سوريا اكتفاء ذاتي لكافة مشتقات النفط، وتُصدّر جزءاً منه، لتوفير القطع الأجنبي، ومع ذلك، يبدو الوضع الآن أفضل من السابق بشكل عام.

وأكد صالح أن أسعار المواد النفطية (غاز، وبنزين، ومازوت) مرتفعة في الداخل السوري، ويُعزى ذلك إلى عدة عوامل متداخلة، أبرزها العقوبات الاقتصادية المفروضة، وصعوبة تأمين هذه المواد، إلى جانب شح القطع الأجنبي في خزينة الدولة. كما أن أغلب الآبار النفطية لا تزال خارج نطاق سيطرة الدولة، ما يزيد من التحديات.

وتبقى أسعار المحروقات في سوريا أعلى مقارنة بالدول المجاورة، في ظل تدنّي متوسط الدخل، والذي يُعد من بين الأدنى على مستوى العالم، ويرتبط هذا الارتفاع أيضاً بتكاليف الإنتاج العالية، ما ينعكس سلباً على قدرة المواطنين في الحصول على هذه المواد بأسعار تتناسب مع إمكانياتهم المحدودة.

"روافع الاقتصاد السوري"

وبشأن إمكانية أن يعود النفط إلى اعتباره أحد روافع الاقتصاد السوري، يعتقد الأستاذ في كلية الاقتصاد حسن حزوري، أن هذا يتوقف على توفر شروط سياسية واقتصادية وأمنية، لأن الوضع الحالي لا يسمح بذلك.

ولفت إلى أن سوريا تمتلك احتياطي نفطي يُقدَّر بحوالي 2.5 مليار برميل، إضافة لاحتياطيات غاز طبيعي تُعدّ واعدة، خاصة في البحر المتوسط، والموقع الجغرافي الاستراتيجي قريب من أوروبا وآسيا.

وقال: "يُمكن سوريا بفضل موقعها أن تكون مركزاً لتصدير الطاقة مستقبلاً، وكذلك امتلاكها خبرات فنية وبنية تحتية، حيث كان هناك كوادر مدربة، وخبرات أجنبية (مثل شركات توتال الفرنسية وشل الهولندية)".

لكن ما يمنع تحقيق فائدة حقيقية من قطاع النفط، وفقاً لحزوري، هو فقدان السيطرة على الحقول الكبرى، وتدهور البنية التحتية لحقول وخطوط الأنابيب ومحطات التكرير التي تضررت كثيراً ومنها ما تعرض للتدمير، إضافة إلى غياب الاستقرار الاقتصادي، إذ يحتاج الاستثمار في قطاع مثل النفط إلى استقرار طويل الأمد، وبيئة قانونية واضحة.

وأضاف: "تحتاج سوريا إلى حل سياسي شامل وتحقيق الاستقرار، وتنفيذ الاتفاق مع (قسد)، بحيث تعود سيطرة الدولة على حقول النفط، إلى جانب رفع أو تخفيف العقوبات لفتح باب الاستثمار والنقل والتصدير، وإعادة تأهيل البنية التحتية بمساعدة دولية وإقليمية أو إقامة شراكات مع الدول العربية والصديقة، وخاصة قطر والسعودية، وتنفيذ إصلاحات اقتصادية وتشريعية تُشجع عودة الشركات الأجنبية".

الإنتاج المتوقع بحال عودة حقول النفط

في رده على سؤال بشأن الإيرادات المتوقعة للخزينة السورية في حالة عودة حقول النفط شرق وشمال الشرق البلاد إلى العمل تحت إدارة دمشق، قدّر حزوري أن تصل إلى حدود 5 أو 6 مليار دولار سنوياً، في حال عادت حقول النفط إلى إدارة دمشق، لأنها تُشكل نحو 80% من إنتاج النفط السوري، مشيراً إلى أنه قبل الحرب، كانت سوريا تُنتج حوالي 380 ألف برميل يومياً.

وأوضح حزوري أن أكثر من 280 ألف إلى 300 ألف برميل كانت تأتي من شرق سوريا يومياً، وإذا ما عادت نفس الطاقة السابقة قد يبلغ الإنتاج تقديرياً 110 مليون برميل سنوياً.

وتابع: "في حال كان السعر الوسطي لبرميل النفط الخام 70 دولاراً، قد تبلغ الإيرادات الإجمالية السنوية لسوريا 7.665 مليار دولار سنوياً قبل الخصومات والتكاليف، التي تشمل التشغيل والصيانة والتكرير والنقل وتتراوح قيمتها بين 20 و30% من الإيرادات، وقد يصل صافي العائد السنوي التقريبي إلى 5.75 مليار دولار، الذي يعتبر مبلغاً كبيراً بالنسبة للاقتصاد السوري الحالي".

من جانبه أشار المحلل الاقتصادي غالب الصالح إلى أن السوريين يتطلعون إلى اليوم الذي تعود فيه حقول النفط في المناطق الشرقية للاستفادة منها، الأمر الذي سينعكس إيجاباً على أسعار المواد النفطية، ويخفف الأعباء عن المواطنين، من حيث القدرة الشرائية، وبالتالي التوفير على مستوى المواصلات ووسائل النقل وغيرها.

وأضاف الصالح: "يدخل النفط في كل المواد التي يحتاجها المواطنون السوريون، ولذلك توفير شراء هذه المستلزمات من الخارج، يوفر حركة اقتصادية ويؤدي إلى حدوث انتعاش، وهذا الأمر يوفر القطع الأجنبي، باتجاه توظيفه لتأمين مواد أخرى، ولذلك في حال أصبح من إيرادات الدخل السوري، سيُشكل إيراداً هاماً، قد يجري استخدامه في شراء مواد أخرى".

تصنيفات

قصص قد تهمك