اغتيال الحريري.. عملية غيّرت وجه لبنان

time reading iconدقائق القراءة - 10
رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري يلوح لمؤيديه بعد الإدلاء بصوته في مركز اقتراع في بيروت - REUTERS
رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري يلوح لمؤيديه بعد الإدلاء بصوته في مركز اقتراع في بيروت - REUTERS
بيروت - أ ف ب

بعد مرور 15 عاماً على اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري في وسط بيروت، لا يزال اللبنانيون يتذكرون تفاصيل ذلك اليوم الذي غيّر مسار البلاد، فيما تتجه الأنظار اليوم إلى المحكمة الدولية الخاصة بلبنان في لاهاي، إذ يفترض أن تصدر حكمها بحق أربعة متهمين رئيسيين في قضية الاغتيال.

دماء في عيد الحب

وتزامن التفجير، الذي أودى بحياة رئيس الحكومة الأسبق و21 آخرين، مع يوم عيد الحب في 14فبراير 2005.

وكان موكب الحريري ذلك اليوم عائداً من مقر مجلس النواب في ساحة النجمة وسط بيروت، عندما دوّى انفجار ضخم استهدفه عند وصوله قبالة فندق "سان جورج" على الطريق الساحلي.

بعد دقائق، كانت شاشات التلفزيون تنقل مباشرة صور سيارات مشتعلة، ولقطات لنوافذ محطمة جرّاء تطاير الركام من دائرة الانفجار التي فاق قطرها نصف كيلومتر.

طنّان من المواد المتفجرة

بحسب المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، التي تولّت التحقيق في الجريمة، فجّر انتحاري يقود شاحنة بيضاء من طراز "ميتسوبيشي" ما يعادل طنين من مواد شديدة الانفجار عند الساعة 12:55 ظهراً، بعد مرور السيارة الثالثة في موكب الحريري والتي كان يقودها بنفسه.

سمعت بيروت بأكملها دوي الانفجار الضخم وشعر جزء من العاصمة به. ظنّ كثيرون أن زلزالاً ضرب المدينة نظراً لقوة الانفجار الذي أحدث حفرة بعرض 10 أمتار وعمق مترين في المكان الذي أقيم فيه بعد ذلك نصباً تذكارياً للحريري.

كان الانفجار قوياً إلى درجة أن القوى الأمنية عثرت على إحدى الجثث بعد 17 يوماً من الحادث، نظراً لحجم الدمار الكبير الذي خلّفه التفجير الذي أسفر أيضاً عن إصابة 226 شخصاً بجروح.

وشكل الحادث صدمة كبيرة، إذ ارتبط اسم الحريري بشكل وثيق بمرحلة إعادة الإعمار خلال فترة ما بعد الحرب الأهلية (1975-1990)، وبشبكة علاقات دولية نسجها ووظّفها لصالح بلده.

تحذير مسبق

كان الحريري يستعد قبل مقتله لخوض انتخابات نيابية، ويقترب من الانخراط في جبهة معارضة لدمشق التي كانت تُعتبر سلطة وصاية أمنية وسياسية في لبنان، وتنشر جيشها فيه منذ نحو 30 عاماً.

في مطلع فبراير، تلقى الحريري مناشدة من صديقه الرئيس الفرنسي حينها جاك شيراك تفيد بضرورة "التزام الحذر". وبعدها بأيام، تلقى الحريري التحذير نفسه من مبعوث الأمم المتحدة إلى الشرق الأوسط تيري رود لارسن.

وسبق اغتيال الحريري محاولة اغتيال صديقه الوزير السابق مروان حمادة في أكتوبر 2004، واعتُبِر ذلك رسالة تحذير شديدة اللهجة إلى فريق الحريري.

سوريا متهمة

وبعد ساعات على حصول التفجير، تفقد سعد الحريري، نجل رفيق الحريري الذي كان بعيداً في ذلك الوقت عن العمل السياسي، مكان التفجير. وسألته إحدى وسائل الإعلام الأجنبية إن كان يعرف من يقف وراء اغتيال والده، فأجاب: "الأمر واضح، لا؟". ووُجهت أصابع الاتهام على ألسنة سياسيين وأحزاب إلى دمشق.

ونزلت أعداد ضخمة من اللبنانيين إلى الشارع تنديداً بالاغتيال، موجهة أصابع الاتهام نحو سوريا، ما أدى إلى إسقاط فوري للحكومة القريبة من دمشق برئاسة عمر كرامي. 

وفي 14مارس 2005، نزل مئات الآلاف الى الشارع، وكان يوماً تاريخياً لعب دوراً حاسماً في خروج القوات السورية من لبنان في أبريل.

في غضون ذلك، كان "حزب الله" وحلفاؤه دعوا إلى "يوم وفاء" لسوريا في الثامن من مارس، شارك فيه أيضاً مئات الآلاف.

وانقسم لبنان بعد ذلك لسنوات طويلة بين "قوى 14 آذار" المناهضة لسوريا و"قوى 8 آذار" المؤيدة لها.

محكمة خاصة

في عام 2007، أصدر مجلس الأمن الدولي مرسوماً أُنشئت بموجبه المحكمة الخاصة بلبنان، تحت الفصل السابع الملزم، لمحاكمة المتهمين بتنفيذ الهجوم. 

ورحبت الأغلبية المناهضة لسوريا في لبنان بهذه الخطوة، في حين قال "حزب الله"، حليف دمشق وطهران، إنها تنتهك السيادة اللبنانية. وفي مارس 2009، باشرت المحكمة الخاصة بلبنان جلساتها في ضاحية لايدشندام في لاهاي.

وفي الشهر التالي، أمرت المحكمة بإطلاق سراح 4 ضباط لبنانيين محتجزين في بيروت منذ عام 2005، من دون توجيه أي تهمة لهم على صلة بالاغتيال.

شكوك حول حزب الله

وتوجه التحقيق الدولي أولاً نحو سوريا، لكن ما لبث أن توقف عن ذكر دمشق، ووجّه الاتهام إلى عناصر في "حزب الله" بالتخطيط وتنفيذ الاغتيال. 

وفي يوليو 2010، قال الأمين العام لـ"حزب الله"، حسن نصر الله، إنه علم من رئيس الوزراء سعد الحريري أن القرار الظني الذي سيصدر عن المحكمة الدولية سيتهم عناصر من الحزب. وتوعد نصر الله في نوفمبر "بقطع يد" كل من يحاول توقيف عناصر من حزبه.

وفي يونيو 2011، أصدرت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان مذكرات اتهام واعتقال بحق 4 لبنانيين مشتبه بهم. وأكدت وزارة الداخلية أن المشتبه بهم هم أعضاء في "حزب الله" مصطفى الدين أمين بدر الدين الذي قتل بشكل غامض في دمشق، وسليم عياش، وأسد صبرا، وحسين عنيسي.

الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله رفض التهم و"كل اتهام باطل" صدر عن المحكمة، على حد تعبيره،وقال إنها تتجه إلى المحاكمة الغيابية.

في أغسطس من العام نفسه، أعلنت المحكمة الخاصة بلبنان أن لديها أدلة كافية لمحاكمة أعضاء "حزب الله" الأربعة، ونشرت لائحة الاتهام الكاملة. وفي أكتوبر 2013 وجهت المحكمة تهماً إلى مشتبه به خامس، هو عضو حزب الله حسن حبيب مرعي.

محاكمة غيابية

بدأت أولى جلسات المحاكمة في ضاحية لاهاي في 16 يناير 2014، في ظل غياب أعضاء الحزب الأربعة.

وقالت نيابة المحكمة إن بدر الدين وعياش عملا على تنظيم وتنفيذ الهجوم، في حين اتُهم عنيسي وصبرا بتسليم إحدى القنوات التلفزيونية شريط فيديو يتضمن رسالة كاذبة عن تبنّي الهجوم لحماية المنفذين الحقيقيين وتضليل جهات التحقيق.

وفي فبراير 2014، أعلنت المحكمة أنها ستضيف المشتبه به الخامس مرعي إلى المحاكمة. وفي مايو 2016، أعلن "حزب الله" مقتل بدر الدين خلال هجوم في سوريا. 

بعد ذلك بعامين، دخلت المحاكمة مرحلتها الأخيرة، وقالت المحكمة الخاصة بلبنان إن أكثر من 300 شخص قدموا أدلة في القضية.