
أمضى الرئيس الأميركي دونالد ترمب أول 100 يوم منذ عودته إلى المكتب البيضاوي، وهو يقود اقتصاداً وصفه خبراء بأنه على "حافة أزمة"، بإسلوب يخاطر بسمعة الولايات المتحدة كـ"ملاذ مالي آمن"، ومُغذياً المخاوف بين الناخبين الذين "فقدوا ثقتهم في قيادته"، وفق استطلاعات الرأي.
وحقق ترمب أرقاماً قياسية متعددة خلال أول 100 يوم من توليه منصبه، ففي الوقت الذي يعتبر فيه الجمهوريون أن الأرقام الأولوية للإجراءات التنفيذية وعمليات الترحيل، وتقليص القوى العاملة الفيدرالية، وزيادة معدلات الرسوم الجمركية، وغيرها من القضايا، تمثل "مكتسبات مهمة"، فيما يشير معارضو الرئيس، إلى أنه يمارس سلطته بطرقٍ تتحدى مبدأ الفصل بين السلطات في الدستور، وتُشكل خطراً يُهدد الركود الاقتصادي.
وتميزت هذه الفترة بفوضى عارمة داخل البيت الأبيض، حيث أشعل ترمب فتيل حرب تجارية مع الصين وأوروبا، وأطلق تصريحات غير مسبوقة بشأن ضم إقليم جرينلاند الدنماركي، واستعادة السيطرة على قناة بنما، وجعل كندا الولاية الأميركية رقم 51، كما أقر خفضاً بالمساعدات الخارجية للولايات المتحدة.
عاصفة من الأوامر التنفيذية
انطلق ترمب بقوة، حيث وقّع 37 أمراً تنفيذياً في أسبوعه الأول في منصبه وحده (هذا لا يشمل الإجراءات التنفيذية الأخرى مثل المذكرات والإعلانات). وأصدر أمره رقم 100 في أواخر مارس الماضي، متجاوزاً الرقم القياسي الذي حققه فرانكلين روزفلت بـ99 أمراً في 100 يوم.
ووقّع الرئيس ترمب 142 أمراً تنفيذياً منذ 20 يناير الماضي، وفقاً للسجل الفيدرالي ومشروع الرئاسة الأميركية، في حين بلغ عدد الأوامر التنفيذية التي وقّعها سلفه، الديمقراطي جو بايدن، خلال السنوات الأربع السابقة، 162 أمراً فقط.
وعلى غرار فترة رئاسة فرانكلين روزفلت، التي تميزت بما يعرف بـ"الكساد الكبير"، والتي تطلبت اتخاذ إجراءات عاجلة لإنقاذ الاقتصاد (99 أمراً)، يتحرك ترمب بوتيرة غير مسبوقة في توقيع الأوامر التنفيذية، والتي همّت بالأساس على ملفات الهجرة والضرائب والبيروقراطية الفيدرالية.
واستخدم ترمب أوامره وتوجيهاته لفرض مئات المليارات من الدولارات سنوياً كضرائب استيراد جديدة، وإعادة هيكلة البيروقراطية الفيدرالية من خلال تمكين تسريحات جماعية للعمال.
وتنقسم معظم أوامر ترمب إلى عدة فئات رئيسية، وفقاً لمشروع الرئاسة، بما فيها "تقليص الحكومة الفيدرالية، والسياسة الخارجية والدفاع، والهجرة وأمن الحدود، والطاقة والموارد الطبيعية، والرسوم الجمركية".
وأوقفت المحاكم مؤقتاً تنفيذ العديد من أوامر ترمب التنفيذية، بما في ذلك التي تنص على تجميد المساعدات الخارجية وتحظر على الجنود المتحولين جنسياً الخدمة العسكرية، في انتظار انتهاء الدعاوى القضائية. وستستمع المحكمة العليا في مايو إلى مرافعات بشأن أمره الذي يسعى إلى إلغاء حق المواطنة بالولادة.
الدولار إلى الهاوية
عندما أدى ترمب اليمين الدستورية رئيساً للولايات المتحدة السابع والأربعين، أعلن عن بزوغ فجر "عصر ذهبي" جديد. وبعد مرور 100 يوم على ولايته الثانية، خاب أمل الذين أخذوه على محمل الجد، وأقبلوا على الأسهم الأميركية والدولار، وكذلك مشتري سندات الخزانة، إذ تظهر البيانات تضرر الاقتصاد الأميركي جراء حرب الرسوم التي أطلقتها الإدارة الأميركية.
وبدلاً من أن تُعزز الإدارة الجديدة هيمنة الولايات المتحدة على الاقتصاد والسوق من خلال سلسلة من التخفيضات الضريبية وتحرير القيود، أدت موجة من الرسوم الجمركية وعدم اليقين الجيوسياسي إلى بعضٍ من أشد تقلبات السوق تطرفاً في التاريخ الحديث، وفق "بلومبرغ".
وتتجه الأسهم الأميركية، صوب أسوأ تراجع لها بعد توليه منصبه، وذلك منذ تولي جيرالد فورد منصبه عام 1974. كما تراجع الدولار، الذي عاد هو الآخر إلى مستويات السبعينيات، بأكبر قدر منذ تخلي الولايات المتحدة عن معيار الذهب قبل أكثر من 50عاماً.
وخسر مؤشر الدولار الأميركي حوالي 9% منذ عودة ترمب إلى البيت الأبيض، مما يضعه على مسار أكبر خسارة له حتى نهاية الشهر منذ أوائل سبعينيات القرن الماضي، عندما تخلت الولايات المتحدة عن معيار الذهب وسمحت بتعويم الدولار بحرية.
واتسمت الأيام المئة الأولى للرئيس في منصبه خلال العقود الأخيرة بقوة العملة، حيث بلغ متوسط العائدات قرابة 0.9% بين عامي 1973، عندما بدأ نيكسون ولايته الثانية، و2021، عندما تولى جو بايدن منصبه.
أداء السلع والعملات
في عهد ترمب، شهد سوق الصرف الأجنبي، الذي يبلغ حجمه 7.5 تريليون دولار يومياً، تقلبات حادة نتيجة تراجعات التعريفات الجمركية ومنشورات مواقع التواصل الاجتماعي.
وارتفعت جميع العملات الرئيسية الأخرى التي يتابعها مؤشر "بلومبرغ" مقابل الدولار منذ تنصيبه، وعلى رأسها الكرونة السويدية، والفرنك السويسري، واليورو، وحتى البيزو المكسيكي والدولار الكندي ارتفعا مقابل العملة الأميركية منذ 20 يناير، حيث خففت التأخيرات والمفاوضات من حدة تهديدات ترمب التجارية الأكثر عدائية، فيما حقق الروبل الروسي انتعاشاً خلال 100 يوم من حكم ترمب بزيادة 23.1%.
وعلى الرغم من الاستقرار الأخير، انخفض مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" بنحو 8% منذ تنصيبه، ويتجه لتسجيل أسوأ أداء له خلال أول 100 يوم من ولاية أي رئيس منذ عهد الرئيس فورد عام 1974، عقب استقالة ريتشارد نيكسون.
ويُعد هذا تحولاً جذرياً لم يتوقعه الكثيرون في "وول ستريت" بعد عامين متتاليين من المكاسب التي تجاوزت 20%، وما كان متوقعاً أن يكون أجندة داعمة للنمو. لكن بدلاً من ذلك، تأرجحت الأسواق بشدة مع فرض ترمب رسوماً جمركية على جميع الدول التي تعمل فيها الشركات الأميركية تقريباً، ثم علق بعضها، ومنح استثناءات لبعض الصناعات، وصعّد الحرب التجارية مع الصين.
ومن الأصول القليلة المستفيدة من الاضطرابات الذهب، الذي سجل ارتفاعاً في الأداء بنسبة 22.1، وهو أعلى مستوى قياسي جديد منذ فوز ترمب بالسلطة في انتخابات 5 نوفمبر.
وبدأت الأسعار بالتراجع في البداية مع قلق المتداولين من تأثر الذهب برسوم ترمب الجمركية، إلا أن ارتفاعاً في عقود الذهب الأميركية الآجلة ساعد على رفع الأسعار عالمياً، حيث سارع المتداولون إلى نقل السبائك إلى الولايات المتحدة قبل فرض أي رسوم.
كما تراجعت أسعار النفط، ولعبت التوقعات الاقتصادية القاتمة الناجمة عن حرب الرسوم الجمركية دوراً كبيراً في ذلك.
في الوقت نفسه، بدأت منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) وحلفاؤها في استعادة إمدادات النفط، في محاولة واضحة لتضييق الخناق على الدول التي تخالف حصص الإنتاج.
وانخفضت العقود الآجلة لخام برنت إلى 58.40 دولار للبرميل في أوائل أبريل، وتتداول الآن عند نحو 65 دولاراً.
كما واجهت عملة بيتكوين، وهي العملة الرئيسية في حملة ترمب الرئاسية المؤيدة للعملات المشفرة، صعوبة في الحفاظ على زخمها.
وعلى الرغم من الحماس المبكر، انخفض أكبر أصل رقمي بأكثر من 8.7% منذ تنصيب ترمب، حتى بعد تحقيق مكاسب سياسية كبيرة في هذا القطاع، وفقاً لبيانات جمعتها بلومبرغ.
وتعهد ترمب خلال حملته الانتخابية بضمان أن تكون جميع عملات بيتكوين المتبقية "مصنوعة في الولايات المتحدة" وبإنشاء احتياطي بيتكوين.
ولا تزال أسعار البيتكوين أعلى بنسبة تزيد عن 30% عن مستويات ما قبل الانتخابات، وفق بلومبرغ.
تراجع الشعبية
أظهر استطلاع للرأي أن 55% من الأميركيين، لا يؤيدون الرئيس الأميركي دونالد ترمب، و60% يرون أن الولايات المتحدة تسير في الطريق الخطأ، محذرين من أن تواجه إدارة ترمب صعوبات في المستقبل ما لم يحدث تغيير.
ووصف المشاركون في الاستطلاع الذي أجرته NBC News Stay Tuned، بدعم من SurveyMonkey، أداء ترمب بأنه سلبياً، وسط انقسام حاد بشأن تعامله مع ملف الهجرة، والرسوم الجمركية التي فرضها، مع مرور 100 يوم على ولايته الثانية، والتي توافق الأربعاء.
شارك في الاستطلاع الذي أجري في الفترة من 11 إلى 20 أبريل الجاري، 19 ألفاً و682 بالغاً، وكان الجمهوريون أكثر ميلاً لاعتبار أن البلاد تسير في الطريق الصحيح بنسبة 80% من إجمالي من يرون أن البلاد على الطريق الصحيح، بما في ذلك الذين يعتبرون أنفسهم من مؤيدي حملة MAGA (لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى)، وهم جوهر قاعدة ترمب.