رفع العقوبات عن سوريا.. "طريق طويل" نحو التعافي

رغم الاحتفاء بقرار ترمب المفاجئ.. الغموض يكتنف آليات التنفيذ

time reading iconدقائق القراءة - 8
أوراق نقدية سورية في البنك المركزي بعد الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد في دمشق. 16 ديسمبر 2024 - reuters
أوراق نقدية سورية في البنك المركزي بعد الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد في دمشق. 16 ديسمبر 2024 - reuters
دبي -الشرق

قد يُسهم إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب، رفع العقوبات المفروضة على سوريا في تمهيد الطريق لتعافي البلاد بعد سنوات من الحرب، وتحسين حياة السوريين، لكن خبراء يحذرون من أن الأمر "سيستغرق وقتاً"، كما أن آلية رفع العقوبات، التي فُرض بعضها قبل 47 عاماً، لا تزال غير واضحة، بحسب "أسوشيتد برس".

وقرر ترمب، الثلاثاء، رفع جميع العقوبات المفروضة على سوريا بعد مناقشات مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

وأضاف ترمب خلال كلمة في منتدى الاستثمار السعودي الأميركي بالرياض، أنه اتخذ خطوات لاستعادة العلاقات الطبيعية مع سوريا، معرباً عن أمله في أن تنجح الحكومة السورية الجديدة في أداء مهامها.

وبدأت آثار الإعلان بالظهور سريعاً، إذ خرج السوريون للاحتفال في شوارع عدة مدن، في حين رحّب قادة عرب في دول الجوار، التي تستضيف ملايين اللاجئين السوريين، بالخطوة الأميركية.

ورغم ذلك، فإن هذه الخطوة قد تجذب استثمارات تمسّ الحاجة إليها في سوريا، التي تحاول النهوض بعد عقود من حكم عائلة الأسد، وحرب داخلية مدمرة. وتُقدَّر حاجتها بعشرات المليارات من الدولارات لإعادة بناء البنية التحتية المنهكة، وانتشال نحو 90% من السكان من الفقر.

ما هي العقوبات الأميركية على سوريا؟

فرضت واشنطن ثلاث برامج عقوبات على سوريا، ففي عام 1979، تم تصنيف سوريا كـ "دولة راعية للإرهاب" بسبب تورط جيشها في الحرب الأهلية في لبنان المجاور ودعمها لجماعات مسلحة هناك، كما طورت علاقات قوية مع جماعة "حزب الله".

وفي عام 2003، وقع الرئيس الأميركي آنذاك جورج دبليو بوش، قانون محاسبة سوريا، وذلك في ظل مواجهة إدارته مع إيران والحكومات والجماعات المدعومة من طهران في الشرق الأوسط. 

وركز القانون بشكل كبير على "دعم سوريا للجماعات الإرهابية المصنفة"، ووجودها العسكري في لبنان، واتهامات تطوير أسلحة دمار شامل، بالإضافة إلى تهريب النفط ودعم الجماعات المسلحة في العراق بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة.

وفي عام 2019، خلال الولاية الأولى لترمب، وقع الرئيس الأميركي قانون "قيصر"، الذي فرض عقوبات على الجيش السوري وأشخاص آخرين مسؤولين عن الفظائع المرتكبة خلال الحرب الأهلية.

و"قيصر" هو الاسم الرمزي لمصور سوري التقط آلاف الصور لضحايا التعذيب والانتهاكات الأخرى، وقام بتهريبها خارج البلاد، إذ التُقطت هذه الصور بين عامي 2011 و2013، وسلمت لمنظمات حقوقية، وكشفت حجم القمع الذي مارسته الحكومة السورية ضد المعارضين السياسيين والمحتجين خلال المظاهرات التي عمّت البلاد.

ما تأثير العقوبات الأميركية على سوريا؟

امتدت تأثيرات العقوبات، إلى جانب إجراءات مماثلة من دول أخرى، إلى جميع جوانب الاقتصاد السوري والحياة اليومية في البلاد.

وتسببت العقوبات في نقص السلع الأساسية مثل الوقود والأدوية، وجعلت من الصعب على الوكالات الإنسانية الحصول على التمويل أو العمل بكفاءة.

وتواجه الشركات حول العالم، صعوبات في تصدير منتجاتها إلى سوريا، ويجد السوريون صعوبة في استيراد أي نوع من السلع، إذ إن معظم المعاملات المالية مع البلاد محظورة، مما أدى إلى ازدهار السوق السوداء وتهريب البضائع.

وحتى المهام البسيطة مثل تحديث الهواتف الذكية، أصبحت صعبة أو شبه مستحيلة، ما يدفع العديد من السوريين إلى استخدام الشبكات الافتراضية الخاصة (VPN) التي تخفي النشاط الإلكتروني، للوصول إلى الإنترنت، بسبب حظر العديد من المواقع للمستخدمين الذين يملكون عناوين IP سورية.

وكان التأثير أكثر وضوحاً بعد الزلزال المدمر الذي بلغت قوته 7.8 درجات، الذي ضرب تركيا وشمال سوريا في فبراير 2023، ما فاقم من حجم الدمار والمعاناة التي خلفها الصراع.

ورغم إصدار وزارة الخزانة الأميركية، إعفاءً لمدة ستة أشهر لجميع المعاملات المالية المتعلقة بالإغاثة من الكوارث، فإن أثر هذه الخطوة كان محدوداً، لأن البنوك والشركات كانت مترددة في تحمل المخاطر، وهو ما يُعرف بظاهرة "الامتثال المفرط".

وخففت واشنطن بعض القيود بشكل مؤقت في يناير الماضي، لكنها لم ترفع العقوبات بالكامل. في المقابل، خففت كل من بريطانيا والاتحاد الأوروبي بعض إجراءاتها.

ما الذي قد يعنيه رفع العقوبات لسوريا؟

بعد إعلان ترمب، ارتفعت قيمة العملة السورية بنسبة 60%، مساء الثلاثاء، في إشارة إلى مدى الأثر الكبير المحتمل لرفع العقوبات.

ومع ذلك، يقول خبراء إن تحقيق تأثير ملموس على الاقتصاد السوري سيستغرق وقتاً، لكن رفع أنظمة العقوبات الثلاثة بشكل كامل قد يُحدث تحولات كبيرة في حياة السوريين، نظراً لشمولية هذه التدابير.

وقد يعني ذلك عودة البنوك السورية إلى النظام المالي الدولي، أو تمكين ورش تصليح السيارات من استيراد قطع الغيار من الخارج، وإذا تحسن الاقتصاد، وانطلقت مشاريع إعادة الإعمار، فقد يقرر العديد من اللاجئين السوريين، الذين يعيشون في مخيمات مكتظة، ويعتمدون على المساعدات، العودة إلى وطنهم.

وقال الاقتصادي اللبناني منيس يونس: "إذا استقرت الأوضاع وتم تنفيذ إصلاحات، فسنشهد حينها عودة السوريين إلى بلادهم إذا توفرت لهم فرص كما نأمل".

بدوره، قال الخبير الاقتصادي السوري كرم شعار، الذي يدير شركة استشارات اقتصادية تحمل اسمه: "أعتقد أن الناس يرون العقوبات مثل مفتاح كهرباء يمكن تشغيله أو إيقافه، لكن الأمر أبعد من ذلك بكثير (...) كما أن لتخفيف العقوبات دلالة رمزية كبيرة، إذ إنه يشير إلى أن سوريا لم تعد دولة منبوذة".

وأوضح شعار: "ما لم يتم إزالة عدد كاف من مستويات العقوبات، لا يمكن توقع ظهور تأثيرات إيجابية على سوريا. حتى إذا أُزيلت بعض العقوبات الرئيسية، فقد يظل التأثير الاقتصادي معدوماً".

ويرى ماثيو روكيت، مدير منظمة "ميرسي كوربس" في سوريا، أن هذه الخطوة "تمثل لحظة محتملة للتحول في حياة ملايين السوريين الذين عانوا أكثر من 13 عاماً من الصراع والمشقة والنزوح"، موضحاً ان ذلك يتوقف على طريقة تطبيق القرار الأميركي.

وفي وقت سابق، وصف الرئيس السوري أحمد الشرع، قرار رفع العقوبات الأميركية عن سوريا، بـ"تاريخي"، وأن دمشق ستبدأ "نهضة حديثة"، ووجه الشكر إلى الدول العربية، وعلى رأسها السعودية.

وأوضح الشرع، في خطاب من "قصر الشعب" بدمشق، عقب لقائه مع الرئيس الأميركي بحضور ولي العهد السعودي في الرياض، أن قرار رفع العقوبات "تاريخي" و "شجاع"، ووجه حديثه إلى الشعب السوري، قائلاً: "أيها السوريون، إن الطريق لا يزال أمامنا طويلاً، فاليوم قد بدأ العمل الجاد، وبدأت معه نهضة سوريا الحديثة، لنبني سوريا معاً نحو التقدم والازدهار والعلم والعمل".

تصنيفات

قصص قد تهمك