
أظهر تسجيل صوتي حصل عليه موقع "أكسيوس" من مقابلات الرئيس الأميركي السابق جو بايدن مع المحقق الخاص روبرت هير في أكتوبر عام 2023، معاناة بايدن في تذكر معلومات وتواريخ أساسية، مثل موعد وفاة ابنه، وتاريخ انتهاء ولايته كنائب للرئيس، وسنة انتخاب دونالد ترمب لفترته الأولى، إضافة إلى أسباب حيازته لوثائق سرية لم يكن من المفترض أن تكون بحوزته.
التسجيل، الذي تخلله فترات صمت طويلة وتردد وكلمات متلعثمة، يسلط الضوء على الأسباب التي دفعت البيت الأبيض العام الماضي إلى رفض نشر هذه المقاطع، وسط تزايد التساؤلات بشأن قدرات بايدن الذهنية.
وبحسب "أكسيوس"، يعزز هذا التسجيل ما ورد في تقرير المحقق الخاص روبرت هير، الذي أشار إلى أن هيئة المحلفين في محاكمة محتملة ربما كانت سترى بايدن "رجلاً مسناً متعاطفاً حسن النية، لكنه ضعيف الذاكرة"، ما شكل جزءاً من أسباب عدم مقاضاته بتهمة الاحتفاظ غير القانوني بوثائق سرية، وهو القرار الذي أثار غضب الجمهوريين، خاصة أن ترمب كان يواجه اتهامات مماثلة آنذاك.
وانتقد الديمقراطيون والبيت الأبيض هور بشدة؛ بسبب ملاحظاته عن بايدن، واتهموه بأن "لديه دوافع سياسية"، وأصرّوا على أن بايدن يتمتع بقدرات ذهنية "حادة"، لكن التسجيل الصوتي من المقابلات التي استمرت أكثر من 5 ساعات، وشمل جلستين في 8 و9 أكتوبر، يُظهر تعامل المحققين مع بايدن باحترام وهدوء، رغم تلعثمه في الإجابة أحياناً.
يأتي نشر التسجيل الصوتي في الوقت الذي يخوض فيه الديمقراطيون ووسائل إعلام معركة إرث البيت الأبيض في عهد بايدن، وحملته التي كانت تخفي "تدهور حالته"، عندما ترشح لولاية أخرى مدتها 4 سنوات في سن 81 عاماً.
كتاب جديد عن صحة بايدن
وتزامن التسريب الصوتي مع تصاعد النقاش بشأن كتاب جديد مرتقب بعنوان "الخطيئة الأصلية" للصحافيين أليكس طومسون من "أكسيوس" وجيك تابر من شبكة CNN، الذي يتناول ما اعتبره البعض "تستراً متعمداً" من جانب حملة بايدن والبيت الأبيض على "تدهور حالته" خلال السنوات الأخيرة.
ويمنح التسجيل الصوتي بعداً جديداً إلى نصوص المقابلات التي نشرتها سابقاً وزارة العدل في الأسابيع التي تلت نشر تقرير هور في 8 فبراير 2024.
ورفض البيت الأبيض في عهد بايدن نشر تسجيلات مقابلاته مع المحقق الخاص روبرت هير، مبرراً ذلك بأنها "مواد تخص التحقيقات الجنائية"، واتهم الجمهوريين بمحاولة "تشويه محتواها واستخدامها لأغراض سياسية حزبية".
لكن التسجيل الصوتي، الذي حصل عليه موقع "أكسيوس"، يكشف أبعاداً لم تتضمنها النصوص المكتوبة: صوت بايدن الهادئ المتقطع، وتوقفاته الطويلة أثناء بحثه عن الكلمات والتواريخ الصحيحة، في مشهد يرافقه صوت ساعة حائط تقطع الصمت بإيقاعها المنتظم في غرفة "ماب روم" بالبيت الأبيض.
وفي لحظة لافتة بالتسجيل الصوتي، بدا بايدن مرتبكاً ومتردداً خلال حديثه عن وفاة ابنه "بو" وكتابه "عدني يا أبي"، حيث تقطعت عباراته بصمت ثقيل ودقات ساعة مسموعة، عاكسة صعوبة في التذكر وتشتتاً في التركيب اللغوي، رغم الطابع العاطفي للحديث.
واضطر محامو بايدن في أكثر من مرة لتذكيره بسنة وفاة ابنه بو (عام 2015) وتاريخ انتخاب ترمب للمرة الأولى في 2016.
"ذاكرة مشوشة"
كما واجه بايدن صعوبة في تذكر كلمات مثل "فاكس" و"لوحة عرض"، وكان بحاجة لمساعدة في أكثر من نقطة أثناء الحوار، بحسب "أكسيوس".
ورغم مظاهر النسيان والتردد، بدا بايدن في بعض اللحظات نشطاً ذهنياً، حيث أطلق بعض النكات، وتفاعل مع الأسئلة العامة. ومع ذلك، أظهر التسجيل أن ذاكرته كانت مشوشة بشكل واضح في ما يتعلق بحيازة الوثائق السرية بعد مغادرته منصب نائب الرئيس.
وفي اليوم الأول من المقابلة، في 8 أكتوبر، أي بعد يوم واحد فقط من هجوم حركة "حماس" على بلدات في إسرائيل، بدا بايدن بطيئاً في الاستجابة، ويعاني من صعوبة في تذكّر معلومات أساسية.
وفي ذلك اليوم، استغرق الأمر من روبرت هير أكثر من ساعتين لتكوين صورة واضحة بشأن كيفية وصول وثائق سرية إلى مكاتب شخصية وخزائن خاصة بعد مغادرة بايدن لمنصبه، بسبب ميل الرئيس المتكرر للانحراف عن الموضوع والدخول في أحاديث جانبية. لكن في اليوم التالي، 9 أكتوبر، بدا بايدن أكثر حيوية وتركيزاً.
وأظهر التسجيل أن بايدن قدّم نفسه خلال الشهادة بصورة "الجد الحنون"، الذي يسرد ذكرياته، أكثر من كونه رئيساً سابقاً يُستجوب بشأن احتفاظه بوثائق سرية.
وتحدث مطولاً بأسلوب عاطفي واستطرادي عن عدة مواضيع بعيدة عن جوهر القضية، من بينها: كيف أن الرئيس الأسبق باراك أوباما في عام 2016 لم يكن راغباً بترشحه، ظنا أن هيلاري كلينتون تملك فرصة أفضل للفوز بالرئاسة، وتفاصيل تجديد منزله، ويشمل ذلك استخدام خشب الجوز وأنواع متعددة من الزخارف الجدارية، وغير ذلك من القضايا الفرعية. وفي لحظة لافتة، تساءل بايدن خلال حديثه عن تصنيف الوثائق: "هل ما أقوله منطقي بالنسبة لكم؟".
وثيقة سرية تتعلق بأفغانستان
ورغم أن أجواء المقابلة كانت ودية في مجملها، إلا أن التوتر ظهر عندما تدخل محامي بايدن، بوب باور، ووجه انتقاداً حاداً للمدعي مارك كريكباوم، متهماً إياه بمحاولة دفع بايدن لتغيير روايته بشأن سبب احتفاظه بوثيقة سرية تتعلق بأفغانستان.
وكان المحقق مارك كريكباوم قد أشار إلى أن صحافيين كتبوا عن تلك الوثيقة، وسأل بايدن إن كان احتفظ بها بدافع قيمتها التاريخية، فرد بايدن: "أعتقد أنني أردت الاحتفاظ بها فقط من أجل الأرشفة"، وهذا الاعتراف، بحسب "أكسيوس"، قد يُفسر قانونياً على أنه نية مسبقة للاحتفاظ بوثيقة سرية، وهو ما قد يعرّضه للمساءلة الجنائية.
وسريعاً، قاطع باور مجدداً: "أود فقط، حفاظاً على سجل واضح، تجنب الدخول في مجالات افتراضية... هو (بايدن) لا يتذكر تحديداً أنه كان ينوي الاحتفاظ بهذه الوثيقة بعد مغادرته منصبه نائباً للرئيس". وفي أعقاب هذه اللحظة المتوترة، طلب كريكباوم استراحة.
وفي موقف آخر، أشار المحقق إلى أن وزارة العدل تملك تسجيلاً من مارك زونيتزر، الكاتب المساعد في كتاب "عدني يا أبي"، أخبره بايدن في عام 2017 قائلاً: "لقد وجدت كل المواد السرية في الأسفل". فسأله كريكباوم: "يمكنك أن تتخيل أننا مهتمون بمعرفة ماذا كنت تقصد عندما قلت: وجدت كل المواد السرية في الأسفل؟". فأجاب بايدن: "لا أتذكر. ولا ينبغي لي أن أخمن، صحيح؟". فرد محاميه باور: "صحيح". ليؤكد بايدن مجدداً: "حسناً، لا أتذكر، وقد يكون الأمر... أنا فقط لا أتذكر".
وخلال المقابلة، تدخل أيضاً مستشار البيت الأبيض إد سيسكل، ونائبته رايتشل كوتون لمساعدة الرئيس أحياناً، عندما كان يتعثر في التذكر، أو في التعبير عن تواريخ معينة.
وخلص تقرير المحقق الخاص هير إلى أن هذه الأدلة لا تكفي لإقناع هيئة محلفين بإدانة بايدن، مشيراً إلى تعاونه الكامل مع التحقيق (على عكس ترمب في قضيته)، ولطفه وضعف ذاكرته باعتبارها عوامل تُضعف الحجة ضده.
وكتب هير: "سيكون من الصعب إقناع هيئة محلفين بضرورة إدانة رئيس سابق، في الثمانينيات من عمره، بجناية خطيرة تتطلب وجود نية واضحة في الفعل".