أعلن وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، في بيان عبر حسابه على منصة "إكس"، الأربعاء، أن الولايات المتحدة ستلغي تأشيرات الطلاب الصينيين "بشكل حازم"، بما في ذلك أولئك الذين لديهم ارتباطات بالحزب الشيوعي الصيني، أو يدرسون في مجالات حيوية، في خطوة أدانتها بكين قائلة إن واشنطن استخدمت "الأيديولوجية والأمن القومي ذريعة لقرارها".
وأوضح روبيو أن إدارة الرئيس دونالد ترمب ستُراجع معايير التأشيرات لـ"تشديد التدقيق" على جميع الطلبات المستقبلية من الصين، بما في ذلك هونج كونج، ولم يُحدد بيان روبيو الموجز الذي أعلن فيه تشديد إجراءات التأشيرات "مجالات الدراسة الحيوية"، ولكن العبارة تُشير على الأرجح إلى البحث في العلوم الفيزيائية.
بدورها، أعلنت الخارجية الصينية، الخميس، معارضتها الشديدة لخطة الولايات المتحدة لإلغاء تأشيرات الطلاب الصينيين، وحثت منافستها الغربية على اتخاذ موقف بناء أكثر تجاه استقرار العلاقات الثنائية، إذ قدمت الصين احتجاجاً على إعلان روبيو عن هذه الخطوة.
وقال الناطق باسم الخارجية الصينية، ماو نينج، إن الولايات المتحدة "استخدمت الأيديولوجية والأمن القومي ذريعة" لقرارها، ما يضر بالحقوق والمصالح المشروعة للطلاب.
ووفق صحيفة "نيويورك تايمز"، فإن هذه الخطوة ستُثير موجة من القلق في الجامعات الأميركية، ومن المرجح أن تؤدي إلى ردود فعل انتقامية من الصين، البلد الأصلي لثاني أكبر مجموعة من الطلاب الدوليين في الولايات المتحدة.
وفي خطوةٍ أخرى بشأن قيود التأشيرات، أعلن روبيو أن وزارة الخارجية لن تمنح تأشيراتٍ للمسؤولين الأجانب الذين يمارسون الرقابة على خطاب المواطنين الأميركيين.
وقال في بيانٍ له: "من غير المقبول أن يُصدر المسؤولون الأجانب أو يُهددوا بإصدار أوامر اعتقال بحق مواطنين أميركيين أو مقيمين أميركيين بسبب منشوراتهم على منصات التواصل الاجتماعي أثناء وجودهم فعلياً على الأراضي الأميركية".
وأضاف أنه "من غير المقبول أن يطالب المسؤولون الأجانب منصات التكنولوجيا الأميركية باعتماد سياسات عالمية لضبط المحتوى أو الانخراط في أنشطة رقابة تتجاوز سلطتهم وتمتد إلى الولايات المتحدة".
وليس من الواضح مدى سرعة تحرك وزارتيْ الخارجية والأمن الداخلي الأميركيتين لإلغاء تأشيرات الطلاب المتأثرين، أو ما إذا كانت الصين ستتخذ الآن إجراءات انتقامية تجاه العدد الأقل نسبياً من الطلاب الأميركيين في البلاد، وتطرد بعضهم.
وتأتي هذه الخطوة ضد الطلاب الصينيين في وقت تسعى فيه إدارة ترمب إلى شنّ حملة أوسع نطاقاً على الجامعات المرموقة والطلاب الدوليين، كما تأتي بعد يوم من إرساله برقية إلى السفارات والقنصليات الأميركية، طالب فيها روبيو بوقف مواعيد المقابلات للمواطنين الأجانب المتقدمين للحصول على تأشيرات الدراسة والتبادل.
وتتزامن مع تصاعد التوترات بين الولايات المتحدة والصين بشأن الحرب التجارية، إذ أن الهدف الرئيسي للرسوم الجمركية الموسعة التي فرضها ترمب هو الصين، التي زعم أنها "استغلت لعقود نظام التجارة الدولية بشكل غير عادل".
تجنيد العلماء
في السنوات الأخيرة، أعرب مسؤولون أميركيون عن مخاوفهم بشأن قيام الحكومة الصينية بتجنيد علماء مُدربين في الولايات المتحدة، على الرغم من عدم وجود دليل على عمل هؤلاء العلماء في الصين بأعداد كبيرة.
وبالمثل، ليس من الواضح كيف سيحدد المسؤولون الأميركيون الطلاب المرتبطين بالحزب الشيوعي، ولا شك أن عدم وجود تفاصيل حول نطاق التوجيه سيزيد من مخاوف الطلاب الصينيين في الولايات المتحدة، والبالغ عددهم حوالي 275 ألف طالب، وكذلك الأساتذة ومديري الجامعات الذين يعتمدون على مهاراتهم البحثية ودعمهم المالي.
واستفادت الجامعات ومختبرات الأبحاث الأميركية على مدى عقود من استقطاب بعضٍ من أكثر الطلاب موهبةً من الصين ودول أخرى، وتعتمد العديد من الجامعات على الطلاب الدوليين الذين يدفعون الرسوم الدراسية كاملة لجزء كبير من إيراداتها السنوية.
وحتى الآن، كان بإمكان أفراد عائلات معظم مسؤولي الحزب الشيوعي الصيني، الدراسة في الجامعات الأميركية، وقد أرسل العديد من كبار مسؤولي الحزب أبناءهم إلى الجامعات الأميركية في العقود الأخيرة.
وفي عام 2020، قرر المسؤولون في إدارة ترمب الأولى، إلغاء تأشيرات أكثر من ألف طالب دراسات عليا وباحث صيني بعد إعلانهم منع المواطنين الصينيين الذين تربطهم صلات مباشرة بالجامعات العسكرية في بلادهم من دخول الجامعات.
وكانت هذه المرة الأولى التي تتحرك فيها الحكومة الأميركية لمنع فئة من الطلاب الصينيين من الوصول إلى الجامعات الأميركية، وهو حظر أبقت عليه إدارة الرئيس السابق جو بايدن.
وقال مايكل روث، رئيس جامعة ويسليان: "أعتقد أن هذا مُضلِّلٌ للغاية، وغير مُثمر، وطريقةٌ أخرى نؤذي بها أنفسنا".
بدوره، قال جاري لوك، السفير الأميركي لدى الصين في إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، ورئيس لجنة المئة، وهي مجموعة مناصرة للأميركيين الصينيين البارزين: "لطالما ازدهرت أميركا من خلال الترحيب بألمع العقول من جميع أنحاء العالم. إن إغلاق الباب أمام الطلاب الصينيين لا يخون قيمنا فحسب، بل يُضعف ريادتنا في العلوم والتكنولوجيا والابتكار".
طلاب من الهند والصين
وأفاد تقريرٌ نُشر العام الماضي من قِبل وزارة الخارجية الأميركية ومعهد التعليم الدولي، وهو منظمة غير ربحية، بأن الصين احتلت المرتبة الثانية من حيث عدد الطلاب الدوليين المسجلين في مؤسسات التعليم العالي الأميركية، والذين تجاوز عددهم 1.1 مليون طالب، في الفصل الدراسي 2023-2024.
وقد جاء أكثر من 277 ألف طالب من الصين، بعد الهند التي يزيد عدد طلابها عن 331 ألف طالب، وقد انخفض عدد الطلاب الصينيين بنسبة 4% عن العام الدراسي السابق، بينما ارتفع عدد الطلاب الهنود بنسبة 23%.
وشهدت العلاقات الأميركية الصينية حالة من التوتر طوال فترة إدارة بايدن، لكن المسؤولين الصينيين سعوا إلى استقرارها جزئياً من خلال التأكيد على الحاجة إلى المزيد من التبادلات الشخصية، بما في ذلك في المؤسسات التعليمية.
وكان عدد الطلاب الأميركيين في الصين ضئيلاً مقارنةً بعدد نظرائهم الصينيين في الولايات المتحدة.
وفي زيارة إلى سان فرانسيسكو نوفمبر 2023، أعلن الرئس الصيني شي جين بينج أن الصين مستعدة لاستقبال 50 ألف طالب أميركي على مدى 5 سنوات مع استمرارها في إرسال طلابها إلى الولايات المتحدة.
وكانت وزارة الأمن الداخلي الأميركية، أعلنت الأسبوع الماضي، أنها ستلغي الترخيص الذي يسمح لجامعة هارفارد بتسجيل الطلاب الأجانب، على الرغم من أن قاضياً فيدرالياً أوقف هذه الخطوة مؤقتاً.
وقالت وزيرة الأمن الداخلي، كريستي نويم، إن الإدارة تسعى إلى محاسبة هارفارد "على تعزيز العنف ومعاداة السامية والتنسيق مع الحزب الشيوعي الصيني في حرمها الجامعي".
وتم التأكيد على عبارة "الحزب الشيوعي الصيني" بخط عريض، على الرغم من أن نويم لم تشرح ما تعنيه بهذا التنسيق أو تقدم أدلة على مثل هذه الأنشطة.
وقالت: "إنه امتياز، وليس حقاً، للجامعات أن تسجل الطلاب الأجانب وأن تستفيد من مدفوعاتهم الدراسية الأعلى للمساعدة في تعزيز أموالها التي تبلغ مليارات الدولارات".
وكان ترمب، قال الأربعاء، إن جامعة هارفارد يجب أن تضع حداً أقصى لعدد الطلاب الدوليين الذين تقبلهم لتوفير المزيد من المقاعد الدراسية للأميركيين، إذ أن حوالي ربع طلاب هارفارد من الخارج، فيما اقترح ألا تتجاوز هذه النسبة 15%.