
يتطلع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيسة الوزراء الإيطالية جيورجيا ميلوني إلى إصلاح العلاقات المتوترة خلال اجتماع ثنائي في روما، الثلاثاء، في الوقت الذي تواجه فيه أوروبا "تغيرات جيوسياسية هائلة"، تسببت فيها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، وفق "بلومبرغ".
ونقلت "بلومبرغ" عن مصادر مطلعة قولها إن المحادثات يُنظر إليها على أنها وسيلة محتملة لإعادة ضبط العلاقات قبل اجتماعات قمة هامة لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، ومجموعة السبع من المقرر عقدها في وقت لاحق هذا الشهر.
وأضافت المصادر أن الاجتماع ربما يمهد السبيل لعقد قمة رفيعة المستوى بين حكومتي باريس وروما، وذلك بعد سنوات شهدت توترات وخلافات علنية بين الزعيمين.
وتأتي هذه الجلسة الثنائية أيضاً وسط مخاوف متزايدة بشأن التجارة والأمن في جميع أنحاء أوروبا، بعد أن أدت تحركات الرئيس دونالد ترمب المفاجئة في كلا الملفين إلى قلب العلاقات القائمة منذ أمد طويل عبر الأطلسي.
والأسبوع الماضي، قالت ميلوني للصحافيين: "القادة يتجادلون، وأحياناً بشكل صاخب، لكن هذا لا يضر بالعلاقات بين الدول"، مضيفة: "يُسعدني للغاية قدوم إيمانويل ماكرون إلى روما حتى نتمكن من الجلوس، والتحدث عن كل هذه الملفات بشيء من الهدوء".
مقربان من ترمب
وأشارت "بلومبرغ" إلى أن اجتماع الثلاثاء في روما ربما يكون أول ملتقى للمصالحة بين القائدين الأوروبيين اللذين يحظيان باهتمام وإنصات مقربين من ترمب إلى حد ما.
ورغم أن ماكرون تربطه علاقة ودية، وإن كانت علاقة تعامل، مع ترمب، فإن ميلوني أكثر توافقاً من الناحية الأيديولوجية مع الرئيس الأميركي.
وأقر أحد المسؤولين في الإليزيه بتباين آراء الطرفين بشأن ترمب، لكنه أشار إلى أنه فيما يتعلق بالتجارة، فإن المفوضية الأوروبية هي التي تتحدث باسمهما نظراً لأن ملف السياسة جزء من اختصاص الاتحاد الأوروبي.
وأوضح المسؤول في الإليزيه، الذي طلب عدم ذكر اسمه بموجب قواعد الحكومة الفرنسية، أن المحادثات ستركز على قضايا تشمل أوكرانيا والشرق الأوسط بالإضافة إلى العلاقات الثنائية، ومن المحتمل أن تتطرق إلى نقاط خلافية في مجال الأعمال التجارية.
وكانت الحكومة الإيطالية أعلنت في أبريل أنها ستسحب دعمها للرئيس التنفيذي لشركة STMicroelectronics NV جان مارك شيري، بعد أن رفضت الشركة الفرنسية الإيطالية لصناعة الرقائق ترشيح إيطاليا لمارسيلو سالا لعضوية مجلسها الإشرافي. وقال مجلس الإدارة في وقت لاحق إن الرئيس التنفيذي وفريق الإدارة يحظى بدعمه.
علاقات متوترة
تأتي هذه المحادثات الثنائية في أعقاب ما بدا أنه انقسام بين الزعيمين الشهر الماضي بشأن خطط السلام في أوكرانيا، عندما غابت ميلوني بشكل ملحوظ عن اجتماع في ألبانيا ضم ماكرون وقادة أوروبيين آخرين.
وقالت ميلوني للصحافيين إن موقف إيطاليا الرافض لنشر قوات في أوكرانيا يبرر غيابها، وفي وقت لاحق قال ماكرون إن مسألة إرسال قوات لم تكن مطروحة على الطاولة، وندد بنشر معلومات خاطئة دون ذكر اسم ميلوني.
وقال مسؤول في الإليزيه، الاثنين، إن رئيسة الوزراء الإيطالية دُعيت للانضمام لكنها لطالما أعربت عن شكوكها مع الإصرار على مشاركة الولايات المتحدة، مضيفاً: أن عرض ماكرون لزيارة روما قبل نحو أسبوعين يؤكد مدى احترام الرئيس الفرنسي لها.
وكثيراً ما أدت الاختلافات الأيديولوجية الأساسية بين ماكرون وميلوني إلى زيادة حدة التوتر التي امتدت إلى المجال العام في السنوات الأخيرة.
ويعتبر ماكرون، وهو وسطي، ميلوني "معادلاً إيطالياً" لزعيمة اليمين المتطرف الفرنسي مارين لوبان، التي أمضت سنوات في مهاجمته بشأن الهجرة وكذلك سياساته المؤيدة للأسواق.
وبالنسبة لميلوني، وهي سياسية يمينية ذات موقف متشدد من الهجرة، فإن الرئيس الفرنسي يمثل ذلك النوع من "الشخصيات النخبوية المتغطرسة" التي بنت حركتها لإسقاطها.
خلافات بشأن قضايا رئيسية
والعام الماضي، اختلف الجانبان بشأن حقوق الإجهاض في قمة مجموعة السبع التي استضافتها ميلوني في جنوب إيطاليا، حيث اتهمت رئيسة الوزراء الإيطالية ماكرون بالدعاية الانتخابية في الوقت الذي دعا فيه إلى إجراء انتخابات برلمانية في فرنسا. وتلقى الرئيس الفرنسي في وقت لاحق استقبالاً فاتراً من ميلوني بعد أن وصل متأخراً إلى حفل عشاء في الاجتماع.
وحتى قبل أن تصبح ميلوني رئيسة للوزراء في عام 2022، بدا أن الاثنين على خلاف حول مجموعة من القضايا؛ إذ قالت ميلوني في عام 2018 أثناء زيارتها للحدود الفرنسية الإيطالية خلال أزمة المهاجرين: "أتهم إيمانويل ماكرون بالاستغلال والاستعمار".
والعلاقات بين الطرفين تتناقض بدرجة كبيرة مع العلاقات الدافئة التي كانت تربط ماكرون بسلف ميلوني، ماريو دراجي، الذي وقع معه "معاهدة كويرينال"، وهي معاهدة تعاون بين إيطاليا وفرنسا دخلت حيز التنفيذ في أوائل عام 2023.
وفي حين تنص المعاهدة على أن على الزعيمين تحديد مواعيد منتظمة لعقد اجتماعات بين حكومتي البلدين، وإجراء مناقشات بين موظفي السفارات ووضع استراتيجيات مشتركة بشأن السياسة والأمن في منطقة البحر الأبيض المتوسط، إلا أن التوترات بين ميلوني وماكرون جعلت تلبية حتى أبسط المتطلبات الأساسية أكثر صعوبة.
مع ذلك، حاولت ميلوني التخفيف من حدة الحديث عن وجود خلاف، وقالت مؤخراً إنهما لا يزالان على وفاق كزعيمين لدولتين حليفتين.
وأجابت رداً على سؤال أحد المراسلين الأسبوع الماضي بشأن التوترات مع ماكرون: "أنتم (الإعلام) تبدون شغفاً دائماً للحديث عن هذا الموضوع"، مضيفةً أن البلدين لا يزالان حليفين ويتقاربان في العديد من القضايا، ولكنهما لديهما خلافات أيضاً.