
أعرب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي عن استعداد بلاده لوقف إطلاق نار يتم التوصل إليه بوساطة الولايات المتحدة "دون شروط"، إذا ما التزمت روسيا بذلك أيضاً، متهماً الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالسعي إلى "هزيمة كاملة" لأوكرانيا.
وفي مقابلة أجراها مع برنامج "This Week" الذي تبثه شبكة ABC News، في العاصمة كييف، اعتبر زيلينسكي أن بوتين "لا يريد السلام"، وقال إن "الضغط القوي" بقيادة الولايات المتحدة ومشاركة الحلفاء الأوروبيين، هو السبيل الوحيد لدفع الرئيس الروسي إلى "التفكير ببراجماتية"، وفق تعبيره.
وأضاف: "أنا مقتنع بأن رئيس الولايات المتحدة يملك جميع الصلاحيات، ولديه ما يكفي من أدوات الضغط للتدخل من أجل إنهاء الحرب".
وأشار زيلينسكي إلى أن الشعب الأوكراني يتعرض للقصف والهجمات يومياً، قائلاً: "ربما لا يدرك الناس ذلك، لكن عليهم أن يفهموا أننا نتعرض للقصف والهجوم بشكل يومي، وحتى عندما كانوا يتحدثون عن وقف مؤقت لإطلاق النار، كانت الهجمات والغارات مستمرة".
عملية "شبكة العنكبوت"
الرئيس الأوكراني تطرّق خلال المقابلة إلى عملية "شبكة العنكبوت" التي نفذتها كييف مؤخراً باستخدام طائرات مسيّرة، لافتاً إلى أن "العالم كله رأى الطائرات المسيّرة وهي تنطلق من حاويات، بما في ذلك أكواخ متنقلة نقلتها مركبات روسية"، مشيراً إلى أن "السائقين الروس لم يكونوا على عِلم بأي شيء"، وأن العملية نُفذت باستخدام أسلحة أوكرانية فقط.
وأوضح أن العملية السرية استغرقت 18 شهراً من التخطيط، واستهدفت مواقع عسكرية فقط، بهدف تحسين موقف أوكرانيا في أي مفاوضات مستقبلية، وتابع: "لا يمكننا التصدي للعدوان الروسي إلا بالقوة، وقد أدركنا أنه إذا استطاعت أجهزة الاستخبارات الأوكرانية، اتخاذ بعض الخطوات، قد تتمكن من ردع روسيا، وربما عندها سيكون الروس مستعدين للدخول في نوع من المحادثات الدبلوماسية".
وكان الكرملين وصف الهجوم الأوكراني واسع النطاق الذي وقع في 1 يونيو بأنه "عمل إرهابي"، وهو توصيف رفضه زيلينسكي، مؤكداً أن ما جرى هو "عملية عسكرية نظيفة وواضحة، وخطوة أظهرت للجميع أننا لا نريد هذه الحرب ولا نرغب في القتال".
ومع ذلك، رأى الرئيس الأوكراني أنه "يجب الاستمرار في إعداد خطط من هذا النوع، ولن نتوقف، لأننا لا نعرف ما الذي قد يحدث غداً، ولا نعرف فعلياً ما إذا كانت روسيا ستوقف هذه الحرب".
وجدّد الرئيس الأوكراني دعوته لوقف إطلاق النار، مؤكداً أن بلاده مستعدة لوقف القتال "من دون شروط"، إذا ما التزمت روسيا بذلك أيضاً.
كما أوضح أن أوكرانيا مستعدة للتخلي عن مطلبها السابق بالحصول على ضمانات أمنية من الولايات المتحدة، وهو مطلب كان يُعدّ ضرورياً في حال عدم انضمام كييف إلى حلف شمال الأطلسي "الناتو"، فضلاً عن القبول بوقفٍ للعمليات القتالية لمدة 30 يوماً.
"العلاقة مع ترمب"
ورفض زيلينسكي بشدة تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترمب، التي شبّه فيها الحرب في أوكرانيا بـ"شجار بين طفلين في الحديقة"، قائلاً: "نحن لسنا أطفالاً مع بوتين في حديقة، ولهذا السبب أقول إنه (بوتين) قاتل جاء إلى هذه الحديقة ليقتل الأطفال".
وفي ما يخص علاقته الشخصية بترمب، قال زيلينسكي إنها "تحسنت" منذ لقائهما الأول، الذي تم في المكتب البيضاوي بعد شهر من تنصيب الرئيس الأميركي، وأضاف: "الكاميرات لا تكذب"، لكنه أقرّ بأن اللقاء لم يكن مثمراً، وأكد أنه كان "متأثراً عاطفياً" أثناء زيارته إلى واشنطن "للدفاع عن الحقيقة".
أما اللقاء الذي جمعهما في أبريل الماضي في الفاتيكان، خلال مشاركتهما في جنازة البابا فرنسيس، فقد وصفه زيلينسكي بأنه "مثمر"، موضحاً أنه "خلال 15 دقيقة من لقاء ثنائي وجهاً لوجه، تحقق قدر من الثقة يفوق ما تحقق خلال اجتماع طويل في المكتب البيضاوي بحضور العديد من الأشخاص"، وتابع: "أريد أن أصدق أن لدينا الآن علاقة طبيعية، متكافئة، ومهنية".
ورغم ذلك، أعرب الرئيس الأوكراني عن اعتراضه على وجهة نظر ترمب بشأن نوايا بوتين، إذ يرى الرئيس الأميركي أن نظيره الروسي يريد السلام، وأضاف زيلينسكي: "مع كامل الاحترام للرئيس ترمب، أعتقد أن هذا مجرد رأي شخصي. لكنني أشعر بقوة أن بوتين لا يريد إنهاء هذه الحرب. في ذهنه، لا يمكن إنهاء هذه الحرب إلا بهزيمة كاملة لأوكرانيا".
وأضاف: "صدقوني، نحن نعرف الروس وعقليتهم أفضل بكثير مما يعرفها الأميركيون. نحن جيران منذ قرون".
وعندما سُئل عن طبيعة العلاقة بين ترمب وبوتين، أشار زيلينسكي إلى أن تلك العلاقة "أطول" من علاقته هو نفسه بترمب، قائلاً: "أعتقد أن الأعمال التجارية تهم ترمب"، ملمّحاً إلى البُعد الاقتصادي في علاقة الرئيس الأميركي مع نظيره الروسي، وحتى في طريقة تعامله مع الدبلوماسية الدولية.
"الضغط على موسكو"
وشدد الرئيس الأوكراني على أنه لا توجد دولة، باستثناء الولايات المتحدة، قادرة على فرض عقوبات فعّالة على روسيا، مضيفاً: "لا يهم مَن يريد فرض عقوبات على روسيا، فإذا لم تكن الولايات المتحدة هي الفاعل، فلن يكون لتلك العقوبات تأثير حقيقي".
وأشار إلى أن كييف قبلت مقترحات لوقف إطلاق النار خلال إدارتي ترمب والرئيس الأميركي السابق جو بايدن، لكن موسكو رفضت كل تلك المبادرات.
ورغم تأكيده على أن السلام "لا يمكن أن يكون مستداماً وطويل الأمد إلا عبر ضمانات أمنية قوية"، فقد أبدى زيلينسكي استعداد بلاده لوقف القتال حتى من دون تعهد أميركي بالدفاع عنها مستقبلاً ضد روسيا، وقال: "هل نؤيد وقف إطلاق النار من دون ضمانات أمنية؟ ليس كثيراً، ولكننا ما زلنا ندعمه".
واستند زيلينسكي في دعوته للولايات المتحدة لممارسة الضغط على موسكو إلى تجارب التاريخ، موضحاً أن "معظم الحروب انتهت في ظروف كانت فيها الثقة غائبة بين الأطراف"، وتابع: "دائماً ما وُجدت أطراف وسيطة، ودول ثالثة اتخذت مواقف قوية، فمعظم الحروب انتهت باتفاقات تمت بوجود وسطاء قادرين على الضغط على المعتدي".
وأشار إلى ما وصفه بـ"المرارة طويلة الأمد"، التي تخلّفها الحرب لدى الأطراف المتضررة، مطالباً بـ"الضغط" على موسكو، مضيفاً: "هل لدى الولايات المتحدة ما يكفي من أدوات الضغط لإيقاف ما يحدث؟ نعم، أنا مقتنع أن الرئيس الأميركي يملك كل الصلاحيات وأدوات الضغط اللازمة".
واختتم حديثه بالقول: "بوسعه أن يوحّد خلفه شركاء آخرين، مثل القادة الأوروبيين، فجميعهم ينظرون إلى الرئيس ترمب كزعيم للعالم الحر والديمقراطي، وهم ينتظرونه".