رصدت صحيفة "واشنطن بوست"، أوضاع الدبلوماسيين الأميركيين في أفغانستان بعد انسحاب القوات الأميركية من البلاد، معتبرة أن إنهاء جهود وزارة الدفاع "البنتاغون" في كابول، والتي استمرت طوال عقدين، أبرز التحديات التي تواجه الدبلوماسيين الأميركيين وعمال الإغاثة المدنيين الذين ما زالوا في البلاد.
وقالت الصحيفة، في تقرير نشرته، السبت، إن هذه القوة المدنية الصغيرة الباقية في البلاد تعمل الآن على دفع الأطراف المتحاربة في أفغانستان نحو السلام، وحماية التقدم الذي تم إحرازه في ملف المرأة، ولكن دون "الدعم والوصول" الذي كانت توفره المهمة العسكرية الأميركية في البلاد.
تحديات وعقبات
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين حاليين وسابقين، قولهم إن هناك مجموعة من العقبات التي يتعين على الموظفين المدنيين الموجودين بالسفارة الأميركية في كابول تخطيها، في ظل جائحة كورونا، وشبح إجلاء الدبلوماسيين المحتمل، ما يضاعف الصعوبات الكبيرة التي لطالما لازمت عملهم في أفغانستان.
ونقلت الصحيفة عن هوغو لورينز، الذي شغل منصب كبير الدبلوماسيين الأميركيين في أفغانستان في عهد الرئيسين الأميركيين السابقين باراك أوباما، ودونالد ترمب، قوله: "في ظل عدم وجود قوات عسكرية في كابول، فإن مهمة السفارة الأميركية ستصبح أكثر تعقيداً وخطورة وصعوبة".
وأوضحت الصحيفة أن التحديات الدبلوماسية الحالية ظهرت بعد قرار الرئيس الأميركي جو بايدن سحب القوات بحلول نهاية أغسطس المقبل، وهي الخطوة التي قالت إنها "شجعت" حركة طالبان، التي كثفت حملتها لاستعادة الأراضي التي كانت فقدت السيطرة عليها، وعمَقت المخاوف من احتمال انهيار الحكومة في كابول.
ولفتت الصحيفة إلى بدء قائمة متزايدة من البلدان، بما في ذلك فرنسا والصين، إجلاء مواطنيها من أفغانستان، بالنظر إلى أن محادثات السلام بين طالبان والحكومة الأفغانية لم تظهر سوى القليل فقط من علامات التقدم.
ونقلت الصحيفة عن مسؤول أميركي وصفته بأنه بارز سابق مطلع على المهمة الأميركية في أفغانستان، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، قوله: "التعقيد الذي تشهده عملياتنا في أفغانستان هو أكبر بكثير من أي مكان آخر تقريباً، لأن انعدام الأمن، وموقع البلاد في آسيا الوسطى، والطبيعة الجغرافية، والفقر المدقع، والانقسامات القبلية والعرقية، كلها أشياء تسهم في زيادة تكلفة وصعوبة المهمة المدنية الجديدة".
"فشل بناء الدولة"
وتابعت الصحيفة: "الجهود الأميركية لبناء الدولة في كابول، والتي تضمنت في السابق خططاً طموحة لتحديث البنية التحتية، وتحويل اقتصاد البلاد، باتت مليئة بأمثلة على الفشل، فوفقاً للمفتش العام الخاص المشرف على إعادة إعمار أفغانستان، وهو كيان رقابي مستقل أنشأه الكونغرس الأميركي، فإنه تم إهدار ما لا يقل عن 19 مليار دولار، وربما أكثر من ذلك بكثير، من إجمالي 134 مليار دولار أميركي من أموال دافعي الضرائب الأميركيين، على الأمن والتنمية والمساعدات الإنسانية منذ عام 2002، بسبب الاحتيال وإساءة استخدام الأموال".
ولفتت الصحيفة إلى أن الدبلوماسيين وعمال الإغاثة باتوا يعملون الآن خارج مجمع السفارة الأميركية الضخم في كابول، والذي يقع على أطراف منطقة دبلوماسية وحكومية محصنة، قائلة إن المجمع يعد مدينة في حد ذاتها، إذ يضم مكاتب وشققاً ومطاعم ومرافق لممارسة التمارين الرياضية، ويتواجد به الآن نحو 1400 أميركي، من إجمالي قوة العمل البالغة 4 آلاف موظف.
ووفقاً للصحيفة فإن المسؤولين يقولون إنهم باتوا يعتمدون على مجموعات الإغاثة المحلية، أو الموظفين المحليين للجماعات الدولية للعمل في أكثر المناطق خطورة، مشيرين إلى أنهم طوروا بالفعل وسائل لمراقبة تنفيذ البرامج عن بُعد، والتي أحياناً تكون باستخدام الأقمار الصناعية.
ورأت الصحيفة أن التحدي الرئيس الآخر يتمثل في الإشراف على أكثر من 3 مليارات دولار من المتوقع أن تقدمها الولايات المتحدة سنوياً لتمويل قوات الأمن الأفغانية، وهو المبلغ الذي قالت إنه يصل إلى 3 أرباع الميزانية الأمنية للبلاد، وسيكون النجاح في توصيله محورياً لقدرة الحكومة على البقاء، بحسب "واشنطن بوست".
وأشارت الصحيفة إلى أن السؤال الأكبر المتعلق بالبعثة الدبلوماسية في سفارة الولايات المتحدة في كابول، بالنظر لتاريخها غير المستقر ومستقبلها المجهول، هو إلى متى يمكن أن تستمر هذه البعثة في البلاد؟
وتابعت: "على الرغم من وعد بايدن بالانسحاب العسكري الكامل من البلاد، فإنه سيبقى نحو 650 جندياً، مقسمين بين مجمع السفارة ومطار كابول الدولي، والذي يمثل الآن شريان حياة محتملاً للأجانب الذين قد يحتاجون إلى المغادرة بشكل سريع، كما ستبقى بعض القوات لتشغيل الأنظمة المضادة للصواريخ التي تُعرف باسم (سي-رام)، والتي تحتوي كل منها على مدافع غاتلينغ التي تطلق 4500 طلقة في الدقيقة".
ونقلت الصحيفة عن قائد القيادة المركزية الأميركية، الجنرال كينيث ماكينزي، قوله خلال زيارته الأخيرة لأفغانستان، إن "المهمة الأمنية للسفارة في كابول ستكون تحت إشراف ضابط البحرية الأميركي، الجنرال بيتر فاسيلي، والذي كان من المقرر أن يشرف على العمليات الخاصة في أفغانستان قبل أن يدعو بايدن إلى الانسحاب".
وأضاف ماكينزي أن فريق فاسيلي سيعمل، بشكل جزئي، من المقر العسكري القديم لحلف شمال الأطلسي "الناتو"، والذي سيكون تابعاً للسفارة، مشيراً إلى أن وزارة الخارجية الأميركية هي التي توفر الأمن في المجمع في الفترة الحالية.
ونقلت الصحيفة عن مسؤول أوروبي رفيع المستوى، لم تذكر اسمه، قوله: "نشعر بعدم وجود خيارات متاحة، يمكننا الآن أن نرى طالبان أقوى من ذي قبل، وهذه صورة قاتمة".
وأضاف: "كل السفارات ستخفض عدد الموظفين أو ستسحبهم بالكامل، في حين أن أولئك الذين سيبقون في البلاد سيحتفظون بالأمن الذي يوفره المقاولون، ولكنهم سيواجهون نفس المشكلة.. ماذا سيفعلون في حال تعرضوا لحالة طوارئ؟".
وقالت "واشنطن بوست" إن الأوروبيون وشركاء التحالف يعتمدون على الولايات المتحدة لتقديم الدعم اللوجستي وخط الدفاع الأخير، لكن مسؤولي إدارة بايدن أوضحوا أن مهمة الوحدة العسكرية المتبقية هي تأمين السفارة الأميركية فقط، وليس سفارات الدول الأخرى.
ولفتت الصحيفة إلى أن ألمانيا، التي أكملت سحب قواتها في الـ29 من يونيو الماضي، لم تقلص عدد موظفي سفارتها بعد، ولكن وفقاً لمسؤول ألماني بارز، لم تذكر الصحيفة اسمه، فإن "ما سيحدث في مطار كابول سيكون مهماً للغاية لكل السفارات الموجودة في البلاد".
وأشارت الصحيفة إلى تزايد قلق العديد من حلفاء الولايات المتحدة بشأن فشل واشنطن في وضع اللمسات الأخيرة على اتفاقها مع تركيا لتوفير قوات لحماية المطار.
ونقلت الصحيفة عن مسؤول دفاعي كبير، لم تسمه، قوله: "المسؤولون الأميركيون والأتراك يقولون إنهم على وشك التوصل إلى اتفاق، وأن هذا الاتفاق ينتظر مشاركة دول إضافية والتوصل لحلول بشأن قضايا أخرى"
اقرأ أيضاً: