كثّفت الصين حملتها لاستيعاب سكان إقليم التبت ومراقبتهم وفرض اللغة الصينية عليهم، وفق ما أفادت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية في تقرير حديث.
وأشارت الصحيفة في تقرير نشرته السبت، إلى دير بوذي صغير في مقاطعة تشينغهاي، يؤدي فيه االرهبان صلاتهم تحت كاميرات مراقبة، وصورة ضخمة للزعيم الصيني شي جين بينغ.
وفي دير آخر، شُيّد قبل 127 سنة، يقول رهبان إن قيوداً جديدة مفروضة على مشاركة الشباب، تصعّب جذبهم.
وفي كل أنحاء المنطقة، تقلّل المدارس من توظيف معلّمين يقدّمون دروساً باللغة التبتية، وتُبدل الأعمال الفنية التقليدية بملصقات للقادة الصينيين.
وأشارت الصحيفة إلى أن الرئيس الصيني شي جين بينغ، حدّد أولوية وطنية في تشكيل هوية صينية واحدة باسم الوحدة، تتمحور حول أغلبية الهان الصينية، والولاء للحزب الشيوعي الحاكم.
"وعي جماعي للأمّة الصينية"
وفرضت بكين قيوداً جديدة على الدين والتعليم واللغة بمنطقة التبت، وعزّزت قدرتها على مراقبة الأفراد باستمرار، مستفيدة من تجربة أقلية الأويغور في إقليم شينغيانغ، وإن كانت أقلّ قسوة.
واعتقد الزعماء الصينيون السابقون أن التنمية الاقتصادية ستدمج بشكل طبيعي، الأقليات العرقية في التيار الرئيس للمجتمع، لكن شي جين بينغ اختار نهجاً أكثر تشدداً، تؤدي فيه الحكومة دوراً نشطاً في تشكيل الهوية الثقافية للأقليات، في إطار "تكوين وعي جماعي للأمّة الصينية"، وفق الصحيفة.
ونقلت عن كانياغ تسيرينغ، وهو راهب منفي مقيم في دارامسالا بالهند، قوله إن الأديرة في التبت "تشبه المتاحف أكثر من كونها مدرسة".
وعلى غرار ما حدث في شينغيانغ، سعت قوات الأمن في التبت إلى نصب أجهزة تكنولوجية متطوّرة، تتيح التكهّن بنشاطات "أشخاص مثيرين للاهتمام"، كما أفادت وثائق لمشتريات حكومية.
وكان المقاول المذكور في الوثائق، باع سابقاً أنظمة مشابهة قادرة على غربلة البيانات، بما في ذلك الحسابات المصرفية ومواقع التواصل الاجتماعي والهواتف الخلوية، من أجل إعداد صور لأساليب حياة الأفراد المستهدفين، ودوائرهم الاجتماعية.
واعتبر روبرت بارنيت، مؤسس "برنامج الدراسات التبتية الحديثة" في جامعة كولومبيا، أن جاذبية ثقافة الإقليم، داخل الصين، جزء من السبب الذي جعل بكين تعتمد نهجاً أكثر ليونة، مقارنة بشينغيانغ.
وأضاف أن الحملة على التبت "تترك عدداً أقلّ من الجروح الواضحة"، على الرغم من أنها "مصمّمة لتحقيق أمر مشابه إلى حد ما لما يفعلونه في شينغيانغ، من خلال القوة القصوى".
الصينية بدل لغة التبت
سيطر الحزب الشيوعي على منطقة التبت ذاتية الحكم، عام 1951، وفرّ الزعيم الروحي للتبتيين، الدالاي لاما (86 عاماً)، إلى الهند، وتعتبره بكين انفصالياً، ويُرجّح أن تؤدي وفاته إلى صدام بين الصين وحكومة التبت في المنفى (مقرّها دارامسالا)، بشأن خليفته، وفق "وول ستريت جورنال".
ونقلت الصحيفة عن باحثين وأفراد من التبت مقيمين في الخارج، قولهم إن عهد شي جين بينغ شهد توسّعاً في الاعتقالات، لتشمل مثقفين يروّجون لهوية الإقليم ولغته.
وذكرت حكومة التبت في المنفى أنها كانت متفائلة بشأن شي جين بينغ، عندما تسلّم السلطة في عام 2012، لأن والده، وهو نائب سابق لرئيس الوزراء الصيني، كانت تربطه علاقة وثيقة بالدالاي لاما. واستدركت أنها تنظر الآن إلى الزعيم الصيني بـ"قلق وخوف".
ونقلت الصحيفة عن أدريان زينز، وهو باحث في السياسة العرقية الصينية، مقيم في مينيسوتا، قوله إن التبتية كانت "اللغة الأساسية للتعليم، مع تدريس الصينية كلغة أجنبية". أما الآن، فباتت الصينية هي اللغة الرئيسية.
طابع صيني على البوذية
وتفصّل وثيقة، صيغت في عام 2019، خطة خمسية أعدّتها الحكومة، لإضفاء طابع صيني على البوذية، من خلال زيادة التدقيق في النشاطات الدينية، واعتماد مراسم رفع العلم، وتثقيف الأتباع الدينيين بشأن الاشتراكية، والقوانين الصينية، والدستور، وفكر شي جين بينغ.
كانت "الجبهة المتحدة"، وهي الوحدة الحزبية المسؤولة عن الشؤون العرقية، هي القناة لتنفيذ أغلبية ذلك. وفي مقاطعة سيتشوان، استخدم مسؤولو الجبهة طائرات بلا طيار لمسح الأديرة، ورسم خرائط لها، وفهرسة المترددين على المعابد، في قواعد لبيانات رقمية، تقسّمهم إلى 3 فئات، هي "الوطنيون" أو "الأشخاص الخاصون المثيرون للاهتمام" أو "الأشخاص العاديون المثيرون للاهتمام"، كما تفيد عقود حكومية.
وأظهرت وثائق تركيب أكثر من 180 كاميرا مراقبة وأنظمة للتعرّف إلى الوجه، في 7 معابد بوذية تبتية في سيتشوان. وأفادت منظمة "هيومن رايتس ووتش"، المدافعة عن حقوق الإنسان، هذا الشهر، بأن 4 رهبان في التبت حوكموا سراً وحُكم بسجنهم لـ20 سنة، بعد إدانتهم بتوجيه رسائل وإرسال أموال إلى دير في نيبال.
وتحدث تاشي نيما، وهو باحث في الشؤون الصينية بـ"معهد أوسلو لأبحاث السلام"، عن "مفترق طرق في استخدام اللغة، وتعليمها، في التبت". في الوقت ذاته، أشارت كيت ساندرز، وهي باحثة مستقلة عملت سابقاً في "الحملة الدولية للتيبت" (مقرّها واشنطن)، إلى أن التبتيين يقاومون جهود الحزب الشيوعي لفرض قيود على ثقافتهم.