أقر الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الأربعاء، بأن الولايات المتحدة أجلت مجموعة من موظفيها غير الأساسيين من الشرق الأوسط، وسط تصاعد التوترات في المنطقة.
وقال ترمب للصحافيين لدى وصوله مركز كينيدي في العاصمة واشنطن: "لقد تم نقلهم إلى الخارج.. قد يكون مكاناً خطيراً.. سنرى ما سيحدث"، مضيفاً أن إيران لا تستطيع امتلاك سلاح نووي، وأن الولايات المتحدة لن تسمح لها بذلك.
ولاحقاً قالت وزارة الخارجية الأميركية، إنها وجهت بمغادرة موظفي الحكومة الأميركية غير الأساسيين بسبب تصاعد التوترات الإقليمية.
وبالتزامن مع التوجيهات بمغادرة الموظفين غير الأساسيين، جددت وزارة الخارجية الأميركية، الأربعاء، تحذيرات السفر إلى العراق على المستوى الرابع والتي تعني "لا تسافر".
ويعكس التحذير أمر المغادرة للموظفين غير الأساسيين بسبب تصاعد التوتر الإقليمي.
"حالة تأهب قصوى"
وذكرت صحيفة "واشنطن بوست"، أن الولايات المتحدة في حالة تأهب قصوى تحسباً لضربة إسرائيلية محتملة ضد إيران، إذ سمحت وزارة الخارجية بإجلاء بعض موظفيها في العراق، فيما منحت وزارة الدفاع "البنتاجون" الضوء الأخضر لمغادرة عائلات العسكريين من قواعد متعددة في الشرق الأوسط.
وتأتي هذه الإجراءات الأمنية المشددة في وقت تتضاءل فيه آمال ترمب بشأن إمكانية التوصل إلى اتفاق مع إيران يقيّد برنامجها النووي ويمنع اندلاع مواجهة عسكرية كارثية جديدة في المنطقة.
وفي وقت سابق الأربعاء، قال ترمب في تصريح لصحيفة "نيويورك بوست": "أنا أقل ثقة الآن مما كنت عليه قبل بضعة أشهر. لقد حدث شيء ما لديهم، وأصبحت أقل تفاؤلاً بإمكانية إبرام اتفاق".
وفي الأشهر الماضية، أعرب مسؤولون في الاستخبارات الأميركية عن قلق متزايد من احتمال إقدام إسرائيل على ضرب المنشآت النووية الإيرانية من دون تنسيق مسبق مع واشنطن، وهو ما من شأنه أن يُفشل مساعي الإدارة الأميركية للتوصل إلى اتفاق نووي، ويدفع إيران إلى الرد على المصالح الأميركية في المنطقة.
وحذّرت طهران مراراً من أن الولايات المتحدة، بوصفها أكبر داعم عسكري وسياسي لإسرائيل، ستدفع الثمن إذا شنت الأخيرة هجوماً على الأراضي الإيرانية.
تعليمات للسفارات الأميركية في المنطقة
وفي خطوة وقائية، أصدرت وزارة الخارجية الأميركية تعليمات لجميع سفاراتها الواقعة ضمن مدى الأهداف الإيرانية، سواء في الشرق الأوسط أو أوروبا الشرقية وشمال إفريقيا، بتفعيل لجان الطوارئ وإرسال تقارير عاجلة إلى واشنطن بشأن الإجراءات المتخذة لتقليل المخاطر.
وأدت هذه التوصيات إلى قرار وزير الخارجية، ماركو روبيو، الأربعاء، بالسماح بمغادرة الموظفين غير الأساسيين من بعثة الولايات المتحدة في العراق.
وقال مسؤول في الخارجية لـ"واشنطن بوست": "نحن نقيم باستمرار الوضع الأمني في كل سفاراتنا، وبناءً على أحدث التحليلات، قررنا تقليص الوجود في بعثتنا بالعراق".
في المقابل، سمح وزير الدفاع بيت هيجسيث بمغادرة عائلات العسكريين المنتشرين في عدد من القواعد الأميركية بالشرق الأوسط، وفقاً لمسؤول في وزارة الدفاع.
وأوضح المسؤول أن القيادة المركزية الأميركية، وهي الجهة العسكرية المشرفة على عمليات المنطقة، تنسق بشكل وثيق مع الخارجية وحلفاء واشنطن لضمان الجاهزية لأي مهمة في أي وقت.
"الخطر أكثر جدية هذه المرة"
وقال دبلوماسي رفيع في المنطقة: "نحن نتابع الوضع بقلق بالغ. ونعتقد أن الخطر هذه المرة أكثر جدية من أي وقت مضى".
ودعت إيران الولايات المتحدة إلى إعطاء الأولوية للحل التفاوضي، مشددة على أن "الدبلوماسية، لا النزعة العسكرية، هي السبيل الوحيد للمضي قدماً"، بحسب ما ورد في بيان لممثليتها لدى الأمم المتحدة نُشر على وسائل التواصل الاجتماعي.
وأكد البيان أن "إيران لا تسعى لامتلاك سلاح نووي، وأن التوجهات العسكرية الأميركية لا تجلب سوى المزيد من عدم الاستقرار"، مضيفاً أن "إرث القيادة المركزية الأميركية في إشعال الفوضى عبر تسليح المعتدين وتمكين إسرائيل من ارتكاب جرائمها، يسلبها أي مصداقية للحديث عن السلام أو منع الانتشار النووي".
ويُفترض أن تستضيف سلطنة عمان،الأحد المقبل، جولة سادسة من المحادثات المباشرة بين المفاوض الأميركي ستيف ويتكوف ووزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، بمشاركة فرق تقنية من الطرفين. لكن مصادر مطلعة على التحضيرات كشفت، الأربعاء، عن احتمال إلغاء هذه الجولة.
وأكد الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الذي سبق أن وصف المفاوضات النووية مع إيران بأنها تسير في "اتجاه إيجابي"، أنه حثّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على عدم اتخاذ أي خطوات عسكرية في الوقت الراهن. إلا أنه أبدى، الأربعاء، تشاؤماً متزايدا حيال فرص التوصل إلى اتفاق، قائلاً: "يبدو أنهم يماطلون، وأعتقد أن هذا أمر مؤسف... لم أعد واثقاً كما كنت قبل بضعة أشهر".
وأضاف ترمب أنه لن يسمح لإيران بامتلاك سلاح نووي، ملمحاً إلى إمكانية اتخاذ إجراء عسكري إذا فشلت الجهود الدبلوماسية.
من جانبه، كتب عراقجي عبر منصة "إكس" أن مطلب ترمب بمنع إيران من تطوير سلاح نووي "يتماشى مع العقيدة الإيرانية، ويمكن أن يكون أساساً لاتفاق فعلي".
وأضاف: "من الواضح أن اتفاقاً يضمن بقاء الطابع السلمي لبرنامجنا النووي ممكن التحقيق، بل ويمكن التوصل إليه بسرعة".
لكن إدارة ترمب، التي كانت في البداية منفتحة على السماح لطهران بإنتاج كميات محدودة من اليورانيوم منخفض التخصيب لأغراض مدنية، عادت وترفض هذا الخيار حالياً.
وتزامن تصاعد التوتر مع انعقاد اجتماع مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية في فيينا، حيث أفاد المدير العام للوكالة، رافاييل جروسي، الثلاثاء، بأن إيران رفعت بشكل كبير كمية المواد القريبة من درجة الاستخدام العسكري التي تمتلكها.
وبموجب الاتفاق النووي الذي أبرم عام 2015 في عهد إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما، وافقت إيران على تقليص أنشطة التخصيب مقابل رفع العقوبات الاقتصادية.
لكن بعد انسحاب إدارة ترمب من الاتفاق عام 2018 وإعادة فرض العقوبات، استأنفت طهران تخصيب اليورانيوم بمستويات عالية. وتشير تقارير الوكالة إلى أن إيران باتت تمتلك مخزوناً يصل إلى 900 رطل من الوقود النووي، أي على بعد خطوة واحدة من إنتاج سلاح نووي.
كما خلصت الوكالة إلى أن إيران أجرت أنشطة نووية سرية منذ أكثر من 20 عاماً، باستخدام مواد غير معلنة في 3 مواقع داخل البلاد، ولم تقدم إيران بعد أي تفسير مقنع لذلك.
وهددت الدول الأوروبية الموقعة على الاتفاق، بريطانيا وفرنسا وألمانيا، باستخدام آلية "العودة التلقائية" لإعادة فرض العقوبات على طهران بسبب عدم امتثالها.
وفي جلسة مشحونة الأربعاء، اتهم المندوب الإيراني لدى الوكالة، رضا نجفي، الأوروبيين بخرق الاتفاق، قائلاً إنهم فشلوا في رفع جميع العقوبات المفروضة عليهم كما ينص الاتفاق.
بدوره، اعتبر عراقجي في منشور منفصل أن الأوروبيين "بدلاً من إبداء الندم أو الرغبة في تسهيل الدبلوماسية، يدفعون نحو المواجهة عبر مطلب عبثي بمعاقبة إيران لممارستها حقاً مضموناً لها في الاتفاق".
وحذر عراقجي من أن إقدام مجلس محافظي الوكالة على التصويت على قرار ضد إيران في ختام اجتماعه الجمعة، سيقابل بـ"رد فعل قوي". وأكد أن "المسؤولية ستقع كاملة على عاتق الجهات الخبيثة التي تقوض مصداقيتها بنفسها".