
لقي قائد الحرس الثوري الإيراني، حسين سلامي، حتفه في غارات إسرائيلية فجر الجمعة، ليكون بذلك أرفع قائد إيراني يلقى مصرعه في هذه الهجمات. وعُرف سلامي بمواقفه المتشددة ضد خصوم إيران، بما في ذلك إسرائيل والولايات المتحدة. وفي الشهر الماضي، حذّر من أن طهران "ستفتح أبواب جهنم"، إذا هاجمتها أي من الدولتين.
وشنّت إسرائيل ضربات واسعة النطاق على إيران، قائلةً إنها استهدفت منشآت نووية ومصانع صواريخ باليستية وقادة عسكريين، بمن فيهم قائد الحرس الثوري. كما أسفرت الضربات الإسرائيلية عن اغتيال محمد باقري، رئيس أركان القوات المسلحة الإيرانية، وغلام علي رشيد، نائب قائد القوات المسلحة الإيرانية، وعدد من العلماء النوويين.
وقبل يوم واحد فقط من الضربات، صرّح سلامي بأن إيران "على أهبة الاستعداد لأي سيناريوهات ومواقف وظروف". وقال: "يعتقد العدو أنه قادر على محاربة إيران بنفس الطريقة التي يحارب بها الفلسطينيين العزل الواقعين تحت حصار إسرائيلي. نحن مُحنّكون في الحروب".
وتدرج اللواء سلامي في صفوف الحرس الثوري منذ تأسيسه عقب "الثورة الإسلامية" في إيران في عام 1979. خدم في ساحات المعارك خلال الحرب العراقية الإيرانية، وقضى جزءاً من مسيرته المهنية في المؤسسة الأكاديمية للحرس الثوري، وقاد سلاحه الجوي، وشغل منصب نائب قائده، ثم رُقّي أخيراً إلى منصب القائد العام للحرس الثوري عام 2019.
التدرج في قيادة الحرس الثوري
وُلد حسين سلامي في عام 1960 في جلبايجان، التابعة لمحافظة أصفهان الإيرانية. تلقى تعليمه في المؤسسات التعليمية التقليدية، مثل جامعة إيران للعلوم والتكنولوجيا، وفي المؤسسات التابعة للقوات المسلحة الإيرانية، وتحديداً كلية القيادة والأركان العامة للجيش الإيراني.
في عام 1980، انضم سلامي إلى فرقة الحرس الثوري الإيراني في أصفهان، وترقى في الرتب خلال الحرب العراقية الإيرانية. كما خاض معارك في كردستان إيران، التي كانت بؤرة للنشاط الانفصالي. كما قاد سلامي فرقتي كربلاء 25 والفرقة 14، اللتين كانتا فرقتين مهمتين في المجهود الحربي، حسبما ذكرت منظمة "متحدون ضد إيران النووية".
خلال الحرب العراقية الإيرانية، شغل سلامي سلسلة من المناصب، تزامنت مع تولي محسن رضائي منصب القائد العام للحرس الثوري الإيراني. استمر رضائي في منصبه بعد الحرب، فرُقّي سلامي تبعاً لذلك، ليصبح قائداً لجامعة القيادة والأركان التابعة للحرس الثوري الإيراني في الفترة من عام 1992 إلى عام 1997. وخلال هذه الفترة، كان له دوراً محورياً في صياغة منهجها الحربي.
تُوفر الجامعة جزءاً كبيراً من الأسس الأكاديمية لنظرية الحرس الثوري الإيراني في الحرب، نظراً لارتباطها بمراكز أبحاث رائدة مثل مركز دراسات الأمن القومي الدفاعي (CDNSS). كما درّس قادة بارزون آخرون في الحرس الثوري الإيراني خلال فترة قيادة سلامي للجامعة.
في عام 2006، رُقّي سلامي إلى منصب قائد القوات الجوية في الحرس الثوري الإيراني. وافق المرشد الأعلى الإيراني على توصية قائد الحرس الثوري آنذاك يحيى رحيم صفوي، وهي ترقية أخرى لسلامي في عهد صفوي كقائد عام. كانت هذه فرصة كبيرة لسلامي، إذ كانت المرة الأولى التي يُختار فيها لقيادة جهاز رئيسي في الحرس الثوري الإيراني نفسه، وفق "وول ستريت جورنال".
في إعلان تعيينه، سلّط المرشد الأعلى الإيراني الضوء على ما سماه "السجل العسكري المشرف" لسلامي، وكلّفه برفع "مستوى الجاهزية القتالية" للقوات الجوية التابعة للحرس الثوري الإيراني.
في بداية ولايته في عام 2006، كشف سلامي أن إيران اختبرت بنجاح صاروخ "فجر-3" الذي يمكنه تفادي رصد الرادار وحمل رؤوس حربية متعددة. ووصف ذلك بأنه "إنجازٌ ملحوظ". بين عامي 2006 و2007، فرضت الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات على سلامي لتورطه في أنشطة انتشار الأسلحة، وتحديداً برنامج الصواريخ الباليستية.
تطوير الصواريخ وتهديد إسرائيل
خلال فترة عمله في القوات الجوية، أشرف سلامي على اختبارات ترسانة إيران المتنامية، وواصل تقديم تصريحات مثيرة للقلق حول القدرات العسكرية الإيرانية، والتي تصدرت عناوين الصحف العالمية. في يوليو 2008، استعرض اختبار تسعة صواريخ متوسطة وطويلة المدى، بعضها قادر على الوصول إلى إسرائيل والقواعد الأميركية في الشرق الأوسط. شملت هذه الصواريخ صواريخ شهاب-3 وزلزال وفاتح.
وتباهى سلامي قائلاً آنذاك: "الهدف من إجراء هذه المناورة هو إظهار إرادة إيران وسلطتها للأعداء الذين هددوا إيران بلغة قاسية في الأسابيع الأخيرة. نحن... نطلق هذه الصواريخ تكريماً لإيران، لنُظهر أن هذا ليس سوى جزء صغير من قدرات إيران وقوتها الدفاعية". ومضى يهدد قائلاً: "أيدينا دائماً على الزناد وصواريخنا جاهزة للإطلاق"، وفي مناسبة أخرى أعلن: "يمكن لإيران التأثير على تدفق نصف طاقة العالم في أي وقت تشاء".
في أكتوبر 2009، وفي نهاية ولاية سلامي، أُعيدت تسمية القوات الجوية التابعة للحرس الثوري الإيراني إلى القوات الجوية الفضائية لتعكس مهمةً أوسع نطاقاً.
وتماشياً مع الأهمية المتزايدة للقوات الجوية الفضائية الجديدة، قام المرشد الأعلى الإيراني في الشهر نفسه بترقية سلامي نائباً للقائد العام للحرس الثوري الإيراني.
خلال فترة عمله كنائب للقائد العام، واصل سلامي أسلوبه الناري في الحرب الخطابية ضد الولايات المتحدة وحلفائها. في عام 2010، اتهم الولايات المتحدة وبريطانيا بالتواطؤ في تفجير انتحاري في مسجد في زاهدان، قائلاً إن المصلين "استشهدوا على أيدي مرتزقة الولايات المتحدة والمملكة المتحدة".
كما أشرف على تدريبات عسكرية مثل النبي الأعظم 5، والتي أظهرت قدرات الحرس الثوري الإيراني الجوية والبرية والبحرية، مما أتاح لسلامي فرصة أخرى لتنويع علامته التجارية، والمساعدة في الإشراف على مجمل قيادة الحرس الثوري الإيراني.
في السنوات التي تلت ذلك، تطرق سلامي أيضاً إلى ما تسميه طهران "محور المقاومة" الأوسع. أعلن سلامي أن الحوثيين "نسخة مماثلة" من حزب الله. وتفاخر سلامي بأن 100 ألف صاروخ موجهة إلى إسرائيل من لبنان وأنهم "ينتظرون الأمر فقط، بحيث عندما يتم الضغط على الزناد، سيتم محو النقطة السوداء اللعينة من الخريطة الجيوسياسية للعالم، مرة واحدة وإلى الأبد".
وسخر سلامي من رئيس الوزراء الإسرائيلي قائلاً: "يجب أن يعلم نتنياهو أنه لا سبيل له سوى الفرار من المنطقة، ولذا فهو بحاجة إلى تعلم كيفية السباحة في البحر الأبيض المتوسط". وسخر سلامي من الجنود الأميركيين الذين أسرهم الحرس الثوري الإيراني في عام 2016، قائلاً إنهم كانوا يبكون في ذلك الوقت. كما أشار في ديسمبر 2016 إلى أن خبرة (حزب الله) في القتال في المدن بحلب ستكون مفيدة في المدن الإسرائيلية.
العلاقة مع قاسم سليماني وروحاني
وتزامنت فترة ولايته مع صعود قاسم سليماني، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني. وبينما كان سلامي، من الناحية الفنية، الرجل الثاني في الحرس الثوري الإيراني، إلا أن سليماني كان شخصية أكثر نفوذاً، فعلياً ورمزياً. وكما أشارت وكالة استخبارات الدفاع الأميركية، فإن القائد العام للحرس الثوري الإيراني يشرف تقليدياً على "جميع أنشطة الحرس الثوري الإيراني، ولكنه يتمتع بسيطرة أقل على فيلق القدس، الذي يمتلك قائده خط اتصال منفصل مع خامنئي".
حافظ سلامي على مسافة من إدارة روحاني، معرباً عن دعمه الفاتر لها في عام 2013، وقال ذات مرة باقتضاب: "هذه إدارة جمهورية إيران". في ذلك الوقت، كان روحاني يحاول كبح نفوذ الحرس الثوري الإيراني في طهران، محذراً إياهم من "التدخل في الشؤون السياسية". لكن سلامي دخل المعترك السياسي، موجهاً انتقادات مبطنة لرئاسة روحاني. قال ذات مرة: "ينظر إلينا بعض الأصدقاء في أعيننا ليهنئونا، لكنهم في الحقيقة يرددون صدى صوت عدونا. الحرس الثوري الإيراني لا يخشى هذه التهديدات. ليس من اللائق أن يعامل الأصدقاء بعضهم بعضاً كأعداء".
في الفترة التي سبقت توقيع خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي) JCPOA، أبدى سلامي تحديه عندما بدأت إيران مفاوضات سرية مع الغرب، قائلاً في مارس 2013 إن "صيغة P5+1 لم تعد قادرة على منع الأمة الإيرانية من اتخاذ خطوات في مجال التكنولوجيا النووية. نحن في قمة قوتنا اليوم ونتخذ الخطوات الأخيرة نحو النصر، وهذه هي العقبة الأخيرة". كما حذّر إدارة روحاني من عمليات التفتيش الأجنبية، قائلاً: "لن نمنح الأجانب الإذن بتفتيش مواقعنا العسكرية فحسب، بل لن نمنحهم حتى الإذن بالتفكير في مثل هذا الموضوع".
القائد العام للحرس الثوري الإيراني
بحلول عام 2017، كان محمد علي جعفري قد شغل منصب القائد العام للحرس الثوري الإيراني لعقد من الزمان. ولكن في يوليو 2017، أشار جعفري إلى أنه يتوقع أن يشغل المنصب لثلاث سنوات أخرى على الأقل.
ولذلك، كان قرار المرشد الأعلى الإيراني بترقية حسين سلامي إلى منصب القائد العام في أبريل 2019 مفاجئاً، بعد أسابيع من تصنيف الولايات المتحدة للحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية أجنبية.
في أول تصريحاته كقائد عام، حث سلامي الحرس الثوري الإيراني على التفكير على مستوى عالمي. وقال: "لقد عبر فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني الجبال والسهول لإنهاء هيمنة أميركا في شرق البحر الأبيض المتوسط، ووصل إلى البحر الأحمر، وحول الأرض الإسلامية إلى أرض جهاد. علينا أن نوسع قدراتنا من المنطقة إلى العالم، حتى لا يكون للعدو ملجأ آمن حول العالم".
بعد اغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني في عام 2019، عاد سلامي إلى تهديد الولايات المتحدة، مُحذّراً من أن "الحرس الثوري الإيراني سينتقم بقسوة من الولايات المتحدة؛ انتقامٌ خفيّ التوقيت والحجم... اغتيال الجنرال سليماني نقطة تحوّل ستُنهي الوجود الأميركي في المنطقة".
بالإضافة إلى الانتكاسة التي مُني بها الحرس الثوري الإيراني بعد اغتيال سليماني، استمر في مواجهة صعوبات تحت قيادة سلامي. فقد أسقط الحرس الثوري طائرة ركاب أوكرانية أثناء شنه هجوماً انتقامياً على القوات الأميركية في العراق بعد اغتيال سليماني. بعد الحادث، قال سلامي للبرلمان: "لم أشعر في حياتي بمثل هذا الخجل. لقد ارتكبنا خطأً، واستشهد بعض مواطنينا بسببه، ولكنه كان غير مقصود. نعتذر ونشعر بالخجل، لكننا سنعوض".