إسرائيل وإيران.. سياق سياسي مضطرب قبل هجمات غير مسبوقة

time reading iconدقائق القراءة - 11
إيرانيون يتابعون آثار الدمار الناجم عن غارة إسرائيلية على مبنى سكني في طهران. 13 يونيو 2025 - via REUTERS
إيرانيون يتابعون آثار الدمار الناجم عن غارة إسرائيلية على مبنى سكني في طهران. 13 يونيو 2025 - via REUTERS
دبي -الشرق

بلغت عقود من التحذيرات الإسرائيلية ضد البرنامج النووي الإيراني والاستعدادات للعمل العسكري لإحباطه، ذروتها في وقت مبكر من الجمعة بشن إسرائيل هجوماً كبيراً على إيران، حيث ضربت مواقع نووية ومنشآت عسكرية وقواعد صاروخية واستهدفت قيادات عسكرية عليا.

وكان توقيت الهجوم لافتاً للغاية، فقد تزامن مع انخراط طهران في مفاوضات مباشرة مع واشنطن بشأن برنامجها النووي، حيث كان يرتقب أن تنعقد جولة جديدة من المحادثات بين مبعوث إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، ستيف ويتكوف، ونظرائه الإيرانيين الأحد في عُمان، فيما لا يُعرف ما إذا كانت طهران سترسل وفداً إلى المحادثات أم ستغيب.

كما تأتي الضربة الإسرائيلية على إيران في وقت حذّرت فيه دول أوروبية طهران على "تصرفاتها النووية غير المسؤولة"، في حين ردّ المسؤولون الإيرانيون بأنهم سيعملون على تسريع وتيرة التحول النووي، وتراكمت الإشارات التي تشير إلى ضربة وشيكة محتملة، إلى جانب تحذيرات من أن إسرائيل قد تكون قد هيأت فعلاً كل ظروف هذه الضربة، بدون دعم أميركي.

ولطالما سعت إسرائيل بشكل متزايد إلى إظهار قدرتها على التحرك بمفردها، فيما أبلغ مسؤولون إسرائيليون نظراءهم الأميركيين أن إسرائيل مستعدة لضرب إيران.

اقرأ أيضاً

علماء نوويون وقادة عسكريون يتصدرون قائمة أهداف ضربات إسرائيل على إيران

شملت قائمة أهداف الضربات الإسرائيلية على إيران، علماء نوويين وقادة عسكريين، ومنشآت نووية إيرانية عديدة.. تعرف على أبرز تلك الأهداف.

وعندما سُئل ترمب عن قرب ضربة إسرائيلية، قال: "لا أريد أن أقول إنها وشيكة، لكن يبدو أنها أمر وارد جداً". وبعد ساعات أطلقت إسرائيل عشرات الغارات الجوية على مناطق واسعة من إيران، محققةً مفاجأة تكتيكيةً بسلسلة مدمرة من الضربات التي أودت بحياة كبار الجنرالات الإيرانيين وعلماء نوويين رئيسيين، وضربت مواقع مرتبطة بالبرنامج النووي للبلاد.

وفي سياق منفصل، صرّح وزير الخارجية ماركو روبيو الجمعة، بأن الولايات المتحدة لم تكن متورطة في الضربات، وأن تل أبيب تصرفت بشكل منفرد.

وكانت الولايات المتحدة ودول أوروبية أخرى قد حذرت بالفعل من هجوم إسرائيلي مماثل على إيران، مما أعاد إشعال التوترات في الشرق الأوسط. فكيف وصلنا إلى هذا؟

مفاوضات نووية

لأشهر، دأب الرئيس الأميركي دونالد ترمب على الإشارة إلى رغبته في منح الدبلوماسية فرصة للنجاح قبل أي لجوء إلى القوة العسكرية، وكان من المقرر أن يكون اجتماع الأحد المقرر في مسقط، خطوة أخرى في رحلة محفوفة بالمخاطر.

في أبريل الماضي، بدأت الولايات المتحدة وإيران محادثات نووية رفيعة المستوى، بوساطة عُمان. وكان هذا أول تواصل بين البلدين منذ ما يقرب من سبع سنوات، عندما انسحب الرئيس دونالد ترمب من الاتفاق النووي المبرم في عام 2015.

فرض اتفاق 2015 قيوداً على البرنامج النووي الإيراني، مما جعل من المستحيل على البلاد إنتاج قنبلة نووية، مقابل رفع معظم العقوبات الأميركية والدولية المفروضة عليها. لكن ترمب انسحب من الاتفاق مع القوى العالمية في عام 2018، وأعاد فرض عقوبات شلت الاقتصاد الإيراني. وردت طهران بعد عام بانتهاك القيود النووية التي فرضها الاتفاق.

في مارس 2025، وبعد توليه الرئاسة لولاية ثانية، قال ترمب إنه كتب رسالة إلى إيران، يحثها فيها على بدء محادثات بشأن منع تطوير الأسلحة النووية وإلا واجهت عملاً عسكرياً محتملاً. ورداً على ذلك، رفضت إيران مطالب ترمب المتعلقة بالمفاوضات المباشرة، وتركت الباب مفتوحاً أمام مفاوضات غير مباشرة.

بعد بضعة أيام، صرّح ترمب للصحافيين في المكتب البيضاوي، بأن واشنطن ستبدأ محادثات مباشرة مع إيران. جاء هذا الإعلان خلال محادثات مع نتنياهو، الذي كان يزور الولايات المتحدة آنذاك.

عُقدت الجولة الأولى من المحادثات الأمريكية الإيرانية في 12 أبريل في مسقط، ووُصفت بأنها "بناءة". وركزت المحادثات على "تهدئة التوترات الإقليمية، وتبادل الأسرى، والتوصل إلى اتفاقات محدودة لتخفيف العقوبات مقابل السيطرة على البرنامج النووي الإيراني"، حسبما ذكرت "رويترز".

واجتمع مسؤولون أميركيون وإيرانيون للمرة الثانية في 19 أبريل، وهذه المرة في روما. وفي حديثه على التلفزيون الرسمي بعد المحادثات، وصفها وزير الخارجية الإيراني بأنها مفيدة وجرت في جو بناء. ولم يصدر أي تعليق فوري من الجانب الأميركي عقب المحادثات.

عُقدت الجولة الثالثة من المحادثات في عُمان مرة أخرى، وتضمنت هذه المرة اجتماعاً فنياً بين خبراء من الجانبين. وقبل يوم واحد فقط من المحادثات، قال ترمب، في مقابلة مع مجلة "تايمز"، إنه "يفضل التوصل إلى اتفاق على إلقاء القنابل".

في الأسبوع نفسه، أعلنت واشنطن أيضاً عن عقوبات جديدة تستهدف شبكة النفط الإيرانية، في خطوة وصفتها طهران بأنها "عدائية". وفي سياق منفصل، حذّر وزير الدفاع الأميركي بيت هيجسيث إيران من أنها ستواجه عواقب لدعمها الحوثيين.

وفي وقت لاحق، أُجّلت الجولة الرابعة من المحادثات، التي كان المقرر عقدها في 3 مايو في روما. ونقلت "رويترز" عن مسؤول إيراني قوله: "العقوبات الأميركية على إيران خلال المحادثات النووية لا تساعد الأطراف على حل النزاع النووي دبلوماسياً". في غضون ذلك، صرّحت عُمان بأنه تم تأجيل المحادثات "لأسباب لوجستية".

وفي اليوم نفسه، وفي مقابلة مع قناة "فوكس نيوز"، قال وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو إن على إيران "التخلي" عن تخصيب اليورانيوم وتطوير الصواريخ بعيدة المدى، وعليها السماح للمفتشين الأميركيين بدخول منشآتها.

وأضاف روبيو: "إذا كانت لديك القدرة على التخصيب بنسبة 3.67%، فلن يستغرق الأمر سوى بضعة أسابيع للوصول إلى نسبة 20%، ثم 60%، ثم 80 و90% اللازمة لصنع سلاح نووي".

اتفاق أم حرب؟

انعقدت الجولة الرابعة من المحادثات الأميركية الإيرانية، مرة أخرى في مسقط في 12 مايو. وعُقد الاجتماع في نفس الأسبوع الذي قام فيه الرئيس ترمب بزيارة الشرق الأوسط، وفقاً لوكالة أسوشيتد برس.

وصفت إيران المفاوضات، التي استمرت ثلاث ساعات، بأنها "صعبة ولكنها مفيدة". من ناحية أخرى، قال مسؤول أميركي لوكالة "أسوشيتد برس": "تم التوصل إلى اتفاق للمضي قدماً في المحادثات لمواصلة العمل من خلال العناصر الفنية".

بعد ثلاثة أيام، في 15 مايو، أعلن ترمب أن الولايات المتحدة تقترب جداً من إبرام اتفاق نووي مع إيران. وقال خلال جولته الخليجية: "نحن في مفاوضات جادة للغاية مع إيران من أجل سلام طويل الأمد"، حسبما نقلت "رويترز".

وأضاف: "نقترب ربما من إبرام صفقة دون الحاجة إلى ذلك... هناك خطوتان للقيام بذلك، إحداهما لطيفة للغاية والأخرى عنيفة، لكنني لا أريد اتباع الطريقة الثانية".

ومع ذلك، صرّح مصدر إيراني بأنه في حين أن طهران مستعدة لتقديم ما اعتبرته تنازلات، فإن "المشكلة هي أن أميركا غير مستعدة لرفع عقوبات كبيرة مقابل ذلك".

وبصرف النظر عن ذلك، عُقدت الجولة الخامسة من المحادثات بين البلدين في روما في 23 مايو، حيث أُحرز "بعض التقدم، وإن لم يكن حاسماً"، وفقًا للوسيط عُمان. في غضون ذلك، أعلنت إيران أنها تلقت "عناصر" من مقترح أميركي، وصرح وزير الخارجية عباس عراقجي لاحقاً بأن النص يحتوي على "غموض".

بعد أيام قليلة من الجولة الخامسة من المحادثات، تعهد المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، في خطاب ألقاه بمناسبة ذكرى وفاة قائد الثورة الإيرانية الخميني، بأن طهران لن تتخلى عن تخصيب اليورانيوم، وهو مطلب رئيسي في المقترح الأميركي.

وقال: "الاستقلال يعني عدم انتظار الضوء الأخضر من أميركا وأمثالها"، مضيفاً أن المقترح الأميركي "يتعارض تماماً" مع مبادئ الثورة عام 1979.

تصاعد التوترات

ومنذ ذلك الحين، بدأت حالة من الشد والجذب بين إيران والولايات المتحدة. في 9 يونيو، أعلنت الخارجية الإيرانية أنها ستقدم قريباً مقترحاً بديلاً لما قدمته واشنطن عبر الوسيط العُماني. وذكرت أن المقترح الأميركي لم يتضمن مطلب طهران الرئيسي المتمثل في رفع العقوبات.

ولكن على الرغم من الخلاف، صرّح الرئيس ترمب في وقت سابق من هذا الأسبوع باستمرار المحادثات بين البلدين. وقال ترمب للصحفيين في البيت الأبيض، وفقاً لرويترز: "إنهم يطلبون فقط أشياء لا يمكن تحقيقها. لا يريدون التخلي عما يجب عليهم التخلي عنه. إنهم يسعون إلى التخصيب. لا يمكننا السماح بالتخصيب".

وأضاف أن إيران كانت الموضوع الرئيسي لمكالمة هاتفية أجراها الاثنين مع رئيس الوزراء الإسرائيلي. وقال مكتب نتنياهو إن الرئيس أبلغه بأن المحادثات مع إيران ستستمر حتى نهاية الأسبوع. وبعد ذلك بوقت قصير، أعلنت عُمان أن الجولة السادسة من المحادثات الأميركية الإيرانية ستُعقد الأحد.

لكن بعد ذلك، شهد يوم 12 يونيو أحداثاً كثيرة. فقد حذر ترمب من احتمال اندلاع "صراع واسع النطاق" في الشرق الأوسط. وقال ترمب، رداً على سؤال من أحد المراسلين حول هجوم إسرائيلي على إيران: "لا أريد أن أقول إنه وشيك، لكن يبدو أنه أمر وارد جداً".

في الوقت نفسه، قال الرئيس الأميركي أيضاً، إنه يحث نتنياهو على التريث في اتخاذ أي إجراء في الوقت الحالي، ثم لجأ لاحقاً إلى وسائل التواصل الاجتماعي ليقول إن "الإدارة بأكملها قد تلقت توجيهات بالتفاوض مع إيران".

في اليوم نفسه، أصدرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أقوى إدانة لها لإيران منذ عشرين عاماً، قائلةً إن إيران واصلت تخصيب اليورانيوم إلى مستويات قريبة من مستويات الأسلحة، ولم تمتثل لالتزاماتها بمنع الانتشار النووي. وفي أعقاب ذلك، أعلنت إيران أنها شيدت وستُفعّل منشأة تخصيب نووي ثالثة.

بعد ساعات قليلة من هذه التطورات، هاجمت إسرائيل أهدافاً نووية إيرانية، وقال نتنياهو إن الضربات ستستمر طالما استغرق الأمر "لإزالة هذا التهديد".

وأصر مسؤولو إدارة ترمب مساء الخميس على أن ويتكوف لا يزال يخطط لحضور محادثات الأحد. لكن احتمالية عقد اجتماع مع محاوره الإيراني بدت غير مؤكدة، مع تعهد طهران بالرد على إسرائيل، واتهام بعض المسؤولين الإيرانيين المتشددين لواشنطن بالتواطؤ في الهجوم الإسرائيلي.

ولطالما كان احتمال قيام إسرائيل بعمل عسكري ضد إيران مصدر قلق للإدارات الأميركية، التي شاطرت الإسرائيليين قلقهم بشأن الجهود النووية الإيرانية المتنامية واحتمال تمكينها طهران في نهاية المطاف من امتلاك سلاح نووي.

وكان أحد المخاوف الرئيسية هو أن الضربات الجوية الإسرائيلية قد تُلحق الضرر بالبرنامج النووي الإيراني دون تدميره، لأن جزءاً كبيراً منه كان مدفوناً ومُشتتاً. قد يسمح ذلك لإيران بمواصلة برنامجها النووي سراً. 

تصنيفات

قصص قد تهمك