إسرائيل وبرنامج إيران النووي.. ضربات مكثفة و"أضرار محدودة"

time reading iconدقائق القراءة - 11
صورة من قمر صناعي لمنشأة نطنز النووية في إيران. 24 يناير 2025 - REUTERS
صورة من قمر صناعي لمنشأة نطنز النووية في إيران. 24 يناير 2025 - REUTERS
دبي -الشرق

 ألحقت موجة ضربات شنتها إسرائيل على إيران، فجر الجمعة، أضراراً بأحد أبرز المواقع النووية، وأسفرت عن اغتيال عدد من كبار المسؤولين العسكريين والعلماء النوويين؛ إلا أن تقارير، استندت إليها صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية كشفت أن الهجوم لم يدمر البرنامج النووي الإيراني بالكامل، إذ لا يزال جزء كبير من البنية النووية قائماً في الوقت الراهن عل الأقل.

وتُظهر تقارير أن الضربات الإسرائيلية، دمّرت منشأة لإنتاج الوقود النووي تقع فوق الأرض، بالإضافة إلى مراكز تغذية كهربائية في منشأة نطنز، أكبر موقع لتخصيب اليورانيوم في البلاد.

ويأتي استهداف عدد من كبار العلماء النوويين الإيرانيين ضمن حملة إسرائيلية مستمرة تهدف إلى تصفية الكفاءات اللازمة لتطوير قنبلة نووية.

غير أن المرحلة الأولى من الهجمات الإسرائيلية، لم تستهدف على ما يبدو المخزون المرجّح أن يحتوي على الوقود الإيراني المخصّب بدرجة قريبة من مستوى تصنيع الأسلحة، وهو قرار ربما يكون "متعمداً"، بحسب الصحيفة.

ويقول مفتشو الوكالة الدولية للطاقة الذرية إن هذا المخزون يُخزّن في مجمع ضخم بالقرب من مدينة أصفهان، العاصمة التاريخية القديمة. ومع ذلك، فإن الموجة الأولى التي شملت 200 مقاتلة إسرائيلية إلى جانب أسراب من الصواريخ والطائرات المسيّرة، تجنّبت أصفهان، رغم أنها تُعدّ من أكبر المواقع النووية في إيران، ومن أبرز مراكز الأبحاث السرية المرتبطة بتطوير الأسلحة، وفقاً لاستخبارات غربية.

أضرار محدودة

وقال خبراء راجعوا صور الأقمار الصناعية المتاحة تجارياً، إن الأضرار التي لحقت بالمنشآت النووية الإيرانية نتيجة الموجة الأولى من الضربات الجوية التي شنتها إسرائيل، الجمعة، "محدودة" على ما يبدو، ولم تظهر أضراراً كبيرة في البنية التحتية النووية.

ونقلت وكالة "رويترز" عن الخبير النووي، ديفيد ألبرايت، من معهد العلوم والأمن الدولي، قوله: "كان اليوم الأول يستهدف أموراً يمكن تحقيقها من خلال المفاجأة؛ اغتيال القيادات، وملاحقة العلماء النوويين، وأنظمة الدفاع الجوي، والقدرة على الرد".

وأضاف: "لا يمكننا رؤية أي أضرار ظاهرة على منشأتي فوردو أو أصفهان. وهناك أضرار في نطنز. لا يوجد دليل على تدمير الموقع الموجود تحت الأرض".

بدوره، قال جيفري لويس، خبير حظر الانتشار النووي في "معهد ميدلبري للدراسات الدولية"، إن الأضرار التي لحقت بمنشأة نطنز "متوسطة"، موضحاً أن "إسرائيل دمرت منشأة تجريبية لتخصيب الوقود وبعض المباني الداعمة المرتبطة بإمدادات الطاقة".

وأضاف أن الضربات أصابت مبنى دعم قرب منشأتين تحت الأرض لتخصيب اليورانيوم، دون أن تظهر أي أضرار على المنشآت تحت الأرض أو المنشأة الجبلية الضخمة المجاورة.

وأعلن الجيش الإسرائيلي في بيان، الجمعة، أن الموجة الثانية من الهجمات استهدفت أصفهان، لكن دون المساس بمخزون الوقود النووي. 

وبدلاً من ذلك، ركزت الهجمات على مختبرات تعمل على تحويل غاز اليورانيوم إلى معدن، وهي إحدى المراحل الأخيرة في عملية تصنيع السلاح النووي. إلا أن البيان لم يأت على ذكر استهداف الموقع الذي يُعتقد أن الوقود مخزّن فيه.

وقال المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل جروسي، بعد ساعات من بدء الهجمات: "لقد رأينا الوقود هناك مؤخراً". 

وأوضح أن مفتشي الوكالة، كانوا داخل منشآت أصفهان خلال الأسابيع الماضية، لإجراء تفتيش نهائي ضمن التقرير الفصلي بشأن قدرات إيران النووية، والذي وُزّع هذا الشهر على مجلس إدارة الوكالة، مركزاً على مدى امتثال إيران لمطالب المفتشين.

مخزون الوقود النووي

واعتبرت "نيويورك تايمز"، أن اللغز يكمن في سبب تجنب إسرائيل استهداف مخزون الوقود النووي، رغم أنه يعد الطريق الأسرع لإيران نحو إنتاج ترسانة نووية صغيرة.

وأشارت إلى أن هذا المخزون كان يشكل "جوهر تبريرات" رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للهجوم، الذي جاء بعد عقدين كانت إسرائيل تتجنب فيهما دوماً اتخاذ خطوة كهذه.

وقال نتنياهو في تصريحات، الجمعة: "إيران أنتجت كمية من اليورانيوم عالي التخصيب تكفي لصنع تسع قنابل نووية... تسع".

وحذّر نتنياهو من خطورة وجود هذا المخزون قائلاً: "خلال الأشهر الماضية، اتخذت إيران خطوات لم يسبق أن أقدمت عليها من قبل، خطوات لتحويل هذا اليورانيوم المخصب إلى سلاح".

وأضاف: "إذا لم نُوقف إيران الآن، فقد تنتج سلاحاً نووياً في وقت قصير جداً، قد يكون خلال عام، أو خلال بضعة أشهر.. وربما أقل من عام".

لكن مسؤولين إسرائيليين لم يردّوا على تساؤلات بشأن سبب تجنّبهم استهداف المخزون، على الأقل في هذه المرحلة، بحسب "نيويورك تايمز"، التي رجحت أن مجمّع أصفهان  من المحتمل أن يكون هدفاً في موجة مقبلة.
 
وقال الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الجمعة: "ما زال هناك المزيد قادم.. الكثير"، محذراً من أن الهجمات المقبلة ستكون "وحشية".

مع ذلك، يعتقد عدد من الخبراء المستقلين أن تجنُّب منشأة أصفهان النووية، كان قراراً مقصوداً ومدروساً.

وقال جون وولفستال، من اتحاد العلماء الأميركيين، وهو من المتابعين الدائمين لتقدّم البرنامج النووي الإيراني: "حقيقة أن إسرائيل لم تقصف منشأة تخصيب اليورانيوم المعروفة في أصفهان، توحي إما بأن نتنياهو خشي من حادث إشعاعي، أو أنهم يعتقدون بأن هذا الضغط سيقود إيران إلى التخلي عن مخزونها من تلقاء نفسها".

مخاوف من "تسرب إشعاعي"

ووفق الصحيفة، يمثل القلق من حادث "تسرب إشعاعي" احتمالاً حقيقياً، إذ أن قصف موقع تخزين الوقود في وضعه الحالي، لن يؤدي إلى تفجير نووي، لكنه قد يؤدي إلى تسرب الوقود إلى البيئة، ما يشكل تهديداً إشعاعياً كبيراً، وهو ما يحول منشأة أصفهان فعلياً إلى "قنبلة إشعاعية".

وتقول "نيويورك تايمز"، إن التاريخ يُظهر أن إسرائيل شديدة الحساسية تجاه خطر التسبّب في تسرب مواد مشعّة.

ففي عام 1981، عندما قصفت مفاعل "أوزيراك" النووي العراقي في عهد الرئيس الراحل صدام حسين، لمنع بغداد من امتلاك سلاح نووي، نفذت الهجوم قبل تزويد المفاعل بالوقود.

واعتمدت إسرائيل، النهج نفسه، عندما ضربت منشأة نووية كانت كوريا الشمالية تبنيها في سوريا، رغم أنها آنذاك حاولت إخفاء مسؤوليتها عن الهجوم لأشهر. أما في الهجوم على إيران صباح الجمعة، فقد تفاخر مسؤولون إسرائيليون بتفاصيل العملية.

وثمة تفسير آخر محتمل لتجنّب استهداف مخزون الوقود، يتمثل في أن المسؤولين الإسرائيليين ربما يعتقدون أن بإمكانهم منع إيران من رفع نسبة تخصيب اليورانيوم المخزن إلى درجة تصنيع القنابل، أي 90%، وهي عملية، بحسب تقديرات استخباراتية أميركية، لا تستغرق سوى أيام أو أسابيع، رغم أنه يمكن صنع سلاح نووي بوقود منخفض النقاء، إلا أن ذلك يُدخل صعوبات تقنية جديدة.

خيارات إيران

ولفتت الصحيفة إلى أن إيران لديها خيارات محدودة، حيث كانت منشأة نطنز، أكبر منشآت التخصيب في البلاد، الهدف الرئيسي خلال الساعات الأولى لهجوم الجمعة، وأظهرت لقطات مصورة من هواتف محمولة تصاعد الدخان منها. 

وقال جروسي، مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية: "نعتقد أنها تضررت بشدة"، وهو الذي زار المنشأة عدة مرات في السابق.

وإذا تعطّلت نطنز، فإن الخيار الأفضل لإيران سيكون نقل الوقود إلى منشأة فوردو الأصغر، التي تقع في عمق جبل داخل قاعدة تابعة للحرس الثوري الإيراني.

ويقدّر جروسي أن المنشأة تقع على عمق نحو 800 متر، ما يجعلها على الأرجح محصنة ضد القنابل الخارقة للتحصينات التي تمتلكها إسرائيل. وحتى الآن، أوضحت إدارة ترمب أنها لن تشارك في هذه الهجمات، التي كان يمكن أن تتضمن استخدام قنبلة خارقة عملاقة طورتها الولايات المتحدة خصيصاً لاستهداف مواقع شديدة التحصين كهذه في إيران وكوريا الشمالية.

اقرأ أيضاً

مدير "الطاقة الذرية": برنامج إيران النووي معقّد.. وتدميره يتطلب قوة ساحقة

قال مدير وكالة الطاقة الذرية جروسي، إن برنامج إيران النووي معقد وتدميره يتطلب قوة ساحقة، مضيفاً أن طهران أبلغته أن أي هجوم إسرائيلي قد يدفعها لصناعة سلاح نووي.

ورغم ذلك، تفيد بعض التقارير بأن إسرائيل قد تحاول ذلك على أي حال، إذ ظهرت مؤشرات على قصف في محيط المنشأة الجبلية، مساء الجمعة. ومع ذلك، حتى وإن فشلت المحاولة، فمن المستبعد جداً أن تغامر إيران بنقل وقودها المخصّب بنسبة 60% إلى موقع نطنز المتضرر، إذ سيكون "هدفاً سهلاً للطائرات المسيّرة"، على حد قول مسؤول استخبارات أميركي سابق عمل لسنوات على الملف الإيراني.

ونقلت "رويترز" عن مارك دوبويتز، رئيس مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، قوله إن "الرأي السائد منذ سنوات هو أن إسرائيل لا تملك القدرة على تدمير فوردو دون دعم عسكري أميركي"، مشيراً إلى أن واشنطن تمتلك قنابل خارقة للتحصينات بوزن 14 طناً تُعرف باسم "المتفجرات الضخمة الخارقة للتحصينات"، ويمكن استخدامها بواسطة قاذفات B-2.

وأضاف دوبويتز، أن الولايات المتحدة قد تلجأ إلى هذا الخيار إذا رفضت إيران العودة إلى طاولة التفاوض بشأن برنامجها النووي.

رهان على اغتيال العلماء

وفي اختيارها لأهداف الضربات، راهنت إسرائيل أيضاً على تقويض البرنامج النووي من خلال اغتيال علماء رئيسيين.

وأشارت وسائل إعلام إيرانية، إلى اغتيال 6 علماء نووية، أحدهم هو محمد مهدي طهرانجي، عالم الفيزياء ورئيس جامعة "آزاد" في طهران، وهي مؤسسة لطالما ارتبطت بأنشطة نووية وصاروخية إيرانية.

أما الآخر، فكان هدفاً قديماً فشلت إسرائيل في تصفيته سابقاً، وهو فريدون عباسي، الرئيس السابق لمنظمة الطاقة الذرية الإيرانية، المعروف بخطابه المتشدد.

وفي نوفمبر 2010، وأثناء ذروة حملة "العبوات اللاصقة" التي كانت تستهدف علماء إيرانيين عبر تفجير قنابل مغناطيسية تُثبت على سياراتهم وسط زحام طهران، أصيب عباسي بجراح بالغة؛ لكن، بسبب تدريبه العسكري، تمكن فور سماعه صوت القنبلة من إخراج نفسه وزوجته من السيارة قبل أن تشتعل.

اقرأ أيضاً

علماء نوويون وقادة عسكريون يتصدرون قائمة أهداف ضربات إسرائيل على إيران

شملت قائمة أهداف الضربات الإسرائيلية على إيران، علماء نوويين وقادة عسكريين، ومنشآت نووية إيرانية عديدة.. تعرف على أبرز تلك الأهداف.

ووفقاً للصحيفة، نجا عباسي من محاولة الاغتيال وأصبح أكثر تصميماً على المضي قدماً في البرنامج النووي الإيراني، وأصبح لعدة سنوات وجهة له، وكان يُصرّ على أن اهتمام إيران بالتكنولوجيا النووية هو لأغراض سلمية بحتة.

وزعم أن جميع الأدلة التي قدمها مفتشون دوليون حول وجود مشروع سري نشط لإنتاج رؤوس نووية في إيران منذ أكثر من 20 عاماً، بما في ذلك الرسومات والتقديرات المتعلقة بأفضل ارتفاع لتفجير القنبلة، ما هي إلا "فبركة إسرائيلية" تهدف إلى تبرير هجوم مستقبلي على المنشآت النووية الإيرانية.

تصنيفات

قصص قد تهمك