فوردو.. هل يغير استهداف "جبل الهلاك" قواعد اللعبة في الصراع بين إسرائيل وإيران؟

منشأة نووية على عمق 500 متر تحت صخور صلبة ومحاطة بجدران خرسانية مسلحة ودفاع جوي

time reading iconدقائق القراءة - 10
صورة بالأقمار الاصطناعية لمنشأة فوردو النووية في إيران. 24 يناير 2025 - REUTERS
صورة بالأقمار الاصطناعية لمنشأة فوردو النووية في إيران. 24 يناير 2025 - REUTERS
دبي -الشرق

يُشبه مخططون عسكريون إسرائيليون منشأة "فوردو" النووية في إيران بجبل "الهلاك"؛ فهي منشأة تخصيب نووي محصنة بشدة، مدفونة على عمق نصف كيلومتر تحت جبل، ومحاطة بأنظمة دفاع جوي، وتقع بشكل رمزي بالقرب من مدينة قُم الدينية القديمة.

أما طهران، فترى في منشأة "فوردو" رمزاً لرغبتها في حماية برنامجها النووي، الذي صُمم ليصمد أمام هجوم مباشر شامل، مع الحفاظ على عدد كافٍ من أجهزة الطرد المركزي واليورانيوم عالي التخصيب بما يسمح لها بإنتاج سلاح نووي محتمل، أو تنفيذ ما يُعرف بـ"الاختراق النووي"، بحسب صحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية.

وأوضحت الصحيفة، الأحد، أن منشأة فوردو بُنيت تحت صخور صلبة، وأُحيطت بجدران خرسانية مسلحة، ما يجعلها بمنأى عن مدى التدمير الذي قد تلحقه الأسلحة الإسرائيلية المعروفة، وتمثل أيضاً انعكاساً لحالة "قلق استراتيجي" تعيشها إيران.

الهدف "الأصعب وربما الأخير"

ونقلت عن بهنام بن طالبلو، الباحث البارز في "مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات" الأميركية، قوله: "فوردو هي كل شيء في الأنشطة النووية الإيرانية".

وأكدت إيران، السبت، تعرض منشأة فوردو لهجوم، لكن متحدثاً باسم هيئة الطاقة الذرية الإيرانية قال إن "الأضرار محدودة".

في المقابل، نجحت إسرائيل في تدمير المنشأة التجريبية الأكبر فوق سطح الأرض في منشأة "نطنز"، بحسب ما أعلنه المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل جروسي أمام مجلس الأمن، الجمعة.

وأظهر تحليل، أجرته مؤسسة "معهد العلوم والأمن الدولي" باستخدام صور أقمار اصطناعية مفتوحة المصدر، أن قاعات أجهزة الطرد المركزي تحت الأرض في "نطنز"، ربما تكون أصبحت غير صالحة للاستخدام بسبب الأضرار الكبيرة التي لحقت بإمدادات الكهرباء هناك.

وأعرب داني سيترينوفيتش، الخبير في الشأن الإيراني لدى "معهد دراسات الأمن القومي" في تل أبيب، عن اعتقاده بأن "فوردو" ستكون هدفاً صعباً من دون دعم أميركي، موضحاً أن المنشأة "محصنة بشدة وتقع في عمق جبل". 

وقال سيترينوفيتش: "لست واثقاً من حجم الضرر الذي يمكننا إلحاقه بها". وأضاف: "إيران لم تقترب بعد من نقطة الصفر (أي التدمير الكامل لبرنامجها النووي).. فهي لا تزال تحتفظ بقدرات كبيرة"، مشيراً إلى أن فوردو ستكون الهدف "الأصعب، وربما الأخير"، في الحملة الجوية الإسرائيلية.

مخاطرة هائلة

على الصعيد العالمي، لا تُعد منشأة "فوردو" فريدة من نوعها من حيث التحصين، فكل قوة عسكرية كبرى تمتلك برنامجاً نووياً لديها منشآت تحت الأرض تشبهها، لطالما كانت مادة خصبة لأفلام التجسس ونظريات المؤامرة، وفق "فاينانشيال تايمز".

وأشارت الصحيفة إلى بناء الولايات المتحدة منشأة "رافن روك"، المعروفة باسم "البنتاجون السري"، داخل جبل بولاية بنسلفانيا. وقالت إن جبل يامانتاو "الغامض" في روسيا يُعتقد أنه يضم منشأة ضخمة للأسلحة النووية.

وينطبق الأمر ذاته على قواعد الصواريخ الكورية الشمالية المحفورة داخل الجبال، في حين تحتوي قاعدة "لونجبو" البحرية الصينية على منشأة تحت الأرض للغواصات النووية يمكن الوصول إليها عبر أنفاق.

لكن تبقى "فوردو" هي المنشأة العسكرية الكبرى الوحيدة تحت الأرض التي تعرضت لهجوم مباشر، وهو ما اعتبرته "فاينانشيال تايمز" سابقة تعكس "المخاطرة الهائلة" التي قام بها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بموافقته على الهجمات التي شنتها إسرائيل على إيران هذا الأسبوع.

قدرات التخصيب في "فوردو"

ولطالما نفى المسؤولون الإيرانيون سعيهم لامتلاك قنبلة نووية، وأشار أحدث تقييم للتهديدات صادر عن أجهزة الاستخبارات الأميركية هذا العام إلى أن إيران لم تُعد تشغيل برنامجها للأسلحة النووية، الذي كانت قد علقته في عام 2003 تحت ضغط دولي.

ومع ذلك، إذا قررت طهران المضي في هذا الاتجاه، فإن تقديرات "معهد العلوم والأمن الدولي" تشير إلى أن منشأة "فوردو" قادرة على تحويل كامل مخزون إيران من اليورانيوم عالي التخصيب، الذي قدر حجمه مفتشو الوكالة الدولية للطاقة الذرية في مايو بـ408 كيلوجرام، إلى يورانيوم صالح لصنع 9 قنابل نووية في غضون 3 أسابيع فقط.

وقال المعهد إن إيران قد تتمكن من إنتاج أول كمية (25 كيلوجراماً) من اليورانيوم المخصب بدرجة تصلح لصنع سلاح نووي داخل منشأة فوردو في غضون يومين إلى ثلاثة فقط.

ما الفرق بين "فوردو" و"نطنز"؟

تلخص الفروقات بين "فوردو" و"نطنز" جانباً كبيراً من تاريخ البرنامج النووي الإيراني، إلى جانب الجهود متعددة الأطراف التي بُذلت لتقييد أنشطة التخصيب، بهدف منع تنفيذ الهجمات من النوع الذي شنته إسرائيل هذا الأسبوع.

ففي أعقاب كشف علني عن وجود منشأة سرية، أعلنت إيران عن منشأة "نطنز" أمام الأمم المتحدة في 2003. ورغم احتوائها على ما يصل إلى 16 ألف جهاز طرد مركزي، فقد صُممت لتخصيب اليورانيوم على نطاق واسع، لكن بدرجات منخفضة.

وجعلها ذلك، إلى جانب خضوعها للتفتيش الدوري من قبل الوكالة الدولية، أكثر ملاءمة للاستخدام المدني. كما أن منشأة التخصيب في "نطنز" تقع على عمق لا يتجاوز 20 متراً فقط.

وفي المقابل، تتميز فوردو بـ"صلابة جيولوجية" تجعل قاعاتها "غير قابلة للاختراق" أمام القنابل التقليدية المحمولة جواً، بما في ذلك القنبلة الأميركية الخارقة للتحصينات، القادرة على اختراق 60 متراً من الخرسانة.

منشأة سرية

وشيدت منشأة "فوردو" بشكل سري، إلى أن كُشف عنها في سبتمبر 2009 في لحظة مثيرة، حين رفعت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا السرية عن معلومات استخباراتية أظهرت أن إيران أقامت منشأة سرية داخل جبل "لا تتسق مع برنامج سلمي".

شكل هذا الكشف، الذي وصفه رئيس الوزراء البريطاني آنذاك جوردون براون بـ"الخداع المتسلسل"، صدمة كبيرة، وأثار انتقادات نادرة من روسيا وتحذيرات من الصين.

وأصرت إيران على موقفها آنذاك، وقال الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد: "ما فعلناه كان قانونياً بالكامل"، وأضاف متسائلاً: "ما شأنكم أنتم لتُملوا علينا ما نفعله؟".

خطة العمل الشاملة المشتركة

ورغم ذلك، أصبحت "فوردو" محوراً للجهود الدولية التي تهدف لتقييد البرنامج النووي الإيراني. وأسفرت هذه الضغوط عن تشديد العقوبات الأممية، وأفضت إلى التوصل إلى "خطة العمل الشاملة المشتركة" في عام 2015 مع القوى الكبرى، وهي الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين وألمانيا.

وفي مقابل تخفيف العقوبات، وافقت إيران على تحويل "فوردو" إلى مركز أبحاث، وتحديد عدد أجهزة الطرد المركزي فيها، ووقف التخصيب لمدة 15 عاماً، والسماح بآليات رقابية مشددة من قبل المفتشين الدوليين.

لكن الولايات المتحدة انسحبت من الاتفاق النووي في عام 2018 خلال ولاية دونالد ترمب الأولى. ومنذ ذلك الحين، بدأت إيران في رفع معدلات التخصيب.

وفي أعقاب انفجار وقع في منشأة "نطنز" عام 2021، اتمهمت إيران إسرائيل بالوقوف وارئه، وتسبب في تدمير قدرات التخصيب هناك، فعلت طهران أجهزة الطرد المركزي في "فوردو"، وبدأت في تحويل مخزونها من اليورانيوم منخفض التخصيب إلى درجة نقاء تبلغ 60%، وهي نسبة يمكن من خلالها الوصول إلى درجة التخصيب اللازمة لصناعة قنبلة خلال أيام.

بؤرة محتملة للاختراق النووي

ويرى محللون أن "فوردو" قد تتحول، إذا لم تُدمر خلال الهجمات الإسرائيلية، إلى بؤرة جهود "الاختراق النووي" الإيراني. وقد تنسحب طهران من معاهدة عدم الانتشار النووي، وتوقف تعاونها مع الوكالة الدولية، وتبدأ بتصنيع قنبلة نووية بسرعة.

وكانت إيران قد هددت سابقاً بهذا السيناريو في حال تعرضت منشآتها النووية لهجوم، رغم أن مثل هذه الخطوة قد تدفع الولايات المتحدة للتدخل عسكرياً إلى جانب إسرائيل.

ويزيد من تعقيد المشهد أن "فوردو" ليست المنشأة المحصنة الوحيدة التي يمكن أن تعتمد عليها طهران. فقد شرعت إيران أخيراً في بناء منشأة أخرى أعمق وأكثر تحصيناً داخل جبل " كوه كلنج جز لا"، المعروف أيضاً باسم "جبل الفأس"، على بُعد بضعة كيلومترات جنوب نطنز.

ويُعتقد أن منشأة "فوردو" تضم مدخلين نفقين، في حين أن "جبل الفأس" يحتوي على 4 على الأقل، ما يصعب عملية إغلاقها عبر القصف. كما أن القاعات الموجودة تحت الأرض هناك توفر مساحة أكبر.

ويخشى البعض من أن تُستخدم تلك المنشأة، التي منعت إيران حتى الآن دخول مفتشي الوكالة الدولية إليها، لتجميع سلاح نووي في حال كانت البلاد تتعرض لهجوم.

وقال بن طالبلو إن "السؤال الجوهري هو ما إذا كانت إيران ستُخبئ، أو ربما قد خبأت بالفعل، مواد انشطارية داخل منشأة جبل الفأس أو في منشأة أخرى غير معروفة".

تصنيفات

قصص قد تهمك