
تواصل وكالات الاستخبارات الأميركية الاعتقاد بأن إيران لم تتخذ بعد قراراً بصنع قنبلة نووية، رغم امتلاكها مخزوناً كبيراً من اليورانيوم المخصب الذي يمكّنها من القيام بذلك، وذلك رغم استمرار الحرب الإسرائيلية الإيرانية، وفقاً لما نقلته صحيفة "نيويورك تايمز" عن مسؤولين استخباراتيين أميركيين ومسؤولين آخرين.
وأكد المسؤولون أن هذا التقييم لم يتغير منذ أن تناولت أجهزة الاستخبارات هذا الملف آخر مرة في شهر مارس، وذلك رغم الضربات الإسرائيلية التي استهدفت منشآت نووية إيرانية.
وقال مسؤولون كبار في الاستخبارات الأميركية إن القادة الإيرانيين قد يتجهون نحو تصنيع قنبلة نووية في حال شنّت الولايات المتحدة هجوماً عسكرياً على منشأة فوردو لتخصيب اليورانيوم، أو إذا أقدمت إسرائيل على اغتيال المرشد الإيراني علي خامنئي.
لكن مسألة ما إذا كانت إيران قد اتخذت القرار النهائي لإنتاج قنبلة نووية تبدو غير ذات أهمية في نظر العديد من المتشددين تجاه إيران في الولايات المتحدة وإسرائيل، ممن يرون أن طهران باتت قريبة بما فيه الكفاية لتمثل تهديداً وجودياً لإسرائيل.
وظلت هذه النقطة مثار جدل في السياسات المتبعة تجاه إيران، وها هي تعود إلى الواجهة مع دراسة الرئيس الأميركي دونالد ترمب لخياراته بشأن توجيه ضربة لموقع "فوردو".
مناقشات البيت الأبيض
وعقد البيت الأبيض اجتماعاً استخباراتياً، الخميس، أعلن خلاله أن الرئيس ترمب سيتخذ قراره خلال الأسبوعين المقبلين.
وخلال الاجتماع، أبلغ مدير وكالة الاستخبارات المركزية (CIA)، جون راتكليف، الحضور بأن إيران باتت "قريبة جداً" من امتلاك سلاح نووي.
وفي وقت لاحق، قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارولين ليفيت، خلال مؤتمر صحافي: "دعونا نكون واضحين: إيران تملك كل ما تحتاجه لصنع سلاح نووي. كل ما يتطلبه الأمر هو قرار من المرشد الأعلى، وعندها يمكن إكمال إنتاج القنبلة خلال أسبوعين فقط".
وأشار بعض المسؤولين الأميركيين إلى أن هذه التقييمات الجديدة تتطابق مع معلومات قدمتها وكالة الاستخبارات الإسرائيلية "الموساد"، التي تعتقد أن إيران قادرة على إنتاج سلاح نووي خلال 15 يوماً.
وفي حين يرى بعض المسؤولين الأميركيين أن تقديرات إسرائيل بشأن قرب امتلاك إيران لسلاح نووي ذات مصداقية، يؤكد آخرون أن تقييمات الاستخبارات الأميركية لم تتغير، ولا تزال أجهزة الاستخبارات الأميركية تعتقد أن إيران قد تحتاج إلى عدة أشهر، وربما حتى عام كامل، لإنتاج قنبلة نووية.
وتقول "نيويورك تايمز" إن تقارير الاستخبارات تُصاغ عادة بطريقة تتيح لصنّاع القرار استخلاص استنتاجات مختلفة، ويعتقد العديد من المسؤولين أن السبب وراء تراكم هذا الكم الكبير من اليورانيوم لدى إيران هو رغبتها في امتلاك القدرة على الانتقال بسرعة نحو صنع قنبلة إذا قررت ذلك.
ويرى بعض المسؤولين أن التقديرات الإسرائيلية متأثرة بأجندة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الساعي إلى كسب دعم أميركي لحملته العسكرية ضد إيران. ورغم ذلك، قال نتنياهو، الخميس، إن إسرائيل قادرة على تحقيق أهدافها المتعلقة بالمنشآت النووية الإيرانية بمفردها.
وأكد عدد من المسؤولين الأميركيين أن التقديرات الجديدة بشأن الجدول الزمني للوصول إلى القنبلة لا تستند إلى معلومات استخباراتية جديدة، بل إلى تحليل جديد لمواد سابقة.
ويستند الموقف الأميركي الرسمي إلى فتوى دينية أصدرها المرشد الإيراني، علي خامنئي، عام 2003، تحظر تطوير الأسلحة النووية. وقال مسؤول استخباراتي رفيع إن هذه الفتوى "لا تزال سارية"، مضيفاً أن تقييم إسرائيل بأن إيران على بُعد 15 يوماً فقط من القنبلة "مبالغ فيه".
ورغم تحذيرات نتنياهو المتكررة خلال السنوات الماضية من اقتراب إيران من امتلاك السلاح النووي، فإنه لم يحدد أبداً جدولاً زمنياً واضحاً.
وقال مؤخراً: "في الأشهر الماضية، اتخذت إيران خطوات غير مسبوقة لاستخدام اليورانيوم المخصب في إنتاج سلاح. وإذا لم يتم وقفها، فقد تنتج قنبلة نووية في وقت قصير جداً .. ربما خلال عام، وربما في غضون بضعة أشهر، أقل من عام. هذا تهديد وجودي حقيقي لإسرائيل".
"مخزون اليورانيوم يشكل خطراً"
ولا يزال مسؤولون أميركيون يعترفون بأن المخزون الكبير من اليورانيوم الإيراني يشكّل خطراً.
وخلال شهادته أمام الكونجرس في 10 يونيو، قال الجنرال مايكل كوريلا، قائد القيادة المركزية الأميركية، إن المخزون النووي الإيراني وعدد أجهزة الطرد المركزي المتوفرة لديها قد يسمحان لطهران بإنتاج مواد انشطارية خلال أسبوع واحد، وهي كافية لصنع 10 قنابل خلال 3 أسابيع، في حال قررت القيادة الإيرانية "الاندفاع نحو إنتاج سلاح نووي".
وفي شهادة سابقة خلال مارس، قالت مديرة الاستخبارات الوطنية، تولسي جابارد، إن المخزون الإيراني بلغ مستويات غير مسبوقة لدولة غير نووية، وأكد مسؤولون أن هذا التقييم لا يزال دقيقاً ويعكس أن إيران تجمع مكوّنات القنبلة النووية.
ويصل مستوى تخصيب اليورانيوم الإيراني حالياً إلى 60%، فيما يتطلب تصنيع قنبلة رفع التخصيب إلى 90%. ويعني التخصيب زيادة نسبة النظير الأخف U-235 القابل للانشطار، وتقليل نسبة اليورانيوم الطبيعي U-238.
لكن إنتاج سلاح نووي يتطلب أكثر من مجرد اليورانيوم، إذ تحتاج إيران أيضاً إلى تصنيع القنبلة وربما تصغير حجمها لتناسب رأساً حربياً يمكن تركيبه على صاروخ. ورغم أن الولايات المتحدة وإسرائيل تعتقدان أن إيران تمتلك الخبرة التقنية اللازمة، إلا أنه لا توجد معلومات استخباراتية تشير إلى أن طهران قد بدأت فعلياً في تنفيذ ذلك.
وترى الاستخبارات الأميركية أن إيران يمكن أن تقلّص الإطار الزمني لإنتاج قنبلة إذا اختارت صنع سلاح نووي بدائي، قد لا يكون قابلاً للتصغير للتركيب على صاروخ، بل أشبه بالقنبلة التي أسقطتها الولايات المتحدة على هيروشيما، والتي بلغ وزنها قرابة 10 آلاف رطل وطولها 10 أقدام، وتم إسقاطها من طائرة.
وأشار مسؤولون كبار، بينهم نائب الرئيس جيه دي فانس، إلى أن معلومات جديدة وصلت منذ صدور التقييم الأميركي في مارس. غير أن تلك المعلومات، بحسب المصادر، لا تتعلق بمعلومات استخباراتية جديدة حول برنامج إيران أو نواياها، بل هي تحليلات جديدة لبيانات قديمة.