
يُضيف قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب، بمهاجمة المنشآت النووية الإيرانية، بعد أن كان سابقاً من أشد المنتقدين لتورط أمريكا في الحروب الخارجية، تعقيداً جديداً لقادة الصين الذين يحاولون فهم كيفية تعامله مع صراع محتمل بشأن تايوان، حسبما نقلت "نيويورك تايمز".
وكان المسؤولون والخبراء الصينيون يحاولون بالفعل استشراف نهج ترمب تجاه تايوان، الجزيرة التي تعتبرها بكين جزءاً من أراضيها. والآن، من المرجّح أن يقيموا الضربات على إيران كمؤشر جديد على أسلوب ترمب، الذي كان يرفض العمل العسكري قبل أشهر، ثم فجأة أمطر 3 مواقع نووية رئيسية بالصواريخ والقنابل الأسبوع الماضي.
وبالنسبة للصين، يُعد ترمب شخصية يصعب التنبؤ بها في أي سيناريو حول كيفية رد الولايات المتحدة على محاولات بكين إخضاع تايوان، بما في ذلك احتمال استخدام القوة للسيطرة عليها.
ولطالما ساعدت الولايات المتحدة في ردع الضغط العسكري الصيني على تايوان من خلال بيع الأسلحة لها، واحتفاظها بإمكانية إرسال قوات إذا اندلعت الحرب.
وتساءل بعض المحللين الصينيين إن كان من الممكن، عبر الإقناع أو التهديد، أن تُخفف إدارة ترمب دعمها لتايوان، فخلال حربه التجارية مع الصين، انتقل ترمب من فرض رسوم جمركية عالية إلى التوصل إلى هدنة مؤقتة، متراجعاً فعلياً بعد أن أوقفت بكين تصدير معادن حيوية للولايات المتحدة. والضربات على إيران أظهرت مجدداً مزاجه المتقلب.
وقال زاك كوبر، الزميل البارز في معهد "أميركان إنتربرايز": "بعد الضربات على إيران، أعتقد أن القادة الصينيين، سيشعرون بتوتر أكبر إزاء اختبار عزيمة ترمب بشأن تايوان. الحذر مطلوب، لأن ترمب يبدو مستعداً أكثر لاستخدام القوة، وأيضاً لأن أفعاله تبدو أقل قابلية للتنبؤ".
محاولات فهم ترمب
قبل الضربات، بدا أن الصين زادت من جهودها لاستكشاف توجهات ترمب بشأن تايوان. ففي مكالمة هاتفية بينه والرئيس شي جين بينج هذا الشهر، شدد الأخير على أهمية قضية تايوان، واقترح أن يكون هو وترمب بمثابة "قائدين مشتركين لسفينة العلاقات الأميركية الصينية"، في محاولة واضحة لشق صف الموقف الأميركي المتشدد تجاه بكين.
وتصف بكين رئيس تايوان، لاي تشينج-تي، بالانفصالي، وانتقدته بشدة هذا الأسبوع بسبب خطاب قال فيه إن "تايوان دولة مستقلة". في المقابل، تقول الحكومة التايوانية وكثير من السياسيين في واشنطن، إن سلوك الصين "العدائي" هو ما يؤجج التوترات.
بعض الباحثين الصينيين الذين التقوا بنظرائهم الأميركيين مؤخراً، بدوا وكأنهم يحاولون معرفة "الخطوط الحمراء" لترمب.
وقال كوبر: "الخبراء الصينيون الذين التقيت بهم طرحوا أسئلة دقيقة جداً بشأن ما الذي قد يفعله ترمب إذا اتخذت بكين خطوات ضد تايوان".
استعراض صيني
ذكرت "نيويورك تايمز" أن اختبارات الصين لعزيمة تايوان والولايات المتحدة مستمرة منذ سنوات، إذ تقوم بإرسال طائرات عسكرية قرب الجزيرة يومياً تقريباً، وأحياناً بالعشرات.
وفي مايو الماضي، نشرت الصين نحو 70 سفينة حربية قبالة ساحلها الشرقي، وفق ما كشفه مسؤول أمني تايواني كبير.
كما أرسلت لأول مرة حاملة طائرات وسفن دعم إلى المحيط الهادئ، متجاوزة ما يعرف بسلسلة الجزر الأولى (التي تشمل اليابان وتايوان)، ما أثار احتجاجات من طوكيو.
وقال شين تشيانج، مدير مركز دراسات تايوان في جامعة فودان بشنغهاي: "تستعد الصين لكل السيناريوهات المحتملة التي قد تواجهها مع ترمب، بما في ذلك التصاعد السريع في التوترات أو حتى خروج الأمور عن السيطرة".
وأضاف تشيانج: "رغم أن قضايا إيران وتايوان مختلفة جداً، إلا أن هناك درساً عاماً من ضربة ترمب: إذا رأى أنه من الضروري، فلن يتردد في استخدام القوة لتحقيق أهداف السياسة الخارجية".
شكوك في واشنطن وتايبيه
أظهرت إدارة ترمب الحالية دعماً لتايوان، ودعتها لزيادة إنفاقها العسكري بسرعة. وكان وزير الدفاع بيت هيجسيث قال في خطاب بسنغافورة إن تهديد الصين العسكري "قد يكون وشيكاً"، لكنه أوضح أيضاً أن ترمب هو من يتخذ القرار النهائي.
وذكرت "نيويورك تايمز" أن هذا ما يقلق بعض المسؤولين في واشنطن وتايبيه؛ إمكانية أن تقنع بكين ترمب بتخفيف دعم واشنطن لتايوان، سواء من خلال الأفعال أو حتى مجرد الكلمات.
وتقول بوني جلاسر، وهي خبيرة في شؤون الصين وتايوان بمؤسسة "جيرمان مارشال فاند" الأميركية: "الإدارة ككل تبدو ملتزمة بمواصلة دعم الأمن لتايوان، لكن الشخص الذي يزرع عدم اليقين هو الرئيس نفسه".
ورأى بعض الخبراء بتايوان في ضربة ترمب لإيران رسالة غير مباشرة لبكين. وقال أو سي-فو، وهو باحث في معهد الدفاع والأمن الوطني التابع للحكومة التايوانية: "ضرب الأخ الأصغر إيران، لإرسال تحذير للإخوة الكبار: روسيا والصين".
لكن حين يتعلق الأمر بتايوان، لطالما اتسمت تصريحات ترمب، كما سابقيه، بالغموض المقصود، وهو نهج يهدف لردع بكين دون تشجيع تايبيه على اتخاذ خطوات استفزازية، وفق "نيويورك تايمز".
وفي فترة رئاسته الأولى، شكك ترمب في فعالية التدخل الأميركي ضد قوات الصين القريبة من تايوان، وقال، وفقاً لمستشاره السابق للأمن القومي جون بولتون، إن تايوان تشبه طرف قلم حبر، بينما تشبه الصين مكتب الرئاسة الشاسع.
ورغم انتقاداته لممارسات الصين الاقتصادية وتعاملها مع جائحة كورونا، عبّر ترمب مراراً عن إعجابه بالرئيس شي جين بينج، بل أعلن بعد مكالمتهما الأخيرة أن كل منهما دعا الآخر وزوجتيهما لزيارات متبادلة.
وقالت أماندا هسياو، مديرة الشؤون الصينية في مجموعة أوراسيا، وهي شركة تقدم استشارات للمستثمرين، "إذا اجتمع الزعيمان، فإن أي تنازلات، حتى وإن بدت صغيرة، في الطريقة التي يتحدث بها ترمب عن تايوان قد تُعتبر مكسباً لبكين، نظراً لاعتماد الجزيرة على تطمينات واشنطن.
ومع ذلك، فإن قادة الصين مستعدون أيضاً لاحتمال نشوب أزمة بشأن تايوان، وهم واثقون من أن جيشهم بات أكثر قوة بكثير من القوات الإيرانية الضعيفة التي تغلبت عليها القوات الإسرائيلية والأميركية، وفقاً لما قالته ستايسي بيتيجون، الزميلة البارزة بمركز الأمن الأميركي الجديد، خلال إحاطة إلكترونية هذا الأسبوع. فالصين تمتلك نحو 3 آلاف و500 صاروخ، إلى جانب ترسانة نووية آخذة في التوسع، وقوة بحرية تنمو بسرعة.