تقرير: اتصالات إيرانية تم اعتراضها تقلل من أثر هجوم أميركا على المنشآت النووية

البيت الأبيض عن التقرير: هذا محض هراء لقد انتهى برنامجهم للأسلحة النووية

time reading iconدقائق القراءة - 10
صورةٌ عامةٌ عبر الأقمار الاصطناعية تُظهر منشأة فوردو لتخصيب الوقود، في خضمّ الصراع الإيراني الإسرائيلي، قرب مدينة قم الإيرانية. 29 يونيو 2025 - Reuters
صورةٌ عامةٌ عبر الأقمار الاصطناعية تُظهر منشأة فوردو لتخصيب الوقود، في خضمّ الصراع الإيراني الإسرائيلي، قرب مدينة قم الإيرانية. 29 يونيو 2025 - Reuters
دبي-الشرقرويترز

ذكرت صحيفة "واشنطن بوست"، الأحد، نقلاً عن 4 أشخاص مطلعين على معلومات مخابرات سرية متداولة داخل الحكومة الأميركية، أن اتصالات إيرانية جرى اعتراضها تضمنت أحاديث تقلل من حجم الأضرار التي سببتها ضربات الولايات المتحدة على البرنامج النووي الإيراني.

وأكد مصدر، طلب عدم نشر اسمه، هذه الرواية لـ"رويترز"، لكنه قال إن هناك تساؤلات جدية بشأن ما إذا كان المسؤولون الإيرانيون صادقين، ووصف عمليات التنصت بأنها مؤشرات غير موثوقة.

ومع ذلك، يُعد تقرير صحيفة "واشنطن بوست" أحدث تقرير يثير تساؤلات حول مدى الضرر الذي لحق بالبرنامج النووي الإيراني. وحذر تقييم أولي جرى تسريبه من وكالة مخابرات الدفاع من أن الضربات ربما عطلت إيران بضعة أشهر فقط.

ونقلت الصحيفة عن المصادر التي تحدثت شريطة عدم الكشف عن هويتها، أن تلك الاتصالات، التي كان يُفترض أن تكون سرية، تضمنت تساؤلات من مسؤولين حكوميين إيرانيي بشأن أسباب عدم كون الهجمات التي أمر بها الرئيس الأميركي دونالد ترمب مدمرة وواسعة النطاق كما كانوا يتوقعون.

وأوضحت أن هذه المعلومات الاستخباراتية، التي تم الحصول عليها من خلال اعتراض الاتصالات، تقدم صورة أولية أكثر تعقيداً من التصريحات الرسمية لترمب، الذي قال إن العملية "قضت بالكامل" على البرنامج النووي الإيراني.

"فكرة سخيفة"

ورغم أن إدارة ترمب لم تنفِ وجود هذه الاتصالات، فقد رفضت بشكل قاطع استنتاجات المسؤولين الإيرانيين، مشككة في قدرتهم على تقييم حجم الضرر الفعلي الذي لحق بالمنشآت النووية الثلاث المستهدفة في العملية الأميركية.

وقالت كارولين ليفيت، المتحدثة باسم البيت الأبيض: "من العار أن تساعد صحيفة (واشنطن بوست) الناس على ارتكاب جرائم جنائية من خلال نشر تسريبات خارج سياقها".

وأضافت: "فكرة أن مسؤولين إيرانيين مجهولين يعرفون ما حدث تحت مئات الأقدام من الأنقاض هي فكرة سخيفة .. لقد انتهى برنامجهم النووي".

ويتفق المحللون على أن الضربات تضمنت قوة نارية أميركية مكثفة، شملت قنابل خارقة للتحصينات تزن 30 ألف رطل وصواريخ كروز من طراز توماهوك، والتي ألحقت أضراراً بالغة بالمنشآت النووية في "فوردو" و"نطنز" و"أصفهان"، غير أن حجم الدمار والمدة التي قد تستغرقها إيران لإعادة بناء تلك المنشآت ما زال محل جدل، وسط تقارير تفيد بأن طهران نقلت مخزونها من اليورانيوم عالي التخصيب إلى مكان آمن قبل الضربة، وأن الانفجارات أغلقت مداخل منشأتين دون أن تؤدي إلى انهيار مبانيهما تحت الأرض.

وعند سؤاله عن الاتصالات التي تم اعتراضها، قال مسؤول في إدارة ترمب إن "الإيرانيين مخطئون، لأننا دمّرنا منشأة تحويل المعادن الخاصة بهم. نحن نعلم أن أسلحتنا أصابت أهدافها بدقة وحققت التأثير الذي أردناه".

وفي إحاطة سرية للكونجرس الأسبوع الماضي، أبلغ مدير وكالة الاستخبارات المركزية CIA جون راتكليف المشرّعين بأنه قد تم تدمير عدة مواقع نووية رئيسية بشكل كامل، من بينها منشأة تُستخدم لتحويل المعادن، وفق ما أفاد به مسؤول أميركي.  

وأوضح المسؤول أن إعادة بناء هذه المنشأة، التي تُعد أساسية في تصنيع النواة المتفجرة للقنبلة النووية، سيستغرق سنوات.

كما صرَّح راتكليف بأن تقييم مجتمع الاستخبارات الأميركي يُشير إلى أن "الغالبية العظمى" من اليورانيوم المُخصَّب في إيران "مدفون على الأرجح في أصفهان وفوردو".

"صورة استخباراتية غير مكتملة"

ورداً على طلب من "واشنطن بوست" للحصول على تعليق من مكتب مديرة الاستخبارات الوطنية الأميركية، صرَّح مسؤول استخباراتي أميركي كبير بأن "جزءاً واحداً من استخبارات الإشارات لا يعكس الصورة الاستخباراتية الكاملة".

وتابع: "مكالمة هاتفية واحدة بين إيرانيين مجهولين لا تُعد تقييماً استخباراتياً، لأن التقييم يتطلب مجموعة من الأدلة من مصادر وأساليب متعددة".

وقالت الصحيفة إن استخبارات الإشارات، التي تضمن المكالمات الهاتفية ورسائل البريد الإلكتروني وغيرها من الاتصالات الإلكترونية التي يتم اعتراضها، تعد واحدة من أقوى الأدوات التي تمتلكها وكالات الاستخبارات الأميركية، وغالباً ما تشكّل الجزء الأكبر من الإحاطة الاستخباراتية اليومية للرئيس ترمب، إلا أن لهذه الوسيلة حدوداً، إذ تفتقر المقاطع المسموعة من المحادثات أحياناً إلى السياق ويجب دمجها بمصادر أخرى لتقديم صورة أوضح.

ووفقاً للصحيفة، فقد أبدى ترمب غضبه من التغطية الإعلامية التي خالفت تصريحاته بشأن العملية العسكرية في طهران، والتي سبقت وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل بعد 12 يوماً من المواجهات.

وكتب ترمب على منصة "تروث سوشيال" للتواصل الاجتماعي: "الديمقراطيون هم من سرّبوا المعلومات"، في إشارة إلى تقييم أولي من وكالة استخبارات الدفاع التابعة لوزارة الدفاع الأميركية (البنتاجون)، أفاد بأن تدخل الرئيس الأميركي قد أخّر البرنامج النووي الإيراني "لأشهر، وليس لسنوات".

وأضاف ترمب: "يجب محاكمتهم".

وشكك الرئيس الأميركي أيضاً في التقارير التي تقول إن إيران نقلت مخزونها من اليورانيوم، وقال في مقابلة مع شبكة Fox News: "لا أعتقد أنهم فعلوا ذلك. هذا أمر صعب للغاية وخطير جداً... لم يكونوا يعلمون أننا قادمون حتى اللحظة الأخيرة".

وبحسب "واشنطن بوست"، فإن تقرير وكالة استخبارات الدفاع استند إلى معلومات كانت متوفرة بعد نحو 24 ساعة فقط من الضربة، وخلص إلى أن بعض أجهزة الطرد المركزي الإيرانية، المُستخدَمة في تخصيب اليورانيوم، لا تزال سليمة.

وانتقدت إدارة ترمب بعض وسائل الإعلام لتجاهلها أن تقرير الوكالة أكد أن التقييم الكامل للأضرار يحتاج إلى "أيام أو أسابيع لجمع البيانات اللازمة".

ورغم ذلك، لم تنتظر الإدارة لتأكيد استنتاجاتها الواسعة بأن الضربات أعادت البرنامج الإيراني "لسنوات إلى الوراء"، وقال وزير الدفاع الأميركي بيت هيجسيث، إن ترمب "قاد أكثر العمليات العسكرية تعقيداً وسرية في التاريخ، وأن العملية حققت نجاحاً باهراً".

وفي الوقت نفسه، لا تزال الخلافات حول فعالية الضربات قائمة داخل الكونجرس الأميركي، رغم الإحاطات السرية التي قدمتها الإدارة للمشرّعين الأسبوع الماضي.

ونقلت الصحيفة عن السيناتور الديمقراطي كريس ميرفي قوله: "ما زلت مقتنعاً بعد الإحاطة بأننا لم ندمّر البرنامج (النووي الإيراني) بالكامل. فالرئيس كان يضلل الشعب عن قصد عندما قال إن البرنامج قد دُمّر، ومن المؤكد أن هناك قدرات ومعدات مهمة ما زالت موجودة".

وأضاف ميرفي: "لا يمكنك محو المعرفة من الوجود بالقصف، مهما كان عدد العلماء الذين تقتلهم، لا يزال هناك أشخاص في إيران يجيدون تشغيل أجهزة الطرد المركزي، وإذا كان لديهم يورانيوم مُخصَّب ولديهم القدرة على تشغيل تلك الأجهزة، فأنت لا تؤخر البرنامج لسنوات، بل لأشهر فقط".

أما السيناتور الجمهوري ليندسي جراهام، الحليف المُقرَّب من ترمب، فقال إن "التدمير" كان "كلمة مناسبة" لوصف الضربات، التي اعتبر أنها أعاقت البرنامج النووي الإيراني لسنوات، لكنه أقر بأن إيران قد تستعيد قدراتها.

وأوضح جراهام: "السؤال الحقيقي هو: هل قضينا على رغبتهم في امتلاك سلاح نووي؟ لا أريد من الناس أن يعتقدوا أن الموقع لم يتضرر بشدة أو يُدمّر. لأن ذلك قد حصل بالفعل. لكنني أيضاً لا أريد منهم أن يظنوا أن المشكلة انتهت، لأنها لم تنتهِ بعد".

وذكر مسؤول أميركي مطلع على الإحاطة المغلقة التي قدمتها الإدارة للمشرّعين أن راتكليف، مدير وكالة الاستخبارات المركزية، شدد على أن تدمير إسرائيل للدفاعات الجوية الإيرانية قبيل تنفيذ العملية الأميركية يُظهر بوضوح أن الاعتقاد بأن إيران قادرة على إعادة بناء كل شيء بسهولة هو أمر سخيف".

"تقييم متباين"

وفي مقابلة مع شبكة CBS News، قدَّم المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل جروسي، تقييماً وصفته الصحيفة بـ "المتباين"، إذ قال إن هناك إجماعاً على أن "مستوى الضرر الذي لحق بالبرنامج النووي الإيراني كان كبيراً للغاية".

وأضاف: "كانت إيران ولا تزال تمتلك إلى حد ما، قدرات لمعالجة وتحويل وتخصيب اليورانيوم". وأكد أن المنشآت النووية الإيرانية "دُمّرت إلى حد كبير، ولكن بعضها لا يزال قائماً".

ويرى منتقدو قرار ترمب باستخدام القوة العسكرية ضد إيران أنه أجهض فرصة التوصل إلى حل دبلوماسي، وهو السبيل الوحيد لإنشاء نظام تفتيش صارم لتقييد ومراقبة البرنامج النووي الإيراني، ويخشون أن تسعى طهران الآن بوتيرة أسرع نحو امتلاك قنبلة نووية كوسيلة ردع ضد أي محاولات مستقبلية لتغيير النظام من قبل واشنطن أو تل أبيب.

وكانت أجهزة الاستخبارات الأميركية قد توصلت، قبل تنفيذ الهجوم، إلى أن إيران لم تتخذ بعد قراراً نهائياً بصنع قنبلة نووية، لكنها كانت تعمل على إيجاد سبل لتسريع العملية في حال اتخذت هذا القرار مستقبلاً، وفقاً لما نقلته الصحيفة عن مسؤولين أميركيين.

في المقابل، يرى مسؤولون أميركيون أن ضربات ترمب لا تمنع إمكانية التوصل إلى اتفاق دبلوماسي، بل قد تحسن فرص التفاوض.

وكان الرئيس الأميركي قد أعلن، الأربعاء، أن مسؤولين أميركيين وإيرانيين سيلتقون هذا الأسبوع لمناقشة اتفاق نووي محتمل، غير أن وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، سارع إلى نفي وجود أي لقاء مرتقب.

وقال عراقجي إن "آثار الضربة الأميركية لم تكن بسيطة"، وإن السُلطات الإيرانية تعمل على تقييم الواقع الجديد لبرنامجها النووي، وهو ما سيوجه موقفها التفاوضي في المرحلة المقبلة.

من جانبه، قال المرشد الإيراني علي خامنئي، إن ترمب "بالغ" في نتائج الضربات. وأضاف: "لقد هاجموا منشآتنا النووية، لكنهم لم يتمكنوا من تحقيق شيء مهم".

تصنيفات

قصص قد تهمك