السويداء.. من محاولات "النأي بالنفس" إلى دائرة صراع مسلح

time reading iconدقائق القراءة - 13
مئات من الدروز في هضبة الجولان المحتلة على الحدود مع سوريا بالتزامن مع المواجهات في محافظة السويداء جنوبي سوريا. 16 يوليو 2025 - REUTERS
مئات من الدروز في هضبة الجولان المحتلة على الحدود مع سوريا بالتزامن مع المواجهات في محافظة السويداء جنوبي سوريا. 16 يوليو 2025 - REUTERS
دبي -الشرق

دخلت محافظة السويداء في جنوب سوريا إلى دائرة من الأحداث المتصاعدة خلال الأيام الماضية، إذ تسبب حادث على طريق دمشق مع تاجر من المحافظة في عمليات خطف متبادلة بين مجموعات درزية وأخرى من عشائر المنطقة، قبل أن تتصاعد إلى نزاع مسلح بين الجيش السوري ومجموعات وصفتها الحكومة بالخارجة على القانون، مصحوباً بتدخل إسرائيلي عبر قصف جوي وصل إلى عمق العاصمة دمشق، إلى إعلان اتفاق لوقف إطلاق النار.

السويداء التي تعد أكبر معاقل طائفة الدروز في سوريا، اتبعت طوال أكثر من 12 عاماً منذ اندلاع الثورة السورية في مارس 2011، مبدأ "النأي بالنفس" عن الأحداث، وتجلى ذلك بعد رفضت أعداد كبيرة من أبناء المحافظة، الالتحاق بالجيش السوري خلال فترة الحرب حتى إسقاط الرئيس السابق بشار الأسد، لكنها دخلت مساراً متأرجحاً مرة أخرى مع الحكومة السورية الحالية.

وبحسب كتاب "جبل الدروز" الذي بحث في تاريخ الدروز، وأخلاقهم، ونسبهم وعاداتهم، واعتقاداتهم، وحروبهم، تحظى المحافظة بميزة تاريخية لكونها مهد انطلاق الثورة السورية الكبرى ضد الاستعمار الفرنسي التي قادها سلطان باشا الأطرش ابن بلدة القريا التابعة للمحافظة.

وتقع السويداء على مقربة من الحدود الأردنية وتعد إحدى أصغر المحافظات السورية، إذ تمتد إلى ما مجمله 3% من مساحة البلاد، ويقطنها ما يقرب من نصف مليون شخص.

تتنوع التركيبة الدينية والسكانية في السويداء، لكن الأغلبية الدرزية، تحكم الطابع الرئيسي للمحافظة، إذ يشكل الدروز نحو 90 % من السكان، فيما يشكل المسيحيون نسبة 7%، ويشكل السُنة نسبة 3%. 

طبعت الأغلبية الدرزية، السمت العام للمحافظة، ما وضعها في دوائر الجدل بشأن "حماية الأقليات" في سوريا، مع صعود الإدارة السورية الجديدة، وهو الأمر الذي يقابله تأكيد مستمر من بعض شيوخ الطائفة الدرزية وأهالي المحافظة على أهمية وحدة سوريا، عند الدخول في تفاهمات مع إدارة دمشق في إطار المطالب الملحة للطائفة.

الاعتقاد الدرزي

حسبما أورد كتاب "جبل الدروز" الذي كتبه الباحث حنا أبو راشد وتمت طباعته في عام 1925، فإن الطائفة الدرزية لديها درجات في عقيدتهم، تتنوع بين "الرؤساء" الذين بيدهم مفاتيح الأسرار العامة، و"العقال" الحاملين لمفاتيح الأسرار الداخلية، و"الأجاويد" المختصين بمفاتيح الأسرار الخارجية، و"الجاهل" الذي يبقى في هذه المرتبة دون الأخذ في الاعتبار أي درجات علمية، فلا يحق له الدخول في مجالس الطائفة، كما أنه لا يعلم الكثير عن أسرارها.

وفي حال رغب من يصنف في رتبة الجهال، معرفة الكثير من تعاليم هذه الطائفة، من أجل الدخول في سلك الموحدين، فإنه ينبغي له أن ينال إجازة من "مشيخة العقال"، يلتمس منهم قبوله وإدخاله في الجماعة، وعليه ضرورة أن يكتم السر دون إشهاره، وفق الكتاب.

وللطائفة الدرزية مجالس خاصة في القرى القاطنة فيها، وهذه المجالس يجتمع فيها جميع العقال والأجاويد، وهي اجتماعات تتسم بالسرية، إذ لا يمكن لغير العقال والأجاويد دخولها.

ويقف على زعامة الرئاسة الروحية للطائفة الدرزية، شيخ من العقال، إذ يعتبرون في طبقة الأتقياء، وهم مثابرون على العبادة والورع، ويرجع لهم كل أمر روحي وحكمهم من الوجهة الدينية "مبرم ونافذ".

مشيخة العقل

في الوقت الحالي، يتزعم المرجعية الدينية لطائفة الموحدين الدروز في محافظة السويداء، ثلاثة مشايخ هم، حكمت الهجري، ويوسف جربوع، وحمود الحناوي.

حكمت الهجري، الزعيم الروحي للطائفة، كانت له مواقف تسير جنباً إلى جنب مع النظام السوري السابق (بشار الأسد) لكن دون تطابق مطلق، إذ سعى في 2015 إلى تلبية مطالب النظام السابق وتسليح الطائفة الدرزية في محاولة إلى الزج بأبناء الطائفة الدرزية في الحرب الأهلية السورية.

أما جربوع والحناوي، فبحسب مركز "جسور" للدراسات، ركزا على تحقيق مصالح الطائفة، وقاما بدور الوسيط في كثير من الأحيان بين الفصائل المحلية والنظام السوري، وقاما بعقد مصالحة في منتصف عام 2017 مع حركة "رجال الكرامة" التي يتزعمها "آل بلعوس"، التي كانت تعارض تجنيد أبناء محافظة السويداء في جيش النظام السوري السابق، مما جعلهما أقرب للموقف المحلي منه إلى سلطة النظام السابق، باستثناء ما يخص رفض تجنيد شباب الطائفة.

مواقف متباينة

مع تصاعد الأحداث الحالية في السويداء، تباينت المواقف بين مشيخة العقل، إذ رحب الهجري في أول رد رسمي من الطائفة الدرزية، بدخول قوات وزارتي الداخلية والدفاع إلى المدينة، لكنه تراجع في وقت لاحق، إذ قال في بيان متلفز، إنه "بعد مفاوضات عديدة مع دمشق لم تفض إلى أي نتائج أو صدق في التعامل، تم فرض البيان الذي أصدرناه منذ قليل بتفاصيله الكاملة من دمشق وبضغط جهات خارجية من أجل حقن دماء أبنائنا".

واعتبر الهجري، أنه رغم قبوله بما ورد في البيان الذي وصفه بـ"المذل"، "إلا أنهم قاموا (الحكومة السورية) بنكث العهد والوعد، واستمروا في القصف العشوائي على المدنيين العزل"، على حد وصفه.

أما جربوع، أحد شيوخ العقل الثلاثة للطائفة، فأعلن في بيان، توصل وجهاء محافظة السويداء إلى اتفاق مع دمشق لوقف إطلاق النار، وعودة قوات الجيش إلى ثكناتها، مع تحقيق "الاندماج الكامل لمحافظة السويداء ضمن الدولة السورية"، والتأكيد على "السيادة الكاملة للدولة على جميع أراضي المحافظة، بما يشمل استعادة كافة مؤسسات الدولة وتفعيلها على الأرض".

اقرأ أيضاً

سوريا.. تعرف على بنود اتفاق وقف إطلاق النار في السويداء

أعلنت وزارة الداخلية السورية، و"دار طائفة الموحدين الدروز" في السويداء، التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في المحافظة ذات الأغلبية الدرزية.

رغم الإعلان عن هذا الاتفاق، عاد الهجري مجدداً وأصدر بياناً عبر صفحة تابعة للرئاسة الروحية للطائفة الدرزية على فيسبوك، مشدداً على "ضرورة الاستمرار في الدفاع المشروع والقتال حتى تحرير كامل تراب محافظة السويداء من العصابات"، على حد وصفه.

ينفرد الهجري بالرئاسة الروحية للدروز، ما يجعله أكثر وزناً دينياً ونفوذاً من الشيخ حمود الحناوي، والشيخ يوسف جربوع، وقد منحه موقفه المناهض لنظام الأسد أهمية أكبر على الجانبين المحلي والدولي، حيث كان طيلة السنوات الماضية، يتلقى اتصالات من مسؤولين في الولايات المتحدة وأوروبا.

وبينما يتركز ثقل جربوع في مدينة السويداء حيث يعيش، والحناوي في بلدة سهوة الخضر جنوباً، تُعد بلدة قنوات شمالاً هي مركز ثقل عائلة الهجري.

وتولى الشيخ حكمت الهجري منصب "شيخ العقل" في سوريا بعد وفاة شقيقه الشيخ أحمد بحادث سيارة في عام 2012، ومنذ ذلك الوقت حتى عام 2021 كان على علاقة جيدة مع النظام السابق، ثم تغير موقفه، وانحاز إلى حركة الاحتجاجات التي خرجت في السويداء خلال نفس العام ضد بشار الأسد، واستمرت حتى سقوطه في ديسمبر الماضي.

ويتخذ الحناوي وجربوع موقفاً أقل حدّة تجاه الإدارة السورية الجديدة مقارنة بالهجري، لكن حتى الآن لم يصل التباين إلى درجة التصادم، وهو ما يخشاه السكان بالفعل في ضوء انتشار السلاح على نطاق واسع، إذ خاض الدروز نزاعات أهلية في عامي 1885 و1947 بين العائلات الإقطاعية من جهة والعائلات الفقيرة من جهة أخرى.

التداخل الإسرائيلي 

منذ سقوط نظام الأسد في ديسمبر الماضي، استخدمت إسرائيل ورقة الضغط العسكري، ضد أي تواجد للجيش السوري في جنوب البلاد، تحت ذريعة "حماية الطائفة الدرزية" في سوريا، على الرغم من أن دروز سوريا لم يطلبوا الحماية، بل خرج بعضهم في احتجاجات ضد ما اعتبروه "تدخلاً إسرائيلياً في الشأن السوري"، مؤكدين أنهم لا يحتاجون إلى حمايتهم.

ولم يخف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو نواياه في التقارب مع دروز سوريا، إذ ذكر أن إسرائيل ستقوم باستثمار أكثر من مليار دولار في المناطق الشمالية الواقعة تحت سيطرتها، أي في الجولان المحتل، والتي ينتشر فيها الدروز.

وكانت القوات الإسرائيلية، قد توغلت منذ سقوط نظام الأسد داخل المناطق السورية شمالاً، وأنشأت العديد من النقاط العسكرية، حتى وصلت قمّة جبل الشيخ على ارتفاع 2814 متراً عن سطح البحر، وذلك من منطلق ادعائها بوجود مخاوف أمنية تحتم عليها فرض منطقة عازلة بين هضبة الجولان المحتلة والأراضي السورية.

ولا تريد إسرائيل بعد رحيل نظام الأسد الذي كان ملتزماً باتفاق "فض الاشتباك" منذ عام 1974، أن تدخل في رهان على نوايا الرئيس السوري أحمد الشرع، بل قررت خلق وضع جديد في جنوب سوريا، وهو ما ظهر جلياً في تحركاتها لاستهداف الجيش السوري المستمر منذ ديسمبر الماضي، وكذلك التصعيد المتزامن مع أزمة السويداء الأخيرة، إذ شنت نحو 160 غارة جوية على مناطق عدة في سوريا، في إطار إنهاك القدرات العسكرية لدمشق. 

دروز سوريا والجولان

منذ احتلال إسرائيل للجولان قبل نحو 50 عاماً، لم يتمكن دروز سوريا، بما في ذلك الذين يعيشون في جبل الشيخ وحضر، من زيارة أقاربهم في الشطر الذي تحتله إسرائيل من الجولان، لكن كان بإمكان دروز الجولان القيام بزيارات متقطعة إلى سوريا يتم تنظيمها بوساطة قوة الأمم المتحدة لفضل الاشتباك على الحدود بموافقة السلطات السورية والإسرائيلية، وكان هناك تسهيلات أيضاً للعديد من دروز الجولان المحتل تتيح لهم الالتحاق بالجامعات السورية، بما في ذلك اختيار التخصص الذي يرغبون به بغض النظر عن درجاتهم في الثانوية.

وحتى عقد مضى، كانت الغالبية العظمى من دروز الجولان المحتل ترفض الحصول على الجنسية الإسرائيلية، إلا أن ازدياد الشعور بأن النظام السوري غير قادر على تحرير الجولان أو استعادته عبر اتفاقية سلام، دفع البعض إلى القبول بالعرض الإسرائيلي كأمر واقع، حيث لا يستطيع الناس هناك الحصول على جوازات سفر سورية أساساً، وفي الوقت الحالي يحمل 20% من دروز الجولان، الجنسية الإسرائيلية، بينما ترفض البقية ذلك، متمسكة بالانتماء للوطن السوري.

ورغم عدم وجود إحصاءات دقيقة، تُقدر نسبة الدروز بـ3% من تعداد السوريين، وتصل أعدادهم إلى 800 ألف، يتوزعون على 4 محافظات، هي السويداء التي يشكلون الغالبية العظمى من سكانها، وهناك نحو 200 ألف في بعض مناطق دمشق وريفها مثل جرمانا وأشرفية صحنايا، إضافة إلى عدة آلاف في بلدات جبل السماق بريف محافظة إدلب، بينما تعيش أقلية درزية لا تتعدى 13 ألف نسمة في الجولان المحتل التابع لمحافظة القنيطرة، وتتركز بشكل رئيسي في بلدة مجدل شمس.

تصنيفات

قصص قد تهمك