
بدأت أصوات بارزة في الحزب الديمقراطي بالولايات المتحدة، في التعبير علناً عن غضبها إزاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وإدارته للحرب على غزة، في تطور يهدد بإعادة تشكيل علاقة الدعم التقليدية التي جمعت الطرفين لعقود، وذلك بعدما صوت أكثر من 27 عضواً ديمقراطياً بمجلس الشيوخ الأميركي الأربعاء، لصالح حظر بيع الأسلحة إلى إسرائيل.
وأشارت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية إلى أن الديمقراطيين يحذرون منذ أشهر من أن نتنياهو، بسياساته اليمينية المتشددة، "يقوّض الدعم التاريخي الذي قدّمه حزبهم لإسرائيل منذ تأسيسها".
وأضافت الصحيفة أنه في الأيام الأخيرة، ومع تزايد مشاهد المجاعة والدمار في غزة، بات من الواضح أكثر من أي وقت مضى أن الإجماع الحزبي الراسخ في الولايات المتحدة على دعم إسرائيل قد "تلاشى، ولو بشكل مؤقت".
وأشارت الصحيفة إلى أن دعم العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة تراجع إلى أدنى مستوياته بين صفوف الديمقراطيين، في وقت يدفع فيه مسؤولون ديمقراطيون في مختلف أنحاء البلاد باتجاه فرض حظر على الدعم العسكري والمالي لإسرائيل.
وأضافت أن مشاعر الغضب التي كانت "تغلي" منذ شهور داخل قواعد الحزب بشأن الحرب في غزة، بدأت تأخذ أشكالاً واضحة ولافتة داخل أروقة الكونجرس.
ومساء الأربعاء، صوّتت أغلبية الكتلة الديمقراطية في مجلس الشيوخ، بما في ذلك عدد من الأعضاء المعتدلين، لصالح قرار يدعو إلى حظر تصدير البنادق الآلية إلى الشرطة الإسرائيلية، وهي الجهة التي تخضع لإشراف وزير الأمن القومي إيتمار بن جفير، الذي يُعد من أكثر أعضاء الحكومة الإسرائيلية تطرفاً.
كما صوّتت مجموعة أصغر من الأعضاء لصالح قرار آخر يدعو إلى حظر بيع بعض أنواع القنابل. ورغم أن هذه الإجراءات لم تُقر، فإنها مثّلت، بحسب الصحيفة، "توبيخاً استثنائياً" لحكومة نتنياهو، ولطريقة تعاملها مع الكارثة الإنسانية المتصاعدة في قطاع غزة.
"العلاقة مع نتنياهو تضررت"
ونقلت الصحيفة عن النائب الديمقراطي ريتشي توريس، وهو أحد أبرز المؤيدين لإسرائيل داخل الحزب، قوله: "هل أعتقد أن العلاقة بين إسرائيل والحزب الديمقراطي تضررت بشكل لا رجعة فيه؟ الجواب: لا. لكن، هل أعتقد أن العلاقة بين نتنياهو والحزب الديمقراطي تضررت بشكل لا رجعة فيه؟ الجواب: نعم".
واعتبرت "نيويورك تايمز" أن هذا التحول في الرأي العام داخل الحزب الديمقراطي تجاه إسرائيل وحكومتها أصبح "لا يمكن إنكاره"، غير أن السؤال المطروح، بحسب الصحيفة، هو ما إذا كان هذا التحول يعبر عن تغير دائم في موقف الحزب من إسرائيل، أم أنه مجرد "رد فعل عابر"، على المجازر الجارية في غزة، وهو موضوع يشهد نقاشاً محتدماً بين مؤيدي إسرائيل التقليديين داخل الحزب.
ولفتت الصحيفة إلى أن بعض مؤيدي إسرائيل داخل الحزب يرون في هذا التحوّل، إلى جانب تصاعد الأصوات المعادية للصهيونية في أوساط اليسار، دليلاً على أن حزبهم لم يعد يُمثل مكاناً مرحّباً بهم، وهو شعور بدأ ينعكس فعلياً على ملامح المشهد السياسي المرتبط بانتخابات التجديد النصفي المقبلة.
قلق متزايد
وفي المقابل، يرى آخرون أنه من الممكن، بل ومن الضروري، "التمييز بين دعم إسرائيل، وبين معارضة حكومتها وسياساتها"، وحاول بعض أعضاء مجلس الشيوخ هذا الأسبوع السير على هذا الخط الدقيق.
وقالت السيناتور الديمقراطية أنجيلا ألسوبروكس: "بإمكاننا أن نعتبر إسرائيل حليفاً مهماً للولايات المتحدة، وفي الوقت نفسه نقرّ بأن لدينا مسؤولية إنسانية تفرض علينا التدخل عندما نرى هذا النوع من المجاعة"، مشيرة إلى أن أزمة غزة هي "القضية الأولى" التي تسمع عنها من ناخبيها.
وأضافت الصحيفة أن العلاقات الأميركية-الإسرائيلية تُعد "من بين الأوثق على مستوى العالم، منذ تأسيس إسرائيل عام 1948 واعتراف الرئيس الديمقراطي هاري ترومان بها بعد دقائق فقط من إعلان قيامها".
ومنذ ذلك الحين، أصبحت تل أبيب أكبر متلقٍ للمساعدات الخارجية الأميركية، حيث خصص رؤساء من كلا الحزبين مئات المليارات من الدولارات كمساعدات اقتصادية وعسكرية.
لكن خلال العقد الأخير، بدأ بعض الديمقراطيين المناصرين لإسرائيل يشعرون بقلق متزايد من تحوّل دعمها إلى قضية خلافية حزبياً، خاصة في ظل العلاقات المتوترة بين نتنياهو والرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، وتقاربه مع ترمب، بالتزامن مع صعود جيل جديد من النواب اليساريين الناقدين لإسرائيل داخل الكونجرس.
والآن، ومع خروج الرئيس السابق جو بايدن، الذي يصف نفسه بفخر بأنه "صهيوني"، من المشهد، وتزايد الصور المروعة لأطفال غزة الذين يعانون من الجوع، باتت النظرة المعارضة لإسرائيل هي السائدة في صفوف الديمقراطيين.
عبء سياسي
وفي نيويورك، دعم الديمقراطيون، بمن فيهم بعض اليهود، ترشيح زهران ممداني لمنصب عمدة المدينة، وهو ناشط معروف بمواقفه المناهضة لإسرائيل، والتي شكّلت ركيزة أساسية في مسيرته السياسية.
وبحسب استطلاع أجرته مؤسسة Gallup هذا الأسبوع، فقد انخفضت نسبة تأييد الديمقراطيين للعمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة إلى 8% فقط، في حين أعرب 71% من الجمهوريين عن دعمهم لهذه العمليات.
أما استطلاع Pew Research Center الصادر في أبريل الماضي، فقد أظهر أن نحو 70% من الديمقراطيين باتوا يحملون آراء سلبية تجاه إسرائيل، مقارنة بـ37% فقط من الجمهوريين، وكانت هذه النسب في عام 2022، 53% بين الديمقراطيين و27% بين الجمهوريين.
وأشارت الصحيفة إلى أن بعض الديمقراطيين المؤيدين لإسرائيل بدأوا يتساءلون بهدوء عمّا إذا كانوا سيحظون بأي تمثيل سياسي في مناظرات الانتخابات التمهيدية الرئاسية لعام 2028، أو ما إذا كان مجرد التعبير عن دعم لإسرائيل، حتى لو كان متوازناً، سيُعتبر عبئاً سياسياً.
ووفقاً للصحيفة، فإن تصويت الأربعاء، يعكس كيف بدأت مشاعر الغضب من سياسات إسرائيل تجد طريقها إلى أروقة الكونجرس.
وعلى مدار العام الماضي، حاول السيناتور المستقل بيرني ساندرز عرقلة صفقات الأسلحة إلى إسرائيل أكثر من مرة، لكن التصويتات التي جرت هذا الأسبوع تمثّل ذروة غير مسبوقة في جهود تقييد تسليح إسرائيل، وهو ما يعكس، بحسب "نيويورك تايمز"، كيف ساهمت الأوضاع الإنسانية الكارثية في غزة واستمرار الحرب المُنهكة في تعميق الانقسامات داخل الحزب الديمقراطي.
وأشارت السيناتور الديمقراطية باتي موراي، والتي دعمت القرارات الأخيرة رغم تصويتها سابقاً ضد قرارات مماثلة، إلى ضرورة "إنهاء معاناة المدنيين وقتلهم في غزة".
وأضافت في بيان: "بصفتي صديقة وداعمة لإسرائيل منذ وقت طويل، أصوّت بنعم لإيصال رسالة مفادها أن حكومة نتنياهو لا يمكنها الاستمرار في هذا النهج".
"مصلحة إسرائيل"
وفي السياق نفسه، يرى بعض الليبراليين المناصرين لإسرائيل أن "أفضل طريقة لضمان بقاء إسرائيل تتمثل في الضغط على حكومتها من أجل تحسين الوضع الإنساني في غزة، والتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار يشمل الإفراج عن المحتجزين المتبقين".
ووصف جيريمي بن عامي، رئيس منظمة J Street، وهي جماعة ليبرالية مؤيدة لإسرائيل، أعضاء الحزب الديمقراطي الذين دعموا قرارات تقييد تصدير الأسلحة بأنهم "أبطال".
وقال: "إنهم مؤيدون شجعان لإسرائيل لأنهم مستعدون لتحمّل الضغط السياسي من اليمين، في سبيل الوقوف إلى جانب ما هو صائب لمصلحة إسرائيل على المدى الطويل".
ورغم أن غالبية الجمهوريين ما زالوا يدعمون بقوة العمليات العسكرية الإسرائيلية، فإن الصحيفة أشارت إلى بوادر تصدّع داخل صفوف اليمين أيضاً، لا سيما بين الأجيال الشابة.
وألغى عشرة آلاف مشترك في قناة Nelk Boys على موقع يوتيوب، وهي مجموعة مؤثرة بين المحافظين الشباب وتُعرف بدعمها لترمب، اشتراكاتهم بعد أن أجرى نتنياهو مقابلة ودية معهم.
والأسبوع الجاري، وصفت النائبة الجمهورية مارجوري تايلور جرين، وهي من أبرز رموز حركة "اجعلوا أميركا عظيمة مرة أخرى" (MAGA) داخل الكونجرس، ما يجري في غزة بأنه "إبادة جماعية"، لتصبح أول جمهورية في الكونجرس تستخدم هذا الوصف علناً.
وأقر مات بروكس، رئيس الائتلاف اليهودي الجمهوري، بوجود قلق حقيقي إزاء هذه التحولات في المواقف بين الأجيال، قائلاً: "نحن ملتزمون بضمان عدم تكرار ما حدث داخل الحزب الديمقراطي في صفوف الجمهوريين". مضيفاً بحزم: "اليوم، لا يوجد سوى حزب واحد مؤيد لإسرائيل، وهو الحزب الجمهوري".
لكن النائب الديمقراطي ريتشي توريس أشار إلى أن حجم هذا التغير في المواقف لا يزال غير واضح، متسائلاً عما إذا كانت هذه الردود الحادة على سياسات إسرائيل "مجرّد استجابة لحرب دامية، أم أنها تُنذر بتحوّل أعمق في السياسة الأميركية؟".
وقال: "الأرقام تُظهر تراجعاً في الدعم لإسرائيل. فهل نحن أمام رد فعل مؤقت على الحرب في غزة؟ أم أن الأمر يمثل تحوّلاً دائماً يستمر طويلًا بعد انتهاء الحرب؟" وتابع: "لا أعلم الإجابة".