
قالت مصادر مطلعة إن القائم بأعمال رئيس أركان وزير الدفاع الأميركي بيت هيجسيث حاول، دون جدوى، إقالة مسؤول الاتصال بالبيت الأبيض في البنتاجون، في أحدث صراع داخلي بين طاقم يعاني من الخلافات وانعدام الثقة، بحسب صحيفة "واشنطن بوست".
ووقع الصدام، الأسبوع الماضي، بين ريكي بوريا، القائم بأعمال رئيس أركان هيجسيث، وماثيو ماكنيت الذي يُنسّق سياسة شؤون الموظفين بصفته مسؤول الاتصال بالبيت الأبيض في وزارة الدفاع الأميركية (البنتاجون).
ويعمل ماكنيت كحلقة وصل بين وزارة الدفاع والبيت الأبيض، ويسهم في تنسيق السياسات والإجراءات بين الجهتين، ويتابع التعيينات السياسية والتواصل مع كبار المسؤولين.
ويتمثل الصراع المُتجذّر بين الطرفين في إحباط بوريا من مُعارضة البيت الأبيض له لمُحاولته شغل مناصب في مكتب وزير الدفاع، ويتزامن ذلك أيضاً مع رفض البيت الأبيض السماح لبوريا بتولي منصب رئيس الأركان بشكل دائم.
وبحسب الصحيفة فإن الخلاف بين بوريا وماكنيت قد زعزع اتفاقاً هشاً بين هيجسيث والبيت الأبيض، يسمح لبوريا بتولي منصب رئيس الأركان بشكل غير رسمي فقط، بعد أن تم النظر في ترشيح عدة أشخاص آخرين للمنصب لكنهم رفضوا. وتدخل مسؤولون في البيت الأبيض عندما حاول بوريا التخلص من ماكنيت، ما أدى فعلياً إلى عرقلة هذه الخطوة.
ويُعد هذا النزاع الأحدث في سلسلة من الخلافات التي استهلكت البنتاجون خلال الأشهر الستة الأولى من عودة الرئيس دونالد ترمب إلى منصبه، إذ اتسمت فترة هيجسيث بإقالات مفاجئة وخلافات شخصية وتهديدات وغيرها من أشكال الخلل الوظيفي، ما استدعى تدقيقاً من الكونجرس.
وكان بوريا محوراً رئيسياً في هذه الاضطرابات، ساعياً إلى عزل هيجسيث عن كبار مستشاريه الآخرين في طاقمه، وفرض سيطرته على الشؤون الداخلية للبنتاجون.
العقيد المتقاعد
وبوريا عقيد متقاعد حديثاً من سلاح مشاة البحرية، يشغل منصب رئيس الأركان الفعلي منذ أبريل، بعد أن غادر جو كاسبر، الذي اختاره هيجسيث في البداية لهذا المنصب، طواعيةً ليعود إلى عالم الشركات.
وأذهل التحول السريع لبوريا من ضابط عسكري غير حزبي إلى محارب سياسي مَن يعرفونه، وأثار تساؤلات بين بعض مسؤولي إدارة ترمب الذين ما زالوا متشككين في علاقاته الودية مع مُعيّني إدارة الرئيس السابق جو بايدن في البنتاجون أثناء عمله مساعداً عسكرياً صغيراً لوزير الدفاع آنذاك لويد أوستن.
وقد اشتبك هيجسيث وبوريا مراراً مع كبار الجنرالات والأدميرالات الذين يشغلون بعضاً من أعلى مناصب البنتاجون، ومؤخراً، ألغى الوزير الترقية المُخطط لها للفريق دوجلاس سيمز، الذي كان آخر يوم له كمدير لهيئة الأركان المشتركة الأسبوع الماضي.
وقال أشخاص مطلعون على الأمر إن وظيفة المدير، التي تُعتبر على نطاق واسع من أهم وظائف الجيش، يشغلها مؤقتاً اللواء ستيفن ليسزوسكي من مشاة البحرية، إذ رشّح ترمب، في يونيو، نائب الأدميرال البحري فريد كاتشر ليحل محل سيمز، وهو ينتظر تأكيد مجلس الشيوخ.
هيجسيث وسلسلة تسريبات
وهيجسيث، المنشغل بمحاولة وقف سلسلة من التسريبات المحرجة لوسائل الإعلام، هدد في وقت سابق من هذا العام بإجراء اختبار كشف الكذب على سيمز، إذ أجرى فريق الوزير اختبارات كشف الكذب لفترة وجيزة ضد بعض مسؤولي البنتاجون في أبريل ومايو الماضيين، لكن الجهود توقفت بتوجيه من البيت الأبيض بعد أن اشتكى باتريك ويفر، المعين سياسياً في فريق هيجسيث، من أن بوريا أراد منه الخضوع للاختبار على الرغم من تاريخ ويفر في دعم أجندة ترمب.
كما واجه بوريا تدقيقاً إلى جانب هيجسيث بشأن استخدام الوزير لتطبيق الدردشة غير السري "سيجنال"، إذ تلقى المفتش العام المستقل لوزارة الدفاع أدلة على أن حساب هيجسيث على "سيجنال" في مارس شارك تفاصيل عملياتية حول حملة قصف وشيكة في اليمن، وهي معلومات مأخوذة من رسالة بريد إلكتروني سرية.
وهذا التصنيف يعني أن مسؤولي الدفاع يعتقدون أن الكشف عن المعلومات لأطراف غير موثوقة قد يضر بالأمن القومي. وكان من بين من تلقوا المعلومات مسؤولون كبار آخرون في إدارة ترمب، بالإضافة إلى زوجة هيجسيث، جينيفر، ومحاميه الشخصي، تيم بارلاتور.
وقال أشخاص مطلعون على الأمر إن مراجعة المفتش العام تهدف جزئياً، إلى تحديد من نشر في تلك المحادثات الجماعية معلومات حساسة للغاية تمت مشاركتها باسم هيجسيث.
وأوضح مسؤولون إنه بالإضافة إلى وزير الدفاع، كان بوريا قادراً على الوصول إلى هاتف هيجسيث الشخصي، ونشر أحياناً معلومات نيابة عنه، والأسبوع الماضي، هاجم فريق هيجسيث في البنتاجون مكتب المفتش العام فيما بدا أنه محاولة لتقويض شرعية التحقيق حتى قبل نشر نتائجه.
في الإطار، قالت الناطقة باسم البيت الأبيض، آنا كيلي، إن ترمب "يدعم تماماً الوزير هيجسيث وجهوده لإعادة التركيز على المقاتلين في البنتاجون، بدلاً من جهود التنوع ومبادرات اليقظة".
وأضافت كيلي أن "90% من التعيينات السياسية في وزارة الدفاع قد شُغلت، وجميع الموظفين، بمن فيهم مات ماكنيت، يعكسون المهمة المشتركة للإدارة لضمان أن يكون جيشنا القوة القتالية الأكثر فتكاً في العالم".
وليس من الواضح ما إذا كان هيجسيث قد أيد أو وافق على محاولة بوريا لإقالة ماكنيت من البنتاجون، أو ما إذا كان الوزير قد أُبلغ مسبقاً بـ"لعبة النفوذ".
من جانبه، أصدر شون بارنيل، الناطق باسم البنتاجون والمستشار الأول لهيجسيث، بياناً موجزاً قلل فيه من شأن الاضطرابات الداخلية، جاء فيه: "عندما لا يكون لدى وسائل الإعلام الكاذبة ما تنقله للشعب الأميركي، فإنها تلجأ إلى التدوين عن شائعات لتحقيق حصتها من المشاهدات.. هذا النوع من الهراء لن يصرف انتباه فريقنا عن مهمتنا".