
قال مستشار الأمن القومي الأميركي الأسبق جون بولتون إن صداقة الرئيس دونالد ترمب مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين لم تجد نفعاً في وقف الحرب على أوكرانيا المستمرة منذ فبراير 2022.
وأضاف بولتون في مقابلة أجرتها معه مذيعة "الشرق" زينة يازجي ضمن برنامج "البعد الرابع"، أن ترمب كان مخطئاً في اعتقاده بوجود صداقة حقيقية مع بوتين، مؤكداً أن موسكو لا تتحرك وفق العلاقات الشخصية بل بما تمليه عليها مصالحها، وذلك تعليقاً على زيارة المبعوث الأميركي الخاص ستيف ويتكوف إلى روسيا في محاولة للتوسط لوقف حرب أوكرانيا.
واعتبر أن تفاصيل زيارة ويتكوف إلى موسكو لا تزال غامضة، في ظل غياب معلومات كافية عمّا جرى خلال الاجتماع، لكنه أشار إلى وجود تقارير تفيد بأن "المهلة التي حددها ترمب لروسيا لا تزال قائمة دون تغيير"، مع الحديث عن تلويح بعقوبات إضافية، وهي الاستراتيجية نفسها التي استخدمها مع الهند، وقد يكررها مع الصين ودول أخرى تشتري النفط الروسي.
وأعلن ترمب، الأربعاء، أن ويتكوف عقد اجتماعاً "مثمراً جداً" مع الرئيس الروسي، مشيراً إلى تحقيق "تقدم كبير" خلال اللقاء، وسط تلويح أميركي باحتمالية فرض "عقوبات ثانوية" على موسكو.
وأوضح الرئيس الأميركي على منصته "تروث سوشيال"، أنه أطلع عدداً من حلفاء بلاده الأوروبيين على نتائج الاجتماع، لافتاً إلى أن "الجميع متفق على أن هذه الحرب يجب أن تنتهي"، وأن العمل سيتواصل لتحقيق ذلك "خلال الأيام والأسابيع المقبلة".
إلا أن بولتون قال إنه من غير الواضح ما إذا كان ويتكوف سيبقى في موسكو لإجراء مزيد من المفاوضات، معتبراً أن النقاشات قد تكون محدودة، وتابع: "لا أرى أي وعود حتى الآن بوقف إطلاق نار روسي، ولو كان جزئياً، في أوكرانيا".
وبشأن العقوبات، تساءل بولتون: "هل فشل الحوار أم أن الباب قد أُغلق؟". وتابع: "أعتقد أن ترمب يريد الابتعاد عن المشكلة الأوكرانية، بعدما فشل في التوصل إلى وقف لإطلاق النار، ولا يريد أن يظهر كمن تضررت سمعته".
ولفت إلى أن ترمب قد يفرض بعض العقوبات على روسيا، مع بعض التهديدات بفرض تعريفات جمركية على صادراتها، مشيراً إلى أن هذه التهديدات "واهية"، إذ كانت مُقررة مبدئياً منذ عام 2024، علماً بأن إجمالي الصادرات الروسية إلى الولايات المتحدة ارتفع إلى نحو 3 مليارات دولار، على حد قوله.
"بوتين لم يكن يوماً صديقاً لترمب"
ومضى بولتون قائلاً: "لا أعتقد أن ترمب يتحمل اليوم ضغطاً حقيقياً لدفع روسيا نحو وقف إطلاق النار، فصداقته مع بوتين لم تنفعه، وكان يظن أنها ستقوده إلى اتفاق سلام وربما إلى جائزة نوبل، لكن الأشخاص المحيطين به قالوا له بوضوح: بوتين لا يرى نفسه صديقاً لك، بل تتحكم في قراره مصالح روسيا فقط، وهذا ما لم يفهمه ترمب حتى الآن".
واعتبر بولتون أن ما يجري حالياً ليس أكثر من محاولة لحفظ ماء وجه ترمب، وسط ترقب لمصير مهمة مبعوثه ستيف ويتكوف في موسكو، وما إذا كانت روسيا ستقترح وقفاً جزئياً لإطلاق النار، يقتصر على المجال الجوي.
واستطرد بولتون قائلاً: "السؤال الحقيقي هو ما إذا كان ترمب سيوافق على الدخول في مفاوضات مع الروس".
وأشار مستشار الأمن القومي الأميركي الأسبق إلى أن مآلات هذه التحركات لا تزال ضبابية، مؤكداً أن الحل السياسي للأزمة غير واضح المعالم.
وأضاف: "لو كنت في موقع تفاوض اليوم، لبحثت عن هوامش ضيقة يمكن البناء عليها للتوصل إلى تفاهمات محدودة".
وحذّر بولتون من المبالغة في توقع فرص التوصل إلى اتفاق شامل، قائلاً إن موسكو ترى أنها تحقق مكاسب على الأرض رغم الخسائر، ولا تملك حتى الآن دافعاً حقيقياً للانخراط في مفاوضات جادة، باستثناء احتمالية وقف جزئي للعمليات القتالية.
"دعم أوكرانيا مهدد"
كما حذّر بولتون من "مخاطر حقيقية" تهدد استمرارية الدعم العسكري والاستخباراتي لأوكرانيا في عهد ترمب، مشيراً إلى أن تزويد كييف بمنظومات "باتريوت"، رغم صوابه، لم يكن سوى إجراء مؤقت لا يعبّر عن التزام طويل الأمد.
واعتبر أن غياب خطة مستدامة للدعم الغربي يشكّل مكسباً استراتيجياً لروسيا، التي يرى أنها تواصل تحقيق تقدم ميداني بطيء، رغم خسائرها البشرية. وأضاف: "الأوكرانيون يقاتلون من أجل حريتهم منذ 3 سنوات... ولن يستسلموا بسهولة".
بوتين خاب أمله في ترمب
من جانبه قال فاسيلي فاتيجاروف، الخبير العسكري والاستراتيجي الروسي، لـ"الشرق"، إن الرئيس فلاديمير بوتين عبّر بدقة عن خيبته من التوقعات العالية التي وضعها البعض على ترمب، موضحاً أن الأخير اعتمد بشكل أساسي على الجمهور الإعلامي في روسيا وأميركا، وكان يسعى للحفاظ على سمعته، معلنًا أنه قادر على إنهاء الحرب خلال يوم أو شهر، دون أن يفهم جوهر الأزمة التي أدت إلى اندلاعها.
وأوضح فاتيجاروف أن ترمب يدرك أنه ليس من السهل تنفيذ ذلك، وهذه تعتبر مشكلة كبيرة، أما بخصوص السيناريوهات المحتملة، فقد أشار إلى أن ترمب لا يرى أن الحرب النووية مطروحة على الطاولة، ويفهم عواقبها جيداً، على عكس الرئيس الأميركي السابق جو بايدن، لافتا إلى أن ترمب يعلم أنه لا يستطيع تحمّل نتائج مثل هذه الحرب.
وفيما يتعلق بروسيا، أشار إلى أن هناك تعاوناً قائماً، لافتاً إلى أن رئيس وكالة الفضاء الروسية زار الولايات المتحدة، وهناك عمل مشترك بين رواد الفضاء الروس والأميركيين، إضافة إلى تعاون في مجالات الصناعات الفضائية والأسمدة.
وأشار إلى أن لقاء ويتكوف مع بوتين شمل ملفات أوسع من الشأن العسكري فقط، وتطرق إلى قضايا تتعلق بالشرق الأوسط، كما أن هناك مسائل ستظل مغلقة ولن تُكشف للجمهور.
بوتين يفصل بين المسارين السياسي والعسكري
وأوضح فاتيجاروف أن ترمب سيحاول فرض بعض العقوبات، وسيكون هناك رد روسي، خاصة على الدول التي تقدم مساعدات لروسيا، مؤكداً أن روسيا ستواصل مهامها ضمن العملية العسكرية الخاصة.
وقال إن التقدم على خط التماس له أهمية كبيرة، ونحن نحرز تقدماً، والعدو يتكبد خسائر، مؤكداً: "نقوم بعملية عسكرية خاصة، ولسنا في حرب شاملة، وهذا النجاح نعمل على تطويره".
وأشار إلى أن الرئيس بوتين تحدث عن ذلك على متن غواصة، موضحًا أن المسار السياسي شيء، والعسكري شيء آخر، ويجب إتمام العملية العسكرية الخاصة بنجاح.
ماذا تريد روسيا؟
أوضح فاتيجاروف أن بوتين قال بشكل واضح، خلال حديثه في وزارة الخارجية، إن الشروط واضحة لإنهاء العملية العسكرية الخاصة، وهي: (إزالة الأسباب التي أدت إلى انطلاقها، الاعتراف بالأقاليم الستة بما فيها دونيتسك ودونباس وخيرسون، نزع سلاح أوكرانيا، وضمان عدم انضمامها إلى أي تحالف عسكري).
وأكد أنه إذا لم تُنفذ هذه الشروط، فإن أوكرانيا وجيشها سيكونان في وضع أصعب، مشيراً إلى أن بوتين ينتظر تنفيذ هذه المطالب، وذلك في الشق العسكري.
أما في ما يخص التعاون بين روسيا والولايات المتحدة، فأوضح أن هناك تعاوناً في مجال المعادن والأسمدة وقطاع الفضاء، معتبراً أن الولايات المتحدة لا ترغب في إلغاء هذا التعاون. وأضاف: "في النهاية، نحن نتجه نحو عالم متعدد الأقطاب ومتوازن، ويبدو أن ترمب بدأ يدرك هذه الحقيقة".
الحرب النووية
أكد فاتيجاروف أن لا روسيا ولا الولايات المتحدة تريدان اندلاع حرب نووية، مشيراً إلى أن ما يُقال في الخطابات الأميركية، بما فيها تصريحات ترمب، هو في إطار الضغط والتهديد لروسيا، لكن أي تصعيد غير محسوب قد يؤدي إلى خطأ كارثي.
وأوضح: "إذا أُطلق صاروخ عن طريق الخطأ، فقد نجد أنفسنا على حافة حرب عالمية.. هذه المخاطر حقيقية". ولفت إلى أن الرئيس الروسي السابق ديميتري ميدفيديف الذي يشغل نائب رئيس مجلس الأمن القومي، أعلن أن روسيا مستعدة للرد باستخدام معداتها النووية بالشكل التقليدي إذا لزم الأمر.
وختم بالقول: "الأنظمة النووية تعمل أوتوماتيكياً، والأعصاب أصبحت مشدودة. لذلك، يجب أن تكون الخطابات مسؤولة، لأن أي خطأ قد يؤدي إلى كارثة حقيقية"