طلب الرئيس الإيراني حسن روحاني، السماح من الشعب الإيراني، في آخر اجتماع لحكومته قبل تولي خلفه إبراهيم رئيسي دفة الحكم، الثلاثاء المقبل، معتبراً، في تصريحاته التي نقلتها وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية "إرنا"، أن "الحرب الاقتصادية ولدت ضغوطاً كبيرة على المواطنين".
وقال روحاني، وفقاً لما أوردته "إرنا"، إن "ظروف البلاد منذ عام 2018 (عام انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي) كانت ظروفاً صعبة بسبب الحرب الاقتصادية التي فرضت علينا والتي لم نكن البادئين بها، ولولا هذه الحرب لاستمر النمو الاقتصادي على ما كان عليه في السنوات الـ4 الأولى من عمر الحكومة".
ضغوط كبيرة
وفي آخر جلسة لحكومته الأحد، أضاف روحاني أن "الحرب الاقتصادية ولدت ضغوطاً كبيرة على المواطنين، لأنها تسببت بوقف صادرات النفط، ومنع التعامل المصرفي مع البنوك العالمية، وتوقف الواردات"، مشيراً إلى أنه "مع كل ذلك، فإن الحكومة بذلت جهوداً كبيرة لإنعاش قطاع الإنتاج والعمل، ووفرت السلع الأساسية للمواطنين".
وبحسب وكالة "تسنيم" الإيرانية، أكد روحاني خلال جلسة حكومته الأخيرة، أن "إيران لم تنهزم في المفاوضات، وستنتصر في أي مفاوضات أخرى لو أجريت"، منوهاً بأن "الحديث عن النجاح لا يعني عدم وجود فشل، وإنما لو اقتطعنا نسبة الفشل من نسبة النجاح لرأينا أن نسبة النجاح تبلغ 70%"، على حد قوله.
رئيسي يواجه التحديات
ويتولى المحافظ إبراهيم رئيسي، هذا الأسبوع، منصب رئاسة الجمهورية في إيران، خلفاً لروحاني، ليبدأ ولاية من 4 أعوام يواجه منذ مطلعها تحديات معالجة الأزمة الاقتصادية والعقوبات الأميركية والمباحثات بشأن الاتفاق النووي.
ويُنصّب رئيسي، الفائز في انتخابات يونيو الفائت، رسمياً، الثلاثاء، خلال مراسم يصادق فيها المرشد الأعلى علي خامنئي على "حكم رئاسة الجمهورية".
وسيؤدي رئيسي البالغ من العمر 60 عاماً، اليمين الدستورية أمام مجلس الشورى (البرلمان) الذي يهمين عليه المحافظون، الخميس، في خطوة يتبعها تقديم أسماء مرشحيه للمناصب الوزارية من أجل نيل ثقة النواب على تسميتهم.
ونال الرئيس السابق للسلطة القضائية نحو 62% من الأصوات في الدورة الأولى للانتخابات التي خاضها بغياب أي منافس جدي، وشهدت نسبة مشاركة بلغت 48,8%، هي الأدنى في استحقاق رئاسي منذ تأسيس الجمهورية عام 1979.
وسيطوى بذلك عهد روحاني الذي تألف من ولايتين متتاليتين (اعتباراً من 2013)، وشهد سياسة انفتاح نسبي على الغرب، كانت أبرز محطاتها إبرام اتفاق 2015 بشأن البرنامج النووي مع 6 قوى كبرى (الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا، الصين، روسيا، وألمانيا).
وأتاح الاتفاق رفع العقوبات عن إيران، مقابل الحد من أنشطتها النووية وضمان سلمية برنامجها. لكن مفاعيله باتت شبه لاغية مذ قرر الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب سحب بلاده أحادياً منه عام 2018، وإعادة فرض عقوبات على طهران، انعكست سلباً على اقتصادها.
وستكون معالجة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية العائدة بشكل أساسي للعقوبات، وزادت من تبعاتها جائحة فيروس كورونا، المهمة الأولى لرئيسي الذي رفع خلال انتخابات 2021، كما في 2017 حين خسر أمام روحاني، شعارَي "الدفاع عن الطبقات المهمّشة" و"مكافحة الفساد".
ويقول الباحث في المعهد الجامعي الأوروبي في إيطاليا كليمان تيرم، لوكالة "فرانس برس"، إن "هدفه (رئيسي) الأساسي سيكون تحسين الوضع الاقتصادي من خلال تعزيز العلاقات الاقتصادية بين إيران والدول المجاورة"، وذلك عبر "تأسيس نظام اقتصادي يحمي النمو الاقتصادي لإيران، من الخيارات السياسية الأميركية".
"مثالية روحاني في العلاقات مع الغرب"
ويضيف الباحث المتخصص في الشأن الإيراني، إنه من خلال هذه المقاربة "يصبح رفع العقوبات الأميركية هدفاً ذا أولوية، لكن من أجل تحسين نوعي ونمو في حجم التبادلات التجارية بين إيران والدول غير الغربية على الساحة الدولية" مثل روسيا والصين والجوار.
وشهدت إيران خلال الأعوام الماضية، لاسيما شتاء (2017-2018) ونوفمبر 2019، احتجاجات على خلفية اقتصادية، اعتمدت السلطات الشدة في التعامل معها.
كما شهدت محافظة خوزستان جنوب غرب البلاد احتجاجات خلال يوليو الفائت، على خلفية شح المياه. وترافق ذلك انقطاعات للكهرباء في طهران ومدن كبرى، تعزوها السلطات لأسباب منها زيادة الطلب ونقص الموارد المائية لتوليد الطاقة.
وغالبا ما وجّه المحافظون المتشددون الذين ينظرون بعين الريبة إلى الغرب عموماً والولايات المتحدة خصوصاً، انتقادات لروحاني على خلفية إفراطه في التعويل على نتائج الاتفاق النووي، وطالبوا مراراً بالتركيز على الجهود المحلية للحد من آثار العقوبات.
ويرى الاقتصادي الإصلاحي سعيد ليلاز، المقرب من الرئيس المنتهية ولايته، أن "روحاني كان مثالياً جداً بشأن علاقته مع الغرب. كان يعتقد أنه سيكون قادراً (من خلالها) على حل كل مشاكل البلاد سريعاً في الأمد القريب".
ويضيف لفرانس برس "لا يبدو أن الأمر هو ذاته لدى رئيسي".
لا ثقة بالغرب
وأكد رئيسي بعد انتخابه أن أولوية سياسته الخارجية هي العلاقات مع دول الجوار.
وسيتولى الرئيس المنتخب منصبه بينما تخوض إيران مع القوى الكبرى، وبمشاركة أميركية غير مباشرة، مباحثات لإحياء الاتفاق النووي من خلال تسوية ترفع العقوبات الأميركية، وتعيد واشنطن إليه، مقابل عودة إيران لالتزام تعهداتها النووية التي تراجعت تدريجياً عن تنفيذها بعد عام من انسحاب واشنطن.
وكان الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي تولى مهامه خلفاً لترمب مطلع العام الجاري، أبدى استعداده للعودة إلى الاتفاق.
وأجريت 6 جولات مباحثات في فيينا بين أبريل ويونيو الماضيين، دون تحديد موعد جديد. وأكد مسؤولون إيرانيون أن التفاوض "لن يستكمل قبل تولي رئيسي منصبه".
ويرى تيرم أن لتأجيل استئناف المباحثات أسباباً عدة من المنظار الإيراني، منها "إظهار عدم وجود استعجال لدى طهران من أجل التوصل إلى تسوية سريعة".
ومن الأسباب أيضاً، وفق تيرم، "السياسة الداخلية ورغبة الحكومة المحافظة الجديدة في إثبات قدرتها على نيل اتفاق أفضل من الحكومة السابقة".
وفي لقائه الأخير مع أعضائها الأربعاء، رأى خامنئي أن تجربة حكومة روحاني أثبتت أن "الثقة بالغرب لا تنفع"، وفق بيان نشره موقعه الإلكتروني.
وأشار المرشد الأعلى الذي تعود إليه الكلمة الفصل في السياسات العليا للبلاد، إلى أن واشنطن ربطت عودتها إلى الاتفاق بإجراء مباحثات لاحقة تتعلق ببرنامج إيران الصاروخي وقضايا إقليمية، وهو ما سبق لطهران أن رفضت إدراجه ضمن مباحثات نووية.
وسبق لرئيسي الذي يعد مقرباً من خامنئي، التأكيد أنه سيدعم المباحثات التي تحقق "نتائج" للشعب، لكنه لن يسمح بـ"مفاوضات لمجرد التفاوض".
ويرى ليلاز أن "مصير الاتفاق النووي هو من العوامل المؤثرة في حل الأزمة الاقتصادية"، معتبر أن "عدم اليقين الراهن حيال هذا الملف مضرّ، وسيكون أشد ضرراً في حال أعلنت إيران أنها لن تفاوض وتالياً ستبقى العقوبات".
لكنه يرجّح عدم بلوغ هذا الحد "لأن إيران والولايات المتحدة غير قادرتين على الإبقاء على الوضع القائم، وعلى الطرفين الوصول إلى تسوية".
اقرأ أيضاً: