
وافقت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الجمعة، على التراجع عن محاولتها للسيطرة المباشرة على إدارة شرطة واشنطن العاصمة (مقاطعة كولومبيا)، بعدما رفع المدعي العام للعاصمة دعوى قضائية ضد تعيين الإدارة لمسؤول فيدرالي على رأس الشرطة.
ويُمثل تراجع مسؤولي وزارة العدل انتصاراً كبيراً، وإن كان ضئيلاً، لحكومة المدينة في مواجهتها للتدخل الفيدرالي، منذ إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب فرض السيطرة الفيدرالية على المدينة، الأسبوع الماضي، بحسب صحيفة "نيويورك تايمز".
وجاءت الدعوى، بعدما أصدرت وزيرة العدل بام بوندي مجموعة من القرارات التي شددت قبضة الحكومة الفيدرالية على العاصمة، إذ وجهت عمدة المدينة والشرطة بإلغاء سياسات "مدن الملاذ"، التي كانت تمنع الشرطة المحلية من اعتقال المهاجرين غير النظاميين، وأمرت بتعيين رئيس إدارة مكافحة المخدرات مفوضاً للشرطة في حالة الطوارئ، لتضع شرطة المدينة بالكامل تحت السيطرة الفيدرالية.
ورفع المدعي العام لواشنطن العاصمة براين شوالب، الدعوى بهدف استصدار قرار بعدم قانونية سيطرة ترمب على إدارة شرطة المدينة، وبذلك، ستبقى قائد الشرطة باميلا سميث، في منصبها.
وتُعد هذه الدعوى أحدث محاولة من السلطات القضائية المحلية، للرد قانونياً على فرض الإدارة الواسع للسلطة الفيدرالية، بعد خطوة مماثلة في كاليفورنيا التي رفعت دعوى قضائية ضد إدارة ترمب، بعد أن نشر الرئيس آلافاً من جنود الحرس الوطني ومشاة البحرية الأميركية في لوس أنجلوس هذا الصيف، وسط احتجاجات على تطبيق قوانين الهجرة بشكل صارم.
وفي شوارع واشنطن، بدأ السكان يلاحظون تواجداً أمنياً فيدرالياً كثيفاً، مع انتشار قوات الحرس الوطني أمام المعالم البارزة وتمركز عربات "هامفي" أمام محطة القطار الرئيسية.
ونُصبت نقاط تفتيش في مناطق الحياة الليلية، وأُوكلت للحرس مهام مثل تأمين النصب التذكارية، ودوريات الأحياء، وضبط المرور، واستخدام معدات ضبط الحشود.
وأصبح الحرس الوطني، الذي يُستدعى أحياناً في مناسبات عامة كاحتفالات الرابع من يوليو، الآن جزءاً من عمليات يومية أوسع نطاقاً ضمن خطة ترمب للسيطرة الأمنية في العاصمة.
"استقلالية واشنطن"
ولم تصدر قاضية المحكمة الجزئية آنا سي رييس، أي حكم رسمي ولكنها وجهت أسئلة محددة إلى محامي وزارة العدل، ياكوف روث، وبدا أنها اتخذت وجهة نظر متشككة بشأن التفسير الواسع للرئيس لسلطته بموجب قانون الحكم الذاتي لعام 1973، الذي يمنح مواطني العاصمة واشنطن الحق في الحكم الذاتي المحدود.
وقالت القاضية رييس، التي رشّحها الرئيس السابق جو بايدن للمحكمة الفيدرالية: "لن يكون للقانون أي معنى على الإطلاق إذا استطاع الرئيس ببساطة أن يقول: نحن نستولي على إدارة شرطتكم".
وأوضحت القاضية أنها تدرس قراراً يوقف أمر الإدارة بأكمله باعتباره "غير قانوني"، لكنها قالت إنها تفضل أن يتوصل محامو كلا الجانبين إلى بعض التعديلات على الأمر، وبعد عدة ساعات، أعاد محامو وزارة العدل إصدار الأمر، تاركين المدينة تسيطر على قوة الشرطة.
وأشاد مسؤولو المدينة بالنتيجة باعتبارها "تأكيداً على استقلالية واشنطن".
وفي حديثه للصحافيين، قال شوالب، إن القانون يوضح "أن سلطة تعيين رئيس شرطة تقع بالكامل على عاتق العمدة، وأن حق السيطرة على الشرطة المحلية في مدينتنا يقع على عاتق العمدة ورئيس الشرطة، على الرغم من جهود الحكومة والرئيس والمدعي العام للتلميح إلى أنهم استولوا على قوة شرطتنا".
وأكد شوالب أن القرار الجديد يتجاوز سلطة ترمب، وأن تنفيذه "سيزرع الفوضى"، داخل إدارة شرطة العاصمة، واصفاً الإجراءات بأنها "إهانة لكرامة واستقلالية 700 ألف أميركي يعيشون في واشنطن العاصمة".
وبموجب هذا القرار، يتعيّن على إدارة الشرطة، بما في ذلك رئيسة الشرطة سميث، الحصول على موافقة كول قبل إصدار أي توجيهات، بحسب ما أعلنت وزيرة العدل.
وفي منشور على مواقع التواصل الاجتماعي أعلنت فيه عن إعادة صياغة الأمر، انتقدت وزيرة العدل بام بوندي شوالب لمعارضته، على حد قولها، "جهود الإدارة لتحسين السلامة العامة".
لكنها أكدت أن الإدارة لا تزال ملتزمة بالعمل الوثيق مع عمدة العاصمة، موريل باوزر، "التي تكرس جهودها لضمان سلامة السكان والعمال والزوار في المدينة".
وفوجئ المسؤولون المحليون مساء الخميس، بإصدار بوندي أمراً بتعيين تيري كول، رئيس إدارة مكافحة المخدرات، "مفوض شرطة طوارئ".
وجاء هذا التوجيه بعد أيام من تأكيدات من المسؤولين المحليين، بمن فيهم رئيس البلدية وقائد الشرطة، بأنهم سيعملون كشركاء إلى جانب سلطات إنفاذ القانون الفيدرالية.
مخاوف من تدخل إدارة ترمب
في غضون ساعات من إصدار بوندي الأمر، رد شوالب برأي يجادل بأن "التوجيه غير قانوني وأنه لا ينبغي على العمدة الالتزام به"، وصباح الجمعة، رفع مكتبه دعوى قضائية ضد إدارة ترمب، مُعترضاً على "الاغتصاب السافر" لسلطة المدينة.
وحتى مع تعديل الإدارة للأمر التنفيذي، لا تزال العديد من المخاوف بشأن التدخل الفيدرالي التي أثارها شوالب، والتي شاركها قادة المدينة وسكانها، قائمة.
وكان شوالب، الديمقراطي الذي انتُخب عام 2022، صريحاً منذ البداية في انتقاده للسيطرة الفيدرالية على شرطة العاصمة ونشر الحرس الوطني، واصفاً هذه الخطوات بأنها "غير ضرورية وغير قانونية".
يشار إلى أن الأمر التنفيذي لترمب، الذي يؤكد السيطرة الفيدرالية، استند إلى بند من قانون الحكم الذاتي يمنح الرؤساء صراحةً سلطة مؤقتة "لتوجيه العمدة بتقديم الخدمات التي يراها ضرورية ومناسبة، لمعالجة ظروف خاصة ذات طبيعة طارئة".
وأعلن هذا الأمر وجود "حالة طوارئ إجرامية" في المدينة، وصرح ترمب بأنه "يضع شرطة العاصمة واشنطن تحت السيطرة الفيدرالية المباشرة".
ولم تحل مجموعة من القضايا الأخرى التي أثارتها المدينة بشأن التدخل الفيدرالي الجمعة، بما في ذلك نطاق المطالب التي يمكن للإدارة فرضها على الشرطة المحلية، إذ من المقرر عقد جلسة استماع بشأن هذه القضايا الأسبوع المقبل.
وكان ترمب قد أعلن الاثنين، أنه سينشر مئات من قوات الحرس الوطني في واشنطن ويتولى مؤقتاً إدارة شرطة المدينة للحد مما وصفه بحالة طوارئ إجرامية في العاصمة الأميركية، رغم أن الإحصاءات تظهر انحسار حوادث جرائم العنف.