
أعلن مسؤولون في الاتحاد الأوروبي، تأجيل صياغة وثيقة إضفاء الطابع الرسمي على الاتفاق التجاري مع الولايات المتحدة، الذي جرى التوصل إليه الشهر الماضي، بسبب خلافات الجداول الزمنية وصياغة "الحواجز غير الجمركية"، حسبما أفادت صحيفة "فاينانشيال تايمز".
ويسعى الاتحاد الأوروبي إلى منع الولايات المتحدة من استهداف قواعده الرقمية التاريخية، فيما يتجادل الجانبان حول التفاصيل النهائية لصيغة البيان.
وأوضح مسؤولون أوروبيون، أن أسباب تأخير إصدار البيان المشترك تتضمن الخلافات بشأن صياغة تتعلق بـ"القيود غير الجمركية"، والتي سبق أن اعتبرت واشنطن أن القواعد الرقمية الطموحة للاتحاد تقع ضمنها، كما يشكل الخلاف حول الجداول الزمنية، عقبة أخرى أمام إقرار البيان المشترك بين الطرفين.
وطلبت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، تحديد مواعيد واضحة لمنح الأسماك والمنتجات الغذائية الأميركية، مثل الكاتشاب والبسكويت والكاكاو وزيت فول الصويا، وصولاً أفضل إلى الأسواق الأوروبية، وكذلك لموعد خفض الرسوم الأوروبية على السلع الصناعية الأميركية.
لكن التكتل، المكون من 27 دولة، اعتبر أنه من المستحيل وضع جدول زمني دقيق لمصادقة مؤسساته الداخلية، خصوصاً أنه لم يقرر بعد كيفية إجراء التعديلات القانونية اللازمة لتقليص الإجراءات البيروقراطية أمام المستوردين الأميركيين.
وكان من المتوقع أن يصدر البيان بعد أيام من إعلان رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين والرئيس الأميركي اتفاقهما حول الرسوم الجمركية في 27 يوليو الماضي في اسكتلندا.
تنازلات أوروبية
وذكر مسؤولان في الاتحاد الأوروبي، أن واشنطن ترغب في "إبقاء الباب مفتوحاً" أمام تقديم تنازلات محتملة بشأن "قانون الخدمات الرقمية" الأوروبي، الذي يلزم شركات التكنولوجيا الكبرى بمراقبة منصاتها بشكل أكثر صرامة، فيما أكدت المفوضية أن تخفيف هذه القواعد "خط أحمر".
لكن مسؤولاً أميركياً، قال: "نواصل تناول قيود التجارة الرقمية في محادثاتنا مع شركائنا التجاريين، وقد وافق الاتحاد الأوروبي على معالجة هذه القضايا عندما تم التوصل إلى اتفاقنا الأولي".
وأضاف المسؤول الأميركي: "أي إجراءات لتعديل الرسوم الجمركية، مثل الرسوم المفروضة بموجب المادة 232 (الخاصة بالسيارات)، ستتبع استكمال البيانات المشتركة مع الشركاء التجاريين الذين أبرمنا معهم اتفاقات".
وقال مسؤول في الاتحاد الأوروبي: "لقد قدمنا التزامات سياسية ننوي الوفاء بها، شريطة أن يقوموا (الأميركيون) بالخطوة الأولى، وبهذا الترتيب".
بدوره، قال مسؤول أميركي آخر للصحيفة، إن "إدارة ترمب والاتحاد الأوروبي توصلا، كما حدث مع بريطانيا، إلى إطار لاتفاق شامل، وكان الطرفان واضحين عند التوصل إلى الاتفاق بأن كثيراً من التفاصيل ستتم معالجتها في وقت لاحق".
وأضاف: "تعمل الإدارة بشكل وثيق مع مسؤولي الاتحاد الأوروبي لاستكمال تلك التفاصيل في أسرع وقت ممكن، من أجل توسيع الوصول إلى الأسواق أمام الصادرات الأميركية".
وتخلت بروكسل في الوقت الحالي عن مساعيها للحصول على إعفاءات جمركية خاصة بالنبيذ والمشروبات الروحية، التي دافعت عنها فرنسا وإيطاليا، أكبر مصدري هذه المنتجات في الاتحاد.
وأكد الناطق باسم المفوضية الأوروبية، أولوف جيل، الخميس، أن البيان أُعيد إلى الاتحاد الأوروبي لمراجعته، قائلاً: "نركز بشكل كامل على الوصول إلى البيان المشترك"، مضيفاً أن "الخطوات الأخيرة دائماً ما تكون الأصعب".
وتوقعت المفوضية الأوروبية، أن يوقع ترمب أمراً تنفيذياً بخفض الرسوم الجمركية على السيارات الأوروبية المصدرة إلى الولايات المتحدة من 27.5% إلى 15% بحلول 15 أغسطس الجاري، غير أن مسؤولاً أميركياً أشار إلى أن ذلك لن يحدث قبل التوصل إلى البيان المشترك.
لكن وبعد مرور أسابيع، لا تزال مسودات البيان تتنقل بين بروكسل وواشنطن، ولم يصدر أي أمر بخصوص السيارات، وهو قطاع تصديري رئيسي بالنسبة لألمانيا.
وعلى النقيض من ذلك، نشرت الولايات المتحدة، الشروط العامة لـ"اتفاق الازدهار الاقتصادي" مع بريطانيا في اليوم نفسه الذي وُقع فيه في مايو الماضي، رغم أن تنفيذ بنوده استغرق عدة أسابيع، مع استمرار المحادثات بشأن الصلب وصادرات أخرى.
أما الاتفاق مع بروكسل، الذي وصفته المفوضية، بأنه من "أكثر الاتفاقات نفعاً لترمب منذ بدء حربه التجارية"، فقد حدد سقفاً للرسوم الجمركية على معظم السلع الأوروبية المصدرة إلى الولايات المتحدة عند 15%، فيما مُنحت بعض الصادرات الأوروبية إعفاءات، بما في ذلك أجزاء الطائرات وبعض الأدوية والمعادن الحيوية.
غير أن محللين وسياسيين في مختلف أنحاء الاتحاد اعتبروا، الاتفاق "نتيجة ضعيفة" بالنسبة لبروكسل، إذ اضطر التكتل إلى القبول برسوم جمركية أعلى بالتوازي مع التزامه بإنفاق مئات المليارات من الدولارات على واردات الطاقة الأميركية واستثمارات داخل الولايات المتحدة.
والشهر الماضي، صعّد الكونجرس الأميركي انتقاداته للقانون الأوروبي الجديد المنظم لمنصات التواصل الاجتماعي، واصفاً إياه بأنه يمثل "تهديداً رقابياً أجنبياً"، في خطوة تعكس تصاعد التوتر بين ضفتي الأطلسي، إذ أن كافة منصات التواصل الاجتماعي العاملة في أوروبا، تابعة لشركات التكنولوجيا الأميركية.
وأصدرت لجنة القضاء في مجلس النواب الأميركي تقريراً، وصفت فيه قانون "الخدمات الرقمية" الأوروبي، بأنه "قانون رقابة رقمية شامل" يشكل خطراً على حرية التعبير لمواطني الولايات المتحدة.
ويأتي التقرير في سياق انتقادات متزايدة من البيت الأبيض والخارجية الأميركية للقواعد الرقمية التي يفرضها الاتحاد الأوروبي، والتي تعتبرها واشنطن ثقيلة الوطأة وغير منصفة وتستهدف الشركات الأميركية وحرية التعبير على حد سواء.
وتعتبر المفوضية الأوروبية، قانون الخدمات الرقمية، "محايداً" ولا يحدد ما يُعتبر خطاباً غير قانوني. لكن لجنة الكونجرس، قالت إن "ما يجري خلف الأبواب المغلقة يثبت العكس".
ويستهدف قانون الأسواق الرقمية إلزام الشركات الرقمية العملاقة، التي ينطبق عليها تصنيف "حارس البوابة" Gatekeeper، بعدم إساءة استخدام مركزها المهيمن، مع العلم أنّ تنفيذه الفعال ينطوي على تحدٍّ كبير وسيتسبب بمعارك شرسة.
ويحدد قانون الأسواق الرقمية سلسلة التزامات ومحظورات لوقف إساءة استخدام المركز المهيمن، بهدف الحد من المنافسة، وزيادة التنافسية في السوق، ومساعدة الجهات الصغيرة على التقدم.
ويتعيّن على ستة من عمالقة التكنولوجيا، جوجل وأمازون وأبل وميتا (فيسبوك وإنستجرام وواتساب) ومايكروسوفت، إضافة إلى الصينية بايت دانس المالكة لتيك توك، الامتثال لمندرجات القانون.