حرب غزة تمتد إلى الضفة.. استراتيجية إسرائيل لتهجير الفلسطينيين بأدوات "خشنة وناعمة"

رجوب: العقوبات الدولية قادرة على إنهاء الاحتلال.. وزحالقة: "الضم" يحظى بشبه إجماع بين الإسرائيليين

time reading iconدقائق القراءة - 6
متظاهرون يرفعون لافتات خلال احتجاج لنشطاء فلسطينيين وإسرائيليين بالقرب من بيت جالا في الضفة الغربية ضد مساعي إسرائيل لضم الضفة المحتلة. 5 سبتمبر 2025 - Reuters
متظاهرون يرفعون لافتات خلال احتجاج لنشطاء فلسطينيين وإسرائيليين بالقرب من بيت جالا في الضفة الغربية ضد مساعي إسرائيل لضم الضفة المحتلة. 5 سبتمبر 2025 - Reuters
أريحا -محمد دراغمة

على امتداد الطريق الواصل بين رام الله وأريحا، وطوله نحو أربعين كيلومترًا، تتناثر البيوت المهجورة على جانبي الطريق، مثيرةً في المنطقة أجواءً موحشةً.

هذه البيوت، المقامة من ألواح الخشب والزينكو (الصاج)، وكانت قبل أشهر قليلة نابضةً بالحياة، أصبحت اليوم مقفرةً تمامًا، بعدما عمدت جماعاتٌ من المستوطنين إلى إجبار سكانَها من عرب المليحات على النزوح.

يمتدّ هذا التجمع السكاني على طريق جبليٍّ متعرّج، ينحدر من ارتفاع 900 مترٍ في رام الله إلى ما دون سطح البحر في أريحا، ويُعدّ واحدًا من 33 تجمعًا بدويًّا قام المستوطنون اليهود بتهجيرهم خلال الحرب الإسرائيلية الجارية على قطاع غزة، وفقًا لما أكّده لـ"الشرق" مسؤول التوثيق في هيئة مقاومة الاستيطان أمير داود، الذي يقود فريقًا ميدانيًّا يُوثّق انتهاكات المستوطنين وجيش الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية.

وبيّن تقريرٌ حديثٌ صادرٌ عن مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية (أوتشا) أنّ عدد الفلسطينيين الذين تمّ تهجيرهم من الضفة الغربية خلال هذه الحرب بلغ نحو 50 ألفًا، من بينهم 40 ألفًا هُجّروا من 3 مخيماتٍ للاجئين في شمال الضفة، فيما تعرّض الباقون للتهجير نتيجة اعتداءات المستوطنين أو هدم منازلهم على يد جيش الاحتلال.

حرب سموتريتش في الضفة الغربية

بالتوازي مع الحرب على غزة، تشنّ إسرائيل حربًا موازيةً في الضفة الغربية، تتضمّن عملياتِ تهجيرٍ للفلسطينيين، وإحلالَ مستوطنين مكانَهم، إلى جانب ضغوطٍ اقتصاديةٍ وأمنيةٍ تهدف إلى دفع السكان الفلسطينيين للهجرة، وتغيير الطابع الفلسطيني للمنطقة عبر توسيع المستوطنات والبنية التحتية الداعمة لها.

ويطلق الإعلام الإسرائيلي على هذه السياسات اسم "حرب سموتريتش"، في إشارةٍ إلى  السياسات التي يتبعها وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، الذي لا يُخفي هدفه المعلن: تهجير الفلسطينيين من أرضهم، التي يُطلق عليها "أرض إسرائيل"، وإحلال المستوطنين اليهود مكانَهم.

سموتريتش، الذي يشغل أيضًا منصب وزيرٍ ثانٍ في وزارة الدفاع، أعلن عن سلسلةٍ من الإجراءات في الوزارتين لتحقيق هذا الهدف. فقد نقل صلاحيات إدارة المستوطنات من الإدارة المدنية إلى الوزارات الحكومية المختصة، لتسهيل توفير الموارد المالية والمهنية اللازمة لتوسيعها. كما أنشأ، عبر وزارة المستوطنات التي تديرها وزيرة من حزبه هي أوريت ستروك، جهازًا أمنيًّا يُدعى "الحرس المدني"، يعمل داخل المستوطنات ويشنّ حملاتٍ اعتداء على القرى والتجمعات الفلسطينية بهدف ترحيل سكانها.

ورصد سموتريتش هذا العام 7 ملياراتِ شيكل (ما يزيد عن ملياري دولارٍ) لإقامة 22 طريقًا جديدًا يربط المستوطنات ببعضها وبإسرائيل.

كما ضاعف من الاقتطاعات المالية من الإيرادات الجمركية الفلسطينية، واحتجز الباقي منها للشهر الرابع على التوالي، ما أدّى إلى عجز الحكومة الفلسطينية عن دفع رواتب موظفيها. كذلك، فرض قيودًا صارمةً على حركة الأفراد والسلع، ما تسبّب في انكماشٍ اقتصاديٍّ بلغ نحو النصف، وفقًا لتقريرٍ صادرٍ عن البنك الدولي.

ولا يُخفي سموتريتش نواياه؛ إذ يعتبر هذه الضغوط وسيلةً لدفع الفلسطينيين إلى الهجرة القسرية.

جواز السفر الأردني

وفي خطوةٍ جديدةٍ، أعلن سموتريتش أنّه يُعدّ خطةً لتهجير الفلسطينيين حاملي جواز السفر الأردني، الذين قال إنّهم يُشكّلون نحو  30% من سكان الضفة الغربية.

ويُمنح هذا الجواز لسكان الضفة منذ أن تولّت الأردن إدارتها عام 1948، بعد قيام دولة إسرائيل على 78% من أرض فلسطين. وبعد تأسيس السلطة الفلسطينية عام 1994، تخلّى معظم الفلسطينيين عن جواز السفر الأردني، لكن بقيت فئةٌ من الفلسطينيين الذين يملكون أملاكًا في الأردن تحتفظ به، إلى جانب رقمٍ وطنيٍّ أردنيٍّ، إضافة إلى مواطنتهم ورقمهم الوطني في الضفة الغربية، الموثق لدى السلطات الإسرائيلية منذ ما قبل إقامة السلطة الفلسطينية..

ووصف سموتريتش هذه الفئة بأنّها "مقيمةٌ بشكلٍ غير قانونيٍّ"، وقال: "عليهم المغادرة أو الطرد".

دعوات لضم الضفة الغربية

وتزامنت تصريحات سموتريتش مع دعوته لضمّ 82% من مساحة الضفة الغربية. وكان من المقرّر أن تبحث الحكومة الإسرائيلية هذا المقترح في اجتماعها الأخير، لكنها أوقفت النقاش بقرارٍ من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، بعد تلقيه تحذيرًا صارمًا من دولة الإمارات التي اعتبرت الضمّ تهديدًا لاتفاقيات أبراهام.

لكن مراقبين في إسرائيل يرون أنّ تجميد البحث لا يعني التخلي عن الفكرة. ويقول الدكتور جمال زحالقة، الخبير في الشؤون الإسرائيلية، إنّ الضمّ بات يحظى بشبهَ إجماعٍ داخل إسرائيل، لكن الخلاف يدور حول توقيته ومساحته.

ويُضيف، في حديث مع "الشرق"، أنّ بعض الجهات تطالب بضمّ كامل المناطق باستثناء التجمعات السكانية الكبرى، فيما يدعو آخرون إلى ضمّ الأغوار، التي تُشكّل أكثر من ربع مساحة الضفة، أو ضمّ الكتل الاستيطانية فقط.

الأغوار.. هدفٌ استراتيجيٌّ قديم

وتتفق معظم الأحزاب الإسرائيلية على ضمّ الأغوار والكتل الاستيطانية، وتختلف بشأن باقي المناطق. وتعود خطط الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة لضمّ الأغوار إلى بدايات الاحتلال عام 1967، لأسبابٍ استراتيجيةٍ واقتصاديةٍ، نظرًا لموقعها المحاذي للأردن، ووفرة مواردها الطبيعية من أراضٍ ومياهٍ جوفية.

ويقول أمير داود: "تُسيطر إسرائيل على 90% من أراضي الأغوار، وتحظر على الفلسطينيين الإقامة والعمل والبناء فيها".

في المقابل، أقامت إسرائيل 25 مستوطنةً زراعيةً، تسيطر على مساحاتٍ واسعةٍ من الأراضي، إلى جانب عشرات المعسكرات ومناطق التدريب العسكري في هذه المنطقة الواسعة الممتدة.

الفلسطينيون يراهنون على الاعتراف الدولي

ويرفض الفلسطينيون جميع أشكال التهجير والضمّ، ويتعهّدون بمقاومتها عبر الوسائل المتاحة، خصوصًا من خلال المؤسسات الدولية، ويُركّزون على توسيع دائرة الاعتراف بدولة فلسطين على حدود عام 1967، التي تشمل الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وقطاع غزة.

وقال مسؤولون فلسطينيون لـ"الشرق" إنّهم سيطالبون المجتمع الدولي، بعد الاعتراف بالدولة، بفرض عقوباتٍ جادّةٍ على إسرائيل لوقف الاستيطان والتهجير، وصولًا إلى الانسحاب الكامل من أراضي دولة فلسطين.

ويقول أمين سر اللجنة المركزية لحركة "فتح" الفريق جبريل رجوب إن "العقوبات الدولية التي فُرضت على نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، وأجبرته على إنهائه، قادرةٌ على لجم إسرائيل وإنهاء احتلالها للضفة الغربية".

تصنيفات

قصص قد تهمك