
اعتبرت وسائل إعلام أميركية أن الهجوم الإسرائيلي على قطر يبرز "النهج العشوائي" الذي اتبعه الرئيس الأميركي دونالد ترمب بشأن الحرب على غزة، ويمثل "إهانة شخصية وضربة مدمرة" لمصداقيته الدولية، وذلك بعد أن سارع بالتوضيح أنه لم يكن قراره وأنه حاول إبلاغ الدوحة عندما علم به.
وقال ترمب، الثلاثاء، إنه تلقى إخطاراً بشأن الضربة الجوية الإسرائيلية في قطر من الجيش الأميركي، وليس من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي يصفه عادةً بأنه صديقه وأقوى حلفائه في الشرق الأوسط. وأشار إلى أنه وجه مبعوثه ستيف ويتكوف لتحذير الدوحة من الهجوم الوشيك، لكن الأوان كان قد فات لوقف الضربة.
غير أن الدوحة نفت ذلك، قائلة إن ما يجري تداوله من تصريحات حول تحذيرها من الهجوم الإسرائيلي مسبقاً "عارية عن الصحة"، وإن الاتصال الهاتفي من مسؤول أميركي جاء بينما كان دوي الانفجارات يُسمع بالفعل في العاصمة القطرية.
"مفاجأة معتادة"
واعتبرت صحيفة "نيويورك تايمز" في تقرير، الثلاثاء، أن الهجوم كان بمثابة "مفاجأة مألوفة". ففي يونيو الماضي، شنت إسرائيل حرباً استمرت 12 يوماً على إيران مع الحد الأدنى من التحذير، ما أثار انتقادات من واشنطن في البداية إلى أن قرر ترمب التدخل في ما اعتبره حملة ناجحة.
واعتبرت أن نتنياهو استغل علاقته مع ترمب لشن هجمات جريئة مثل تلك التي شنها على قيادة "حماس"، الثلاثاء، وغالباً باستخدام أسلحة أميركية دون إخطار أو بإخطار محدود لواشنطن.
وفي كل مرة، كان يعلم أن ترمب وإدارته سيتذمرون من ذلك كما فعلوا، الثلاثاء، لكنهم في نهاية المطاف يقررون التغاضي وجعل الموقف يمر دون عقاب.
وفي وقت لاحق، قال ترمب للصحافيين في واشنطن إنه "ليس سعيداً" بشأن الغارة، مضيفاً: "لست سعيداً بذلك. إنه ليس وضعاً جيداً ولكنني سأقول هذا: نريد استعادة المحتجزين (الإسرائيليين في غزة)، ولكننا لسنا سعداء بالطريقة التي سارت بها الأمور اليوم".
وفي منشور على منصته للتواصل الاجتماعي "تروث سوشيال" (Truth Social)، حاول ترمب أن ينأى بنفسه عن الهجوم، بينما كان ينتقد نتنياهو ويشيد به على حد سواء لتنفيذه.
وكتب ترمب: "كان هذا قراراً اتخذه رئيس الوزراء نتنياهو، ولم يكن قراراً اتخذته أنا. القصف الأحادي داخل قطر، وهي دولة ذات سيادة وحليف وثيق للولايات المتحدة وتعمل جاهدة على المخاطرة بشجاعة معنا للتوسط من أجل السلام، لا يخدم أهداف إسرائيل وأميركا". وأضاف: "مع ذلك، فإن القضاء على حماس، التي استفادت من معاناة سكان غزة، يستحق أن يكون هدفاً".
"نهج عشوائي"
واعتبرت الصحيفة أن هذه الواقعة أبرزت "النهج العشوائي"، الذي اتبعه ترمب في الحرب على غزة، وهو أحد الصراعات العديدة حول العالم التي سعى إلى إنهائها. فبعد فوزه بالانتخابات، أخبر نتنياهو أنه يريد إنهاء الحرب قبل عودته إلى البيت الأبيض.
ولكن منذ توليه منصبه، كانت استراتيجية ترمب أقل تشدداً إلى حد كبير، شابتها عدم الالتزام بالمواعيد النهائية، وتهديدات غامضة، وتصريحات متناقضة بشأن الطريقة التي ينبغي أن تحقق بها إسرائيل أهدافها في القضاء على تهديد "حماس".
ويقول خبراء سياسة خارجية، إن هذه الاستراتيجية منحت نتنياهو حرية مطلقة إلى حد كبير، لمواصلة شن الحرب على غزة، التي أثارت غضباً عالمياً، واتهامات بارتكاب جرائم "إبادة جماعية"، وأزمة إنسانية كارثية.
ونقلت الصحيفة عن خالد الجندي، وهو باحث زائر في مركز الدراسات العربية المعاصرة بجامعة "جورج تاون": "لم تكن هناك استراتيجية يمكنني أن أستشفها سوى "كل ما تريده إسرائيل، وكل ما يريده نتنياهو".
وأشار الجندي إلى أن الحكومة الأميركية سارت عبر التاريخ على حبل مشدود في دعمها لإسرائيل خلال صراعاتها في المنطقة، خاصة في عهد الرئيس السابق جو بايدن، الذي يصف نفسه بأنه صهيوني، والذي كانت تربطه علاقة شخصية منذ عقود مع نتنياهو.
لكن حتى بايدن غيّر موقفه، وأدان "القصف العشوائي" وفقدان "الكثير من المدنيين"، وفي إحدى المرات، علَّق تسليم الأسلحة محذراً إسرائيل من التوغل بالمناطق المكتظة بالسكان.
وأضاف الجندي: "بايدن كان لديه بعض الخطوط الحمراء، على مستوى الخطاب في الغالب، لكن ترمب ليس لديه أي خطوط حمراء".
"ضربة" لمصداقية ترمب
كما أعرب بعض الخبراء عن شكوكهم في أن الولايات المتحدة لم يكن لديها تحذير مسبق بشأن الهجوم، بالنظر إلى أن الولايات المتحدة لديها وجود عسكري في قطر أيضاً.
وقال ستيفن أ. كوك، الباحث في شؤون دراسات الشرق الأوسط وإفريقيا في "مجلس العلاقات الخارجية"، إن الاحتمال القوي هو وجود تنسيق أكبر بكثير مما يريدنا البيت الأبيض أن نعرفه حالياً، أو أن إسرائيل منحت الولايات المتحدة "قدرة معقولة على الإنكار"، لافتاً إلى أن الإسرائيليين يعتقدون أيضاً أن "الاعتذار أفضل من طلب الإذن".
وفي تقرير منفصل، قالت شبكة CNN، إنه بافتراض صحة ادعاء الرئيس ترمب بأنه لم يتمكن من وقف الضربة الإسرائيلية ضد مسؤولي "حماس" في منطقة سكنية بالدوحة، فقد تلقى للتو "ضربة مدمرة" أخرى لمصداقيته الدولية.
واعتبرت أن الضربة، التي تجاهلت فيها إسرائيل تداعيات عميقة على المصالح الأميركية الحيوية، تمثل إحراجاً جديداً لترمب في وقت يجري التلاعب به أيضاً من قبل نظيره الروسي فلاديمير بوتين، الذي ابتسم ابتسامة عريضة خلال قمتهما في ألاسكا، ثم كثف من هجماته على أوكرانيا.
وأضافت الشبكة الأميركية: "يبدو ترمب مخلصاً في رغبته في أن يكون صانع سلام عالمي، وإذا نجح في ذلك، فقد ينقذ العديد من الأرواح ويترك إرثاً قيماً، إذ عاد إلى البيت الأبيض في يناير مُصراً على أنه سينهي بسرعة الحربين في أوكرانيا وغزة. ولكن بعد 8 أشهر، أصبح كلاهما أكثر دموية".
وعلاوة على ذلك، فإن بوتين والرئيس الصيني شي جين بينج ورئيس وزراء الهند ناريندرا مودي يتحدونه علانية.
واستبعدت CNN إمكانية أن تؤثر الأحداث في الشرق الأوسط بشكل كبير في الإضرار بمكاسب ترمب السياسية في الداخل، في الوقت الذي يواصل حملته على الجريمة وسط مخاوف بشأن تباطؤ الاقتصاد.
لكن الهجوم الإسرائيلي في وضح النهار على العاصمة القطرية، ربما يكون مدمراً لصورته الذاتية كرجل قوي متشدد يهابه الناس في الخارج، لأن الضربة انتهكت بشكل سافر سيادة حليف حيوي للولايات المتحدة يستضيف أكبر قاعدة أميركية في الشرق الأوسط، وكان يتفاوض مع "حماس" بناء على طلب من البيت الأبيض بشأن خطة توقع ترمب أن تسفر عن اتفاق قريب.
"إهانة شخصية"
ووفقاً لشبكة CNN، لم يكن هذا الأمر يمثل "إهانة شخصية" لترمب فحسب، بل إنه يضع أهداف نتنياهو فوق الأولويات الأمنية الحاسمة للولايات المتحدة.
وذكرت أن بعض المسؤولين في البيت الأبيض كانوا غاضبين بعد أن التقى رون ديرمر مستشار نتنياهو، الاثنين، المبعوث الأميركي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف، لكنه لم يتطرق إلى العملية التي من المؤكد أنها ستمثل "إهانة" للرئيس الأميركي.
ونقلت عن السفير الأميركي السابق لدى إسرائيل إدوارد دجريجيان قوله: "الهجمات وقعت في مرحلة حساسة للغاية في مفاوضات وقف إطلاق النار، حيث أوضحت إدارة ترمب والرئيس ومبعوثه ويتكوف أن الرئيس يتطلع إلى وقف شامل لإطلاق النار، وإطلاق سراح جميع المحتجزين، وتبادل الأسرى والمضي قدماً، وإنهاء الحرب على غزة".
وأضاف دجريجيان، الذي خدم في ثماني إدارات، بدءاً من إدارة الرئيس جون كينيدي وانتهاءً بإدارة الرئيس بيل كلينتون: "من الواضح أن إسرائيل لا تولي اهتماماً كبيراً لمصالح الأمن القومي الأميركي".
ورجحت الشبكة الأميركية أن تداعيات الضربة ستقضي على أي أمل في التوصل إلى سلام عبر التفاوض لإنهاء الحرب الإسرائيلية على غزة، وربما تكون هناك "تداعيات مروعة" على بقية المحتجزين الإسرائيليين الذين لا يزالون على قيد الحياة بعد قرابة عامين في الأنفاق تحت غزة.
كما أنها تعد أحدث دليل على أن رئيس الوزراء الإسرائيلي يعطي أولوية أكبر للقضاء التام على "حماس"، وهي مهمة قد تكون مستحيلة، على عودة المحتجزين. والنتيجة شبه المؤكدة هي تكثيف الهجوم الإسرائيلي في قطاع غزة، الذي أودى بالفعل بحياة عشرات الآلاف من المدنيين الفلسطينيين، وأبعد معظم حلفاء إسرائيل الأجانب.
تداعيات خطيرة
وبالنسبة للولايات المتحدة، هناك أيضاً تداعيات خطيرة، فقد تؤدي هذه التداعيات إلى توتر العلاقة بين الرئيس الأميركي ورئيس الوزراء الإسرائيلي وزرع عدم الثقة بين إسرائيل وحليفتها المهمة الولايات المتحدة.
كما سيؤدي ذلك إلى تدمير أي مصداقية كانت لترمب في لعب دور الوسيط البعيد بين إسرائيل و"حماس"، وقد يؤدي إلى انسحاب قطر من محادثات السلام، فقد اتهم رئيس وزرائها إسرائيل بممارسة "إرهاب الدولة".
كما أن التوّسع المأمول لإدارة ترمب في "اتفاقات أبراهام"، التي أبرمها خلال فترة ولايته الأولى، بين إسرائيل وبعض الدول العربية، والتي تعتبر أساسية في مساعي ترمب للحصول على جائزة نوبل للسلام، أصبحت الآن بعيدة المنال أكثر من أي وقت مضى.
كما يثير الهجوم تساؤلات لدى حلفاء الولايات المتحدة الآخرين حول العالم بشأن الوثوق في ضمانات ترمب الأمنية، بحسب الشبكة الأميركية.
ولفتت إلى أن إلى الهجوم على قطر سيعزز الاعتقاد السائد أصلاً في جميع أنحاء الشرق الأوسط بأن ترمب يفتقر إلى أي تأثير على نتنياهو على الرغم من نفوذ مبيعات الأسلحة الأميركية لإسرائيل، ودورها الحيوي في الدفاع عن الدولة اليهودية.
وحذرت CNN من أن فقدان ترمب لمصداقيته أمر بالغ الخطورة، لا سيما وأن خطة السلام الأميركية الجديدة تتضمن إطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين لدى "حماس" في غزة مقابل وقف إطلاق النار، وضمان ترمب التزم إسرائيل بالاتفاق بينما تستمر المفاوضات، لكن هجمات، الثلاثاء، في وضح النهار في الدوحة تشير إلى أنها مجرد "وعود فارغة".
واختتمت بالإشارة إلى أن الدور الذي أعلنه ترمب لنفسه "كرئيس للسلام"، أصبح محل تساؤل، في حين انكشف عدم فهم فريقه للسياسات الخارجية لطبيعة "الرجال الأقوياء العالميين الذين لا يرحمون".