
يضغط الاتحاد الأوروبي وعدد من القادة الأوروبيين على إسرائيل لوقف حربها على قطاع غزة، ملوّحين بفرض عقوبات وتعليق جزئي لاتفاقية الشراكة الاستراتيجية، إلا أن اعتمادهم الواسع على صناعة السلاح الإسرائيلية يشكل عقبة رئيسية أمام هذه المساعي، بحسب تقرير لـ"بلومبرغ".
وسط مشاهد الدمار والجوع في غزة، أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، الأربعاء، أن المفوضية ستقترح فرض عقوبات على وزراء إسرائيليين متطرفين، وتعليقاً جزئياً لاتفاقية الشراكة، كما قالت أمام البرلمان الأوروبي، وسط تصفيق حار من النواب: "لا يمكن للمجاعة التي صنعها الإنسان أن تكون سلاحاً في الحرب، من أجل الأطفال، ومن أجل الإنسانية، يجب أن يتوقف هذا".
ورغم هذا الغضب والانتقادات والتلويح بعقوبات، وإعلان العديد من الدول الأوروبية عزمهم الاعتراف بالدولة الفلسطينية، فإن هناك مجال يقف عقبة أمام هذا هذه الخطوات، وهي "صناعة الدفاع الإسرائيلية"، التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات.
وتعتبر الجيوش الأوروبية أكبر زبائن الأسلحة والأنظمة الدفاعية الإسرائيلية، إذ اشترت ما قيمته 8 مليارات دولار العام الماضي، أي ما يزيد قليلاً عن نصف صادرات تل أبيب، ومن المرجح أن يزداد الطلب.
وقال مسؤولون دفاعيون في إسرائيل لـ"بلومبرغ"، إنه بغض النظر عن الرأي العام المعارض للحرب الإسرائيلية، إلا أن "من المرجح أن يستمر الأوروبيون في شراء منتجاتنا العسكرية".
وسيتطلب أي قرار أوروبي لفرض عقوبات على إسرائيل تصويتاً بالأغلبية المؤهلة بين حكومات دول التكتل.
ويتطلب تحقيق الأغلبية المؤهلة تأييد 15 دولة من أصل 27 من الدول الأعضاء، أي بما يمثل 65 بالمئة من سكان الاتحاد الأوروبي، وهو أمر يصعب بلوغه في ظل استمرار الانقسام بين الدول الأوروبية بشأن كيفية التعامل مع إسرائيل.
الطلب الأوروبي على الأسلحة الإسرائيلية
تحت ضغوط الرئيس الأميركي دونالد ترمب، أعلن الأعضاء الأوروبيون في حلف شمال الأطلسي "الناتو" التزامهم برفع الإنفاق العسكري إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي سنوياً بحلول 2035، مقارنة بمستوى 2% المفروض منذ عام 2014، وهو هدف اكتسب أهمية إضافية منذ بدء الحرب بين روسيا وأوكرانيا في عام 2022.
ووفقاً لـ"بلومبرغ"، فإن تحقيق الأوروبيين لهذا العهد سيكون صعباً من دون الاعتماد على الصناعة العسكرية الإسرائيلية، إذ أن شركاتها الثلاث الكبرى مدمجة بعمق في اقتصادات وسلاسل التوريد العسكرية الأوروبية.
وقال إيلاد كراوس، رئيس الأبحاث في شركة "ميتاف" للخدمات المالية في تل أبيب، إن "المزاج العام تجاه إسرائيل قد يكون سلبياً، لكن العملاء في أوروبا وخارجها يسعون لشراء أفضل المنتجات الممكنة، ولا يمكن إنكار أن الأنظمة الإسرائيلية مجرَّبة ميدانياً"، معتبراً أنه "من الصعب الضغط على إسرائيل عبر صناعتها الدفاعية في ظل الطلب العالمي المرتفع للغاية" على الأسلحة.
وشركات الدفاع الإسرائيلية الكبرى الثلاث "إلبيت سيستمز"، و"رفائيل للأنظمة الدفاعية"، و"شركة صناعات الفضاء الإسرائيلية" (IAI) ، لا تبيع لأوروبا فقط، بل لديها أيضاً عمليات عبر فروع وشراكات مع مؤسسات أوروبية محلية.
وتدير "إلبيت" 40 فرعاً حول العالم، نصفها تقريباً في أوروبا، وفق متحدث باسم الشركة. وقد وسّعت مؤخراً منشآتها في بريطانيا وهولندا ورومانيا بسبب تزايد الطلب.
وتوظف الشركة، التي يقع مقرها في حيفا، نحو 2000 عامل في أوروبا، أي ما يعادل 10% من قوتها العاملة، كما تدير مدرسة طيران في اليونان لتدريب طلاب من دول الاتحاد الأوروبي.
ومبيعات "إلبيت" إلى أوروبا تضاعفت منذ 2021، لتصل إلى 1.8 مليار دولار عام 2024، كما وقّعت في أغسطس أكبر صفقة في تاريخها بقيمة 1.6 مليار دولار مع دولة أوروبية لم يكشف عنها.
أما "رفائيل"، المعروفة بنظام "القبة الحديدية" الدفاعي ونظام "Iron Beam" الليزري، فتبيع وتنتج الصواريخ عبر مشروعها المشترك في ألمانيا "يورو سبايك" مع شركتي "Diehl Defense" و"Rheinmetall".
وفي 2024، كانت إيراداتها موزعة بالتساوي تقريباً بين السوق المحلي والعالمي، فيما مثّلت أوروبا 45% من مبيعاتها الدولية.
وتعمل الشركة على إنشاء مشاريع مشتركة إضافية في ألمانيا مثل "يورو دوم" للقبة الحديدية، و"يورو سبايدر" لأنظمة الدفاع الجوي المتنقلة.
أما شركة "الصناعات الجوية الإسرائيلية" (IAI)، المطورة لنظام "آرو" الدفاعي، فقد حصلت على ثلثي إيراداتها في 2024 من المبيعات الخارجية، وأكبر صفقة في تاريخها كانت بيع نظام "Arrow 3" لألمانيا مقابل نحو 4.3 مليار دولار في 2023. كما استحوذت العام الماضي على شركة "Intracom Defense" اليونانية لتعزيز حضورها الأوروبي.
أزمة مؤقتة؟
وفقاً لـ"بلومبرغ" فإن الاعتماد الأوروبي على الأسلحة الإسرائيلية يجعل من مهمة الضغط لإنهاء الحرب على غزة أو على الأقل وقفاً للنار، صعبة للغاية.
ودمرت إسرائيل في الحرب على غزة منذ أكتوبر 2023 معظم القطاع، مما أدى إلى نزوح شبه كامل لسكانه البالغ عددهم مليوني نسمة، كما قتلت أكثر من 64 ألف فلسطيني معظمهم من الأطفال والنساء.
كما أعلن جهاز تابع للأمم المتحدة عن تفشي المجاعة رسمياً في أجزاء من غزة، بعد حصار إسرائيلي منع دخول المساعدات.
وشهدت دول غربية تظاهرات منددة بالحرب الإسرائيلية، بعضها استهدف شركاتها الدفاعية بشكل مباشر.
و تعرّضت مصانع أوروبية تابعة لشركة "إلبيت" لأعمال تخريب، منها مصنعها في مدينة أولم بألمانيا. كما نُسبت حوادث أخرى في بريطانيا إلى مجموعة "Palestinian Action"، التي حظرتها حكومة كير ستارمر باعتبارها "منظمة إرهابية"، في يوليو الماضي.
في الشهر الماضي، حظر المستشار الألماني فريدريش ميرتس شحن أسلحة قد يتم استخدامها في غزة، في إشارة إلى تزايد المعارضة الأوروبية لسياسات إسرائيل. لكن هذه القيود شملت الصادرات فقط، ولم تمس الواردات أو الشراكات.
وقد تضاءل أثرها أكثر مع ظهور خطط ألمانيا لشراء طائرات مسيرة "هيرون" من إسرائيل مقابل نحو 1.2 مليار دولار.
ورغم ذلك، بدأ بعض المسؤولين الأوروبيين بالضغط لتأجيل صفقات جديدة مع إسرائيل حتى إعلان وقف إطلاق النار في غزة.
قال مسؤول في وزارة الدفاع الإسرائيلية لـ"بلومبرغ"، إن نظراءه في أوروبا يطلبون منهم إنهاء الحرب لتسهيل استمرار التعاون العسكري.
وبحسب مسؤولين تنفيذيين في شركات دفاع إسرائيلية، فقد باتت بعض الحكومات الأوروبية تطلب إبقاء محادثات العقود المقبلة سرية. ومع ذلك، وصف أحدهم الأزمة بأنها "مؤقتة"، مؤكداً أن عمليات الشراء الدفاعية طويلة الأمد لن تتأثر جذرياً.
وفي مقابلة مع صحيفة "كالكاليست" الإسرائيلية في 28 أغسطس، قال الرئيس التنفيذي لشركة "رفائيل" يديديا يعاري، إنه "رغم الضجة العالمية ضد إسرائيل، فإن وتيرة الطلبات لدينا ارتفعت عاماً بعد عام، لم يتم إلغاء أي مشروع أو طلب، رغم تباطأ بعضها قليلاً، ولكن تقديري أنه بمجرد انتهاء الحرب في غزة، سنعود سريعاً إلى الوضع الطبيعي".