
أعرب عدد من المسؤولين الأميركيين والإسرائيليين عن شعورهم بالإحباط من النهج الذي يتبعه الرئيس الأميركي دونالد ترمب تجاه رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، بحسب صحيفة "وول ستريت جورنال".
بحسب الصحيفة الأميركية، أخبر ترمب العديد من مساعديه في الأسابيع الأخيرة أن نتنياهو يفضل استخدام القوة العسكرية لإجبار "حماس" على الاستسلام، بدلاً من أسلوبه المفضل المتمثل في التوصل إلى وقف إطلاق نار تفاوضي، حيث بلغ إحباطه ذروته الأسبوع الماضي بعد ساعات من هجوم إسرائيل على قطر، وهي عملية هددت بعرقلة محادثات السلام الهشة المتعلقة بحرب غزة.
وبحسب مسؤولين، كان ترمب يتحدث مع كبار مساعديه، بمن فيهم وزير الخارجية ماركو روبيو، حول كيفية الرد على الضربات الإسرائيلية، عندما علق على نتنياهو قائلاً: "إنه يعبث بي".
وجاء الهجوم الإسرائيلي على قطر في وقت غير مناسب للولايات المتحدة، إذ أجرى ترمب مكالمتين هاتفيتين مع نتنياهو، الأولى للتعبير عن استيائه والثانية لإجراء محادثة ودية حول مدى نجاح الهجوم الإسرائيلي.
وتحدث ترمب لاحقاً مع قادة قطر، مشيداً بوساطتها في المفاوضات بين إسرائيل و"حماس"، ولكونها حليفاً قوياً للولايات المتحدة، وتستضيف وجوداً عسكرياً أميركياً كبيراً في الشرق الأوسط.
ويرى نتنياهو أن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة لا يمكن أن تنتهي إلا بعد أن "تُلقي حماس سلاحها وتُطلق سراح الرهائن الـ48 المتبقين، وأن تُغادر قيادة الجماعة غزة"، وإذا لم تستجب لهذه المطالب، فستُجبر إسرائيل الحركة على الاستسلام الكامل بهجمات جوية وبرية، وهي استراتيجية لا تتماشى مع رؤية ترمب لإنهاء الصراع المستمر منذ ما يقرب من عامين عن طريق التفاوض، بحسب المصادر.
ورفض نتنياهو صراحةً استبعاد توجيه ضربات إلى الدول المجاورة في المستقبل لاستهداف "حماس"، قائلاً إن بلاده "استهدفت منذ فترة طويلة على أراض أجنبية أشخاصاً تُحمّلهم مسؤولية الهجمات الإرهابية على إسرائيل: هذا هو المبدأ الذي أرسيناه.. لم يتغير"، ومع ذلك، لم يُمارس ترمب ضغطاً صريحاً سوى على "حماس"، وأصدر تحذيرات متكررة من أن الحركة ستواجه المزيد من العنف.
"المغفرة" رغم الغضب
وتنقل الصحيفة عن المدير السابق لشؤون الديمقراطيين في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي داميان مورفي قوله: "يعلم نتنياهو أنه رغم تذمر البيت الأبيض قليلاً، إلا أنه لا يوجد أي ضرر في نهج طلب المغفرة، لا الإذن"، ما يعني أن يبادر رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى أي فعل قد يغضب واشنطن، ثم يطلب الصفح، بدلاً من طلب الإذن مسبقاً.
بدوره، قال مايكل أورين، السفير الإسرائيلي السابق لدى الولايات المتحدة في عهد نتنياهو، إن أكبر مشكلة في الهجوم الإسرائيلي على قطر ربما كانت عدم نجاحها، مضيفاً: "لو نجحت عمليتنا في الدوحة، لما أدانها ترمب، بل كان سينسب الفضل إليها.. إنه يحب المنتصرين".
وتابع: "قد ينطبق المنطق نفسه على غزة، لا بد من وجود شخص يقف بعلم إسرائيلي ويعلن أننا انتصرنا.. أعتقد أن نتنياهو يدرك هذا الأمر بشأن ترمب".
ونقلت "وول ستريت جورنال" عن شالوم ليبنر، الذي خدم 7 رؤساء وزراء إسرائيليين متعاقبين على مدى ربع قرن، ويعمل الآن في المجلس الأطلسي، وهو مركز أبحاث في واشنطن: "إنه أمر محير بعض الشيء ويخالف البديهة".
وأضاف ليبنر، في إشارة إلى تطبيع إسرائيل للعلاقات مع عدد من الدول العربية: "أدت تحركات نتنياهو إلى إطالة أمد حرب غزة، وتسببت في مشاكل لترمب مع حلفاء للولايات المتحدة آخرين في المنطقة، وجعلت توسيع اتفاقيات أبراهام أمراً بالغ الصعوبة".
وقال إيتامار رابينوفيتش، السفير الإسرائيلي السابق لدى الولايات المتحدة خلال إدارة بيل كلينتون: "أنا حائر، وكذلك العديد من الإسرائيليين الآخرين.. إنه (نتنياهو) مُحاصر ويرتكب أخطاء.. والأمر الوحيد الذي يُفيده حقاً هو دعم ترمب".
ولم يتحول غضب ترمب إلى أي شكل من أشكال الضغط العام على نتنياهو، فقد رفض استغلال الدعم العسكري والسياسي الأميركي الواسع لإسرائيل، بالإضافة إلى علاقته الشخصية الوثيقة بنتنياهو، بل اختار الوقوف مكتوف الأيدي بينما تشن إسرائيل هجوماً واسعاً على مدينة غزة، ويشاهد تلاشي احتمالات اتفاق السلام الذي يطمح إليه.
وتقول الصحيفة الأميركية: "يعتقد نتنياهو وترمب أنهما روحان متقاربتان، وكلاهما واجها اضطهاداً من نخب بلديهما، بما في ذلك محاكمات جنائية، وكلاهما يعتبر نفسه من الخارج (من خارج النظام السياسي التقليدي) يُصلح نظاماً فاسداً".
ترمب ونتنياهو.. علاقات ممتازة
واستخدم ترمب أحياناً لغة قاسية تجاه نتنياهو، بما في ذلك عند تهنئته جو بايدن لفوزه بانتخابات الرئاسة الأميركية عام 2020، عندما قال للصحفي باراك رافيد إنه يعتبر رئيس الوزراء الإسرائيلي "خائناً".
من جانبه، وصف عمر دوستري، المتحدث السابق باسم نتنياهو، العلاقات بينهما بأنها "وثيقة للغاية"، فيما وصف مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى العلاقة بين نتنياهو وترمب بأنها "ممتازة"، زاعماً أن أي تقارير تُخالف ذلك تُعدّ "كاذبة" وأن "المصالح والقيم الأساسية للولايات المتحدة وإسرائيل مترابطة بشكل وثيق".
وترى "وول ستريت جورنال" أن أسباب استمرار العلاقات الودية بين ترمب ونتنياهو تتعلق بنفوذ الزعيم الإسرائيلي في الكونجرس ووسائل الإعلام ذات التوجه الجمهوري.
وكثيراً ما يلتقي نتنياهو بمشرعين أميركيين في إسرائيل، وكانت مقابلاته مع وسائل الإعلام الأميركية في الأشهر الأخيرة في الغالب مع وسائل إعلام يتابعها مؤيدو ترمب، بما في ذلك "فوكس نيوز" و"نيوزماكس" وشبكة OAN.
دعم جمهوري
وفي حين انخفض دعم الديمقراطيين لإسرائيل بشكل حاد في السنوات الأخيرة، إلا أنه لا يزال مرتفعاً بين الجمهوريين، إذ أظهر استطلاع رأي، أجرته مؤسسة "جالوب" في يوليو، أن ثلثي الجمهوريين لديهم وجهة نظر إيجابية تجاه نتنياهو، مقابل 9% بين الديمقراطيين.
وقال أفنر جولوف، المدير الأول السابق في مجلس الأمن القومي الإسرائيلي ونائب رئيس منظمة "مايند إسرائيل"، غير الربحية التي تُركز على الأمن ومقرها تل أبيب: "يريد الجمهوريون رؤية قصة نجاح ضد حماس".
ومع ذلك، بدأت تظهر بعض التصدعات في الدعم القوي لإسرائيل من الجمهوريين، حيث انتقد أعضاء تحالف MAGA (لنجعل أميركا عظيمة مجدداً) إسرائيل علناً، ونتنياهو على وجه التحديد، مجادلين بأن استمرار الحرب في غزة يهدد بجر الولايات المتحدة إلى عمق الصراع.
واتهمت النائبة مارجوري تايلور جرين في يوليو، إسرائيل بارتكاب "إبادة جماعية" في غزة.
ولا يرغب ترمب في قطيعة علنية مع نتنياهو، إذ قال مسؤولون أميركيون إنه فخور بعلاقاته الوثيقة مع نتنياهو ودعمه لإسرائيل، وكثيراً ما يتباهى بإبرام الاتفاقيات الإبراهيمية التي تم التوصل إليها خلال ولايته الأولى.
وفي المقابل، يجد نتنياهو سبلاً للتقرب من الدائرة المقربة من ترمب ومغازلة الرئيس مباشرةً، إذ شارك نتنياهو، إلى جانب السفير الأميركي لدى إسرائيل مايك هاكابي، السبت، في حفل وضع حجر الأساس لتسمية ممشى في مدينة بات يام الساحلية باسم "ترمب".
وفي الواقع، بنى نتنياهو علاقةً تمكنه من المخاطرة مؤقتاً بغضب ترمب، مدركاً أن هذا الغضب لن يدوم، وكثيراً ما وصف ترمب بأنه "أفضل صديق حظيت به إسرائيل في البيت الأبيض".
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي قال، الثلاثاء، إن الرئيس الأميركي دعاه إلى البيت الأبيض في 29 سبتمبر الجاري، وذلك بعد أن يلقي كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.