"ولايات إحكام السيطرة".. مفتاح طالبان لتمهيد الطريق إلى كابول

time reading iconدقائق القراءة - 9
قوات أمن أفغانية خلال قتال مع حركة "طالبان" في مدينة قندوز، 19 مايو 2020 - AFP
قوات أمن أفغانية خلال قتال مع حركة "طالبان" في مدينة قندوز، 19 مايو 2020 - AFP
دبي -الشرق

يثير التقدّم السريع لحركة "طالبان"، وسيطرتها على عواصم ولايات أفغانية، لا سيّما في الشمال، وخصوصاً مدينة قندوز، تساؤلات بشأن قدرة القوات الحكومية على صدّ هجوم ضارٍ تشنّه الحركة، بالتزامن مع استكمال الجيش الأميركي ووحدات حلف شمال الأطلسي (ناتو)، الانسحاب مع البلاد.

ويعكس تقدّم "طالبان" زخماً هجومياً، أقرّت به واشنطن، وتقهقراً للقوات الحكومية، التي يبدو أنها تعاني بشدة من عواقب انسحاب وحدات "التحالف"، في تحوّل عسكري يضغط على حكومة الرئيس أشرف غني، ويستدعي رد فعل بعد سقوط مدن استراتيجية.

وخلال فترة وجيزة، سيطرت الحركة على 6 من عواصم الولايات الأفغانية الـ 34، هي قندوز، عاصمة الإقليم الذي يحمل الاسم ذاته، وساري بول عاصمة الإقليم الذي يحمل الاسم ذاته، وتالقان عاصمة إقليم تخار، وشبرغان عاصمة إقليم جوزجان، وزرنج عاصمة إقليم نيمروز، وأيبك عاصمة إقليم سمنغان.

في الوقت ذاته، تتعرّض قندهار وهرات، ثاني وثالث أبرز مدن البلاد، ولشكركاه، عاصمة إقليم هلمند، لهجمات من الحركة، كما أفادت وكالة "فرانس برس".

واعتبرت الوكالة أن عجز السلطات في العاصمة كابول عن السيطرة على شمال البلاد، قد يكون أمراً حاسماً لفرص الحكومة في البقاء، إذ لطالما اعتُبر شمال أفغانستان معقلاً للمعارضة في مواجهة الحركة، بعد تسلّمها السلطة في تسعينيات القرن الماضي.

ونقلت الوكالة عن إبراهيم ثوريال باهيس، وهو مستشار في "مجموعة الأزمات الدولية" (مقرها بروكسل)، قوله إن "الاستيلاء على قندوز مهم حقاً، إذ سيتيح إطلاق عدد ضخم من مسلحي طالبان، الذين يمكن حشدهم في أماكن أخرى في شمال أفغانستان".

مفترق طرق استراتيجي

قندوز مفترق طرق استراتيجي، إذ تطلّ على معظم شمال أفغانستان، وكابول التي تبعد عنها نحو 335 كيلومتراً، وتشكّل السيطرة عليها مكسباً مهماً للحركة، واختباراً لقدرتها على الاستيلاء على أراضٍ والاحتفاظ بها، علماً بأنها إحدى أكبر المدن في البلاد، ويقطنها أكثر من 340 ألف فرد، وتقع في منطقة زراعية ضخمة قرب طاجيكستان.

وسيطرت الحركة على قندوز لنحو أسبوعين عام 2015، قبل أن تنسحب بعد هجوم للقوات الأفغانية دعمه حلف شمال الأطلسي، وبعد سنة عادت "طالبان" إلى وسط المدينة، ورفعت علمها لفترة وجيزة، قبل إخراجها منها مرة أخرى.

واعتبرت "هيئة الإذاعة البريطانية" (بي بي سي) أن الاستيلاء على قندوز أبرز مكسب للحركة، منذ بدأت هجومها، في مايو الماضي؛ لأن المدينة تشكّل بوابة إلى المقاطعات الشمالية الغنية بالمعادن، كما أن موقعها يجعلها ذات أهمية استراتيجية، إذ ثمة طرق سريعة تربطها بمدن رئيسة أخرى، بما في ذلك كابول، كما أن للمقاطعة حدوداً مع طاجيكستان.

وتُستخدم تلك الحدود لتهريب الأفيون الأفغاني والهيروين إلى آسيا الوسطى، ثم إلى أوروبا، ويعني الاستيلاء على قندوز السيطرة على أحد أهم طرق تهريب المخدرات في المنطقة، كما أن للمدينة أهمية رمزية بالنسبة إلى "طالبان"، إذ كانت معقلاً أساسياً لها في الشمال، قبل الغزو الأميركي عام 2001، وفق "بي بي سي".

"تحالف الشمال"

ورأت الشبكة البريطانية أن احتفاظ الحركة بقندوز سيكون صعباً، مستدركة أنها سيطرت طيلة أسابيع، على مراكز مهمة للتجارة مع إيران وباكستان.

وأشارت إلى "سابقة" في الهجوم على مدن استراتيجية وسقوطها في يد "طالبان"، معتبرة أن "حدوث تغيير كبير في ساحة المعركة كان متوقعاً، مع اقتراب الموعد النهائي للانسحاب الكامل للقوات الأجنبية"، مشيرة إلى أن "الوقت حان الآن لكي تثبت الحكومة الأفغانية أن قواتها، المجهزة بشكل جيد، وتُعدّ 350 ألف جندي، قادرة على استعادة المناطق التي خسرتها".

وكالة "أسوشيتد برس" أفادت بأن مسؤولين بارزين في مجلس الأمن القومي التابع للبيت الأبيض، ووزارتَي الخارجية والدفاع، هم على اتصال وثيق بمسؤولي السفارة الأميركية في كابول، لتقييم تأثير سقوط قندوز. واستدركت أن إدارة الرئيس جو بايدن لا تزال مصمّمة على إنهاء الحرب الأميركية في أفغانستان، بحلول نهاية الشهر الجاري، رغم المكاسب الاستراتيجية السريعة لـ"طالبان".

وبعد سيطرة الحركة على تالقان، عاصمة ولاية تخار القريبة من قندوز، أشارت الوكالة إلى أن الولاية لها أهمية خاصة بالنسبة إلى "تحالف الشمال" الذي انضمّ إلى التحالف الذي قادته الولايات المتحدة للإطاحة بـ"طالبان"، عام 2001.

بايدن في "مأزق صعب"

صحيفة "نيويورك تايمز" أشارت إلى أنه لم يسبق، خلال عقدين من الحرب في أفغانستان، أن هاجمت "طالبان" بشكل مباشر أكثر من عاصمة إقليمية في وقت واحد، وبعد سقوط 3 مدن الأحد، هي قندوز وساري بول وتالقان، وكلها في الشمال، باتت المدن المكتظة بالسكان محاصرة، في "انتكاسة مدمّرة بالنسبة للحكومة الأفغانية".

وأضافت أن ذلك يضع الرئيس الأميركي جو بايدن في "مأزق صعب"، مشيرة إلى تقديرات بأن الحركة سيطرت منذ بدء الانسحاب الأميركي، على أكثر من نصف المقاطعات الأفغانية الـ 400.

واعتبرت أن الهجمات التي شنّتها "طالبان" أخيراً على عواصم ولايات، انتهكت اتفاق السلام الذي أبرمته مع الولايات المتحدة، العام الماضي، إذ التزمت بالامتناع عن مهاجمة المراكز الإقليمية، مثل قندوز.

ورأت الصحيفة أن انتصارات الحركة "كثفت تطويقاً استراتيجياً ونفسياً لكابول"، ورجّحت أن تكون امتنعت عن شنّ عمليات عسكرية مكثفة حول العاصمة، "ربما في انتظار قياس ردّ الفعل الأميركي والحكومي على انتصاراتها الأخيرة".

وزادت الصحيفة أن حصاراً متزامناً لمراكز مقاطعات، أدى إلى استنفادٍ خطِر لقوات الأمن الأفغانية ومواردها العسكرية.

وركّزت القوات الأفغانية في الأيام الأخيرة على الدفاع عن مدن أساسية، مثل لشكركاه وقندهار جنوباً، وهرات غرباً وقندوز شمالاً، مّا سهّل الاستيلاء على مناطق أخرى.

انهيار الحكومة الأفغانية

وذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" أن مسؤولين أفغاناً وغربيين أعربوا عن خشيتهم من انهيار كامل للحكومة الأفغانية في الخريف المقبل، إن لم يواجَه هجوم "طالبان" بردّ دولي صارم.

وأضافت أن "أكبر مدن البلاد بعد العاصمة، مثل قندهار وهرات ومزار الشريف، باتت معزولة وضعيفة، مع وصول طالبان إلى أطرافها".

وتابعت أن سحب الولايات المتحدة كل وحداتها القتالية، ومتعاقدين اعتمد عليهم الجيش الأفغاني لخدمة مقاتلاته ومروحياته العسكرية، حدّ من قدرة كابول على تأمين دعم جوي لقواتها، لا يمكن عادة توفيره براً، نتيجة سيطرة الحركة على الريف.

ونقلت الصحيفة عن سيث جونز، نائب الرئيس الأول في "مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية" (مقره واشنطن)، قوله: "التقدّم العسكري لطالبان لا يحدث في فراغ، الحركة كانت تموضع مقاتلين، وتخزّن أسلحة وذخيرة ومعدات، طيلة أشهر حول عواصم الولايات، مثل قندوز وزرنج وساري بول، في انتظار فرصة لشنّ هجوم".

وأشار إلى أن عناصر في الجيش الأفغاني لا يزالون أقوياء، لكنهم محبطون نتيجة غياب القوة الجوية الأميركية، والقوات الخاصة التي دعمت عملياته في السنوات الماضية.

وأضاف: "التزمت إدارة بايدن الصمت بشكل ملحوظ بشأن مساعدة الحكومة الأفغانية، مع استمرار سقوط المدن في يد طالبان".

في السياق ذاته، اعتبرت مجلة "ذي إيكونوميست" أن سقوط المدن الكبرى ليس أمراً حتمياً، مستدركة أن "الوضع مذلّ بالنسبة للقوى الغربية التي أمضت قواتها المسلحة سنوات في محاولة لتأمين أفغانستان".

وتابعت: "نظرياً، تتفاوض طالبان على تسوية مع حكومة كابول.. عملياً، كان الاتفاق مع الولايات المتحدة ورقة تين لإخفاء فشل المهمة الأميركية، يبدو أن طالبان مصمّمة على الاستيلاء على السلطة بالقوة".

اقرأ أيضاً: