الاعتراف بالدولة الفلسطينية.. التاريخ والمسيرة والنتائج العملية

ما تأثير قرارات الاعتراف على مكانة فلسطين بالأمم المتحدة؟ وماذا تعني؟

time reading iconدقائق القراءة - 11
رئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات يلقي كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في مقر الأمم المتحدة بنيويورك. 11 نوفمبر 2001 - REUTERS
رئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات يلقي كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في مقر الأمم المتحدة بنيويورك. 11 نوفمبر 2001 - REUTERS
دبي-الشرق

تتجه الأنظار إلى نيويورك، الاثنين، وسط ترقب لاعتراف المزيد من الدول بالدولة الفلسطينية خلال فعاليات الجمعية العامة للأمم المتحدة، إذ تتزايد الأصوات المطالبة بتكريس الحق الفلسطيني في إقامة دولة مستقلة ذات سيادة، من أجل الحفاظ على حل الدولتين قائماً لمواجهة الحرب الشرسة التي تشنها إسرائيل على الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية.

وشهدت الأيام الأخيرة اعترافات رسمية من دول كبرى مثل بريطانيا وكندا وأستراليا والبرتغال بدولة فلسطين، في تطور يُعدّ تاريخياً ويعكس تحوّلاً في المزاج السياسي الدولي تجاه القضية الفلسطينية.

ويفتح هذا الزخم الدبلوماسي الباب أمام تساؤلات جوهرية حول تداعيات هذه الاعترافات على مستقبل حل الدولتين، وكيف كانت المسيرة.

متى بدأ الفلسطينيون المطالبة بالاعتراف بدولة فلسطين؟

بدأت المطالبة بالاعتراف بدولة فلسطين منذ النكبة عام 1948، حين قام الإسرائيليون بتهجير مئات الآلاف من الفلسطينيين من أراضيهم.

ومع تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964، بدأ الفلسطينيون في بناء تمثيل سياسي معترف به عربياً ودولياً.

متى تم الإعلان لأول مرة عن إقامة الدولة الفلسطينية؟

في 15 نوفمبر 1988، أي بعد نحو سنة من انطلاق الانتفاضة الفلسطينية الأولى ضد الاحتلال الإسرائيلي، أعلن زعيم منظمة التحرير ياسر عرفات في الجزائر "قيام دولة فلسطين" وعاصمتها القدس المحتلة، خلال انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني في المنفى.

كيف بدأ اعتراف العالم بالدولة الفلسطينية؟

بعد دقائق من إعلان عرفات إقامة دولة فلسطين، اعترفت بها الجزائر رسمياً. وبعد أسبوع، اتخذت 40 دولة، بينها الصين والهند وتركيا ومعظم الدول العربية، الخطوة نفسها، فيما تبعتها جميع دول القارة الإفريقية والكتلة السوفياتية السابقة، حتى بلغ العدد في ذلك العام 78 دولة.

وفي عامي 2010 و2011، اعترفت معظم بلدان أميركا الوسطى واللاتينية بالدولة الفلسطينية، معبرة بذلك عن ابتعادها عن الولايات المتحدة، حليفة إسرائيل. ولا تحدّد الدول التي تعترف بدولة فلسطين إجمالاً ما هي حدود الدولة التي تعترف بها.

وفي العام 2024، انضمت دول أخرى، واستمر الأمر خلال العام 2025، حتى تجاوز عدد الدول المعترفة بدولة فلسطين 150 من أصل 193 دولة.

وماذا عن الأمم المتحدة؟

في 29 نوفمبر 2012، حصلت فلسطين على صفة "دولة مراقبة غير عضو" في الجمعية العامة للأمم المتحدة، بعد تصويت 138 دولة لصالح القرار مقابل اعتراض 9 وامتناع 41.

هذا الاعتراف الأممي عزز مكانة فلسطين في المنظمات الدولية مثل اليونسكو والمحكمة الجنائية الدولية.

ويتمتع وفد يمثل دولة فلسطين رسمياً بصفة مراقب دائم، لكن ليس له حق التصويت في الأمم المتحدة.

وتخضع البعثات الدبلوماسية الفلسطينية في جميع أنحاء العالم لسيطرة السلطة الفلسطينية المعترف بها دولياً ممثلاً للشعب الفلسطيني.

هل يؤثر تزايد الاعترافات الدولية بمكانة فلسطين في الأمم المتحدة؟

بغض النظر عن عدد الدول التي تعترف بالدولة الفلسطينية، فإن العضوية الكاملة في الأمم المتحدة تتطلب موافقة مجلس الأمن، حيث تتمتع الولايات المتحدة، الداعمة لإسرائيل، بحق النقض (الفيتو).

كيف يبدو التمثيل الدبلوماسي الأجنبي لدى دولة فلسطين؟

معظم الدول التي تقيم علاقات دبلوماسية مع السلطة الفلسطينية لا تفتح سفارات رسمية، بل مكاتب تمثيلية، بسبب عدم الاعتراف الكامل من إسرائيل بدولة فلسطين، ما يجعل الدول تتجنب استخدام مصطلح "سفارة" لتفادي التوترات الدبلوماسية.

وتؤدي هذه المكاتب وظائف دبلوماسية كاملة مثل التنسيق السياسي، الدعم التنموي، والتواصل مع مؤسسات السلطة الفلسطينية.

نحو 40 دولة لها مكاتب قنصلية في رام الله بالضفة الغربية، أو في القدس الشرقية التي لم يلق إعلان إسرائيل ضمها باعتراف دولي ويريدها الفلسطينيون عاصمة لهم.

ومن بين هذه الدول الصين وروسيا واليابان وألمانيا وكندا والدنمارك ومصر والأردن وتونس وجنوب إفريقيا.

وبعض الدول، مثل جنوب إفريقيا وقطر، لديها مكاتب في غزة أيضاً، رغم التحديات الأمنية والسياسية هناك.

وبعض الدول، التي لا تملك تمثيلاً مباشراً في فلسطين، تعتمد سفاراتها في العاصمة الأردنية عمان أو المصرية القاهرة كممثلين دبلوماسيين لدى السلطة الفلسطينية، مثل: سوريا، العراق، إندونيسيا، وماليزيا.

والاتحاد الأوروبي لديه بعثة رسمية في فلسطين، ويُعد من أبرز الداعمين السياسيين والماليين للسلطة الفلسطينية.

كما أن منظمات مثل الأمم المتحدة، الصليب الأحمر، واليونسكو لها مكاتب نشطة في الأراضي الفلسطينية.

ما موقف الولايات المتحدة من الاعتراف بالدولة الفلسطينية؟

اعترفت واشنطن بالسلطة الفلسطينية منذ تشكيلها في منتصف التسعينيات، ومنذ ذلك الحين، أعرب العديد من الرؤساء الأميركيين عن دعمهم لإقامة دولة فلسطينية في نهاية المطاف، لكن دونالد ترمب ليس واحداً منهم.

وفي ظل إدارتيه، السابقة والحالية، انحازت السياسة الأميركية بشكل صارخ لصالح إسرائيل.

ولم تخف إدارة ترمب أبداً معارضتها للاعتراف، ومن الواضح أن موقف الولايات المتحدة قد تصلب إلى معارضة صريحة لمفهوم الاستقلال الفلسطيني ذاته.

وفي يونيو، قال السفير الأميركي الحالي في إسرائيل، مايك هاكابي، إنه يعتقد أن الولايات المتحدة لم تعد تدعم إنشاء دولة فلسطينية.

وفي الآونة الأخيرة، قال وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، إن حركة حماس "ستشعر بمزيد من الجرأة" بسبب المسعى الدولي للاعتراف بفلسطين.

وكررت كلمات روبيو، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في 15 سبتمبر، الادعاء الإسرائيلي بأن الاعتراف بالدولة الفلسطينية "مكافأة للإرهاب"، في أعقاب هجمات 7 أكتوبر 2023.

وقال روبيو أيضاً إن الولايات المتحدة حذرت أولئك الذين يدافعون عن الاعتراف من أنه قد يستفز إسرائيل لضم الضفة الغربية.

وقال للصحافيين في بداية سبتمبر: "قلنا لهم إن ذلك سيؤدي إلى مثل هذه الأنواع من الإجراءات المتبادلة وأنه سيجعل وقف إطلاق النار (في غزة) أكثر صعوبة".

وبادرت واشنطن بفرض عقوبات على مسؤولين فلسطينيين، شملت رفض وإلغاء تأشيرات دخول، مما منع الرئيس الفلسطيني محمود عباس وشخصيات أخرى من السلطة الفلسطينية من المشاركة في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.

ومع ذلك، في أغسطس، أظهر استطلاع جديد للرأي أجرته "رويترز/إبسوس"، أن أغلبية تبلغ 58% من الأميركيين يعتقدون أنه ينبغي على جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة الاعتراف بدولة فلسطين.

وفي أغسطس أيضاً، وقع أكثر من 12 عضواً ديمقراطياً في مجلس النواب على رسالة لحث إدارة الرئس الأميركي دونالد ترمب على الاعتراف بدولة فلسطينية، في حين يعتزم عضو واحد على الأقل،    

ما الهدف من الاعتراف بدولة فلسطينية؟

تقول دول مثل بريطانيا إن الاعتراف بالدولة الفلسطينية "يهدف إلى الضغط على إسرائيل لإنهاء حربها على غزة والحد من بناء مستوطنات يهودية جديدة في الضفة الغربية المحتلة، وإعادة الالتزام بعملية سلام مع الفلسطينيين".

بحسب صحيفة "الجارديان"، تعترف المملكة المتحدة رسمياً بفلسطين كدولة مستقلة كجزء من محاولة للحفاظ على رؤية حل الدولتين التي تتعايش فيها دولة فلسطين إلى جانب إسرائيل.

وهناك مخاوف حقيقية من أن إسرائيل على وشك ضم الضفة الغربية أو جعل غزة غير صالحة للسكن بشكل قد يدفع الفلسطينيين إلى عبور الحدود باتجاه الأردن أو مصر، مما يؤدي إلى تدمير إمكانية وجود وطن فلسطيني.

والاعتراف بأن فلسطين دولة لها حق تقرير المصير هو محاولة لإظهار أن إسرائيل لا تستطيع ببساطة ضم الأراضي التي أعلنت محكمة العدل الدولية أنها محتلة بشكل غير قانوني.

وحين طلبت إسرائيل من بريطانيا عدم الاعتراف بالدولة الفلسطينية، اشترطت لندن وقف إطلاق النار في غزة، وإنهاء الحرب الإسرائيلية، والالتزام بمفاوضات بشأن حل الدولتين، وهو ما رفضته تل أبيب.

ماذا يعني الاعتراف عملياً؟

الاعتراف رمزي إلى حد كبير، لكنه يسمح للدول التي اعترفت بالدولة الفلسطينية بالدخول معها في معاهدات، ويعني أن يصبح رئيس البعثة الفلسطينية سفيراً معترفاً به بالكامل.

ويجادل البعض بأنه سيتم وضع عبء أكبر على عاتق الدول المعترفة لمقاطعة البضائع التي تستوردها من إسرائيل، خاصة بضائع المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية داخل الأراضي المحتلة.

ويشير الذين يرون أن الاعتراف لفتة رمزية إلى حد بعيد إلى محدودية تأثير دول مثل الصين والهند وروسيا، والعديد من الدول العربية التي اعترفت بدولة فلسطينية منذ عقود.

ودون مقعد كامل في الأمم المتحدة أو السيطرة على حدودها، لا تملك السلطة الفلسطينية سوى قدرة محدودة على إدارة العلاقات الثنائية.

وتقيد إسرائيل سبل التجارة والاستثمار والتبادل التعليمي أو الثقافي، ولا توجد مطارات فلسطينية، ولا يمكن الوصول إلى الضفة الغربية، وهي أرض حبيسة بلا سواحل، إلا من خلال إسرائيل أو عبر الحدود التي تسيطر عليها إسرائيل مع الأردن، إذ تسيطر الآن على جميع المنافذ المؤدية إلى قطاع غزة.

ومع ذلك فإن الدول التي تعتزم الاعتراف بدولة فلسطينية، بل والسلطة الفلسطينية ذاتها، تقول إن "ذلك سيكون أكثر من مجرد لفتة فارغة من الدلالة والتأثير".

وقال السفير الفلسطيني لدى بريطانيا حسام زملط إن "الاعتراف ربما يفضي إلى عقد شراكات بين كيانات على قدم المساواة".

وقال القنصل البريطاني العام السابق في القدس فنسنت فين إن "الاعتراف بدولة فلسطينية، ربما يتطلب أيضاً من الدول مراجعة جوانب من علاقاتها مع إسرائيل".

وأضاف أنه في حالة بريطانيا، قد يؤدي ذلك إلى اتخاذ خطوات مثل حظر المنتجات القادمة من المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، رغم أن التأثير العملي على الاقتصاد الإسرائيلي سيكون ضئيلاً.

كيف سترد إسرائيل على الاعترافات الدولية بدولة فلسطين؟

وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الاعترافات الغربية بأنها "تهديد لوجود إسرائيل" زاعماً أنها "جائزة غير منطقية للإرهاب"، مؤكداً أن حكومته ستخوض "معركة دبلوماسية" في الأمم المتحدة ضد هذه الدعوات.

واعتبر وزير الأمن القومي إيتمار بن جفير أن الاعترافات تمثل "مكافأة للقتلة"، ودعا إلى فرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية وسحق السلطة الفلسطينية.

وقال وزير المالية بتسلئيل سموتريتش إن "أيام تحديد بريطانيا ودول أخرى لمستقبلنا قد ولّت"، مطالباً برد عملي يتمثل في ضم الضفة الغربية.

وأعلنت الحكومة الإسرائيلية نيتها توسيع الاستيطان اليهودي في الضفة الغربية المحتلة كرد مباشر على الاعترافات الدولية.

وهذا التوجه يُعد تصعيداً ميدانياً يهدف إلى فرض وقائع جديدة على الأرض، في مواجهة المساعي الدولية لتجسيد حل الدولتين.

تصنيفات

قصص قد تهمك