
قالت وزارة الخارجية الروسية، الأربعاء، إن الوزير سيرجي لافروف اتفق مع نظيره الأميركي ماركو روبيو على تنسيق الجهود لمعالجة الأسباب الجذرية للأزمة الأوكرانية وإيجاد حلول سلمية لها.
وجاء في بيان صدر في موسكو، أن لافروف أكد خلال مباحثاته مع نظيره الأميركي اهتمامهما بإيجاد حلول سلمية للصراع، وفقاً للتفاهمات التي جرى التوصل إليها في قمة ألاسكا بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الأميركي دونالد ترمب.
وذكر البيان أن "لافروف أشار إلى عدم قبول المخططات التي تروج لها كييف وبعض الدول الأوروبية لإطالة أمد الصراع.
وجاء اللقاء، الذي عُقد على هامش انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، الأربعاء، بعد أن أطلق ترمب تصريحات متضاربة بشأن النزاع الروسي الأوكراني، وصف فيها روسيا بأنها "نمر من ورق"، وأكد أن "أوكرانيا قادرة على استعادة جميع أراضيها، والتحرك الآن في ظل أزمة روسيا الاقتصادية"، كما دعا الدول المجاورة لروسيا إلى إسقاط الطائرات الحربية الروسية في حال انتهاك أجوائها.
أثارت هذه التصريحات حماس الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الذي اعتبرها تحولاً كبيراً، فيما لفت الناطق باسم الرئاسة الروسية، ديميتري بيسكوف، إلى أن روسيا "دبّ وليست نمراً، ولا وجود لدببة من ورق".
وقال إنه من الخطأ الاعتقاد بأن أوكرانيا قادرة على استرجاع الأراضي، مشيراً إلى أن الوضع على جبهات القتال خير دليل على ذلك.
ولفت بيسكوف إلى أن العلاقات بين موسكو وواشنطن تواجه عراقيل تراكمت على مدى عقود ماضية، معتبراً إيّاها "معقدة للغاية"، وتشكل عائقاً أمام تطبيع العلاقات الثنائية بين البلدين.
ولم يتطرق البيان الروسي، الذي صدر في أعقاب اجتماع لافروف وروبيو، إلى تصريحات ترمب، التي أثارت الكثير من الجدل في وسائل الإعلام الروسية والغربية على حد سواء.
وفي هذا السياق، قلّل خبراء روس تحدّثوا لـ"الشرق"، من أهمية تقلبات الرئيس ترمب المزاجية، واعتبروها رسائل موجّهة إلى الداخل الأميركي بالدرجة الأولى، ولا تعبّر حقيقة عن مواقفه الفعلية.
مواقف ترمب المتبدّلة
قال مدير مركز الأبحاث السياسية والعسكرية في كلية السياسة العالمية بجامعة موسكو الحكومية، الجنرال يفجيني بوجينسكي، إن الجانب الروسي اعتاد على تقلبات ترمب وتضارب تصريحاته، موضحاً أن "الرئيس الأميركي متعدد الوجوه، فهو يتحدث بلغة معينة عندما يكون على انفراد مع بوتين، ثم تختلف تصريحاته العلنية أمام الكاميرات ومن على المنابر".
وأضاف: "لا يجوز التعامل بجدية مع تقلبات ترمب"، معرباً عن اعتقاده بأن الجانبين الروسي والأميركي أجريا مباحثات جدية في ألاسكا، واتفقا حول العديد من القضايا.
ولفت بوجينسكي النظر إلى أن الأوروبيين فشلوا حتى الآن في جذب ترمب إلى "حظيرة" معاداة روسيا، قائلاً: "على العكس تماماً، فإن ترمب حمّل الأوروبيين المسؤولية عن مساعدة أوكرانيا، وتولّي مهمة مواجهة روسيا في القارة الأوروبية".
واستبعد أن تؤدي تصريحات ترمب إلى تردي في العلاقات الروسية الأميركية، مشيراً في الوقت نفسه، إلى احتمال أن يتخلى ترمب عن دور الوساطة في تسوية النزاع الروسي الأوكراني.
روسيا تقيّم ترامب بأفعاله لا بأقواله
من جانبه، دعا مدير المجلس الروسي للعلاقات الدولية والخبير في الشؤون الأميركية، أندريه كورتونوف، إلى التفريق بين المصالح الحالية والرؤية المبدئية للرئيس ترمب، مشيراً إلى احتمال حدوث تغيير في تفاصيل بعض المواقف للرئيس الأميركي حيال النزاع الروسي الأوكراني، ارتباطاً بعدم حدوث تقدم في جهود التسوية.
وأوضح كورتونوف أن هذا الأمر يدفعه للتهديد بفرض عقوبات جديدة ضد روسيا، انطلاقاً من رؤيته وفهمه للمصالح الأميركية، ملاحظاً أن ترمب يقلل من أهمية العمل في إطار التجمعات والمؤسسات الدولية متعددة الأطراف، ويؤمن بأن العالم يمثل ساحة يعمل فيها كل طرف لمصلحته.
ورداً على سؤال حول قيام الرئيس ترمب بوصف روسيا بأنها "نمر من ورق"، استبعد كورتونوف أن تبدي القيادة الروسية ردود فعل حادة على مثل هذه التصريحات، لأنها تفضل التريث في انتظار أفعال محددة من قبل الإدارة الأميركية، انطلاقاً من فهمها لتقلبات الرئيس ترمب.
ولفت إلى أن روسيا ستواصل تقييم أداء الرئيس ترمب انطلاقاً من أفعاله وليس أقواله، معرباً عن قناعته بأن ردود فعل القيادة الروسية ستكون "متوازنة للغاية".
وفي تقييمه للإشارات الصادرة عن البيت الأبيض بشأن احتمال تخلي ترمب عن دور الوساطة في النزاع الروسي- الأوكراني، رأى كورتونوف أنه من "الصعب" أن يتخلى ترمب عن هذا الدور، بالنظر إلى مساعيه في هذا المسار.
وأضاف أن إقدامه على هذه الخطوة سيلحق ضرراً بسمعته، ولن يحدث إلا إذا تبين له غياب أي آفاق للتوصل إلى حلول وسط للأزمة الأوكرانية.
وأشار كورتونوف إلى أن الأوروبيين فشلوا في إقناع الرئيس ترمب بالانضمام إلى رؤيتهم في التعامل مع روسيا، قائلاً إن الرئيس الأميركي "وضع الأوروبيين في مأزق التخلي عن صادرات الطاقة الروسية، وفرض جمارك على شركاء روسيا التجاريين".
ولفت إلى أن ترمب يربط تحقيق هذه المطالب بتشديد الضغوط على روسيا، وقد "ألقى الكرة في الملعب الأوروبي" بانتظار ردودهم.
حالة ترقب دائم
وعزا كبير الباحثين في معهد الولايات المتحدة الأميركية وكندا بموسكو، بافل كوشكين، تغيّر مواقف ترمب حيال روسيا إلى رغبته في الضغط عليها بسبب فشل التوصل إلى تسوية للنزاع مع أوكرانيا.
وقال إن ترمب يطلق مثل هذه التصريحات بهدف إرضاء أنصاره داخلياً وخصوم روسيا في أوروبا من جهة، ولاستخدامها أداة ضغط على طرفي النزاع بهدف زحزحة العملية التفاوضية من نقطة الجمود من جهة أخرى.
وأضاف أن تردد الرئيس ترمب "دفعه للاستجابة نوعاً ما" للضغوط الأوروبية في التعامل مع موسكو، موضحاً: "لا ندري إن كانت تصريحاته صادقة أو تكتيكية بحتة، وهو بذلك يجعل خصومه في حالة ترقب دائم".
وحول احتمال تردي العلاقات الروسية- الأميركية، رجّح كوشكين احتمال حدوث مثل هذا الأمر نظراً لـ"نفاد صبر" ترمب إزاء غياب التقدم في التسوية الأوكرانية ورغبته في إزاحة حمل المسؤولية إلى الدول الأوروبية.
ولفت إلى أن ترمب يواجه ضغوطاً داخلية لتشديد مواقفه حيال روسيا، معتبراً أن غالبية الأميركيين، وبينهم كثر من الجمهوريين، تميل إلى دعم أوكرانيا.
وأعرب عن اعتقاده بأن العلاقات الروسية الأميركية ستشهد تراجعاً خلال العامين القادمين، لأن الرئيس ترمب يأخذ في عين الاعتبار مزاج الرأي العام الأميركي ومدى انعكاسه على الاستحقاقات الانتخابية المقبلة.