"العزلة الدولية" تطارد إسرائيل مع استمرار حرب غزة والاعتراف الواسع بدولة فلسطين

time reading iconدقائق القراءة - 10
احتجاجات منددة بالحرب الإسرائيلية على غزة في العاصمة الإيطالية روما. 22 سبتمبر 2025 - REUTERS
احتجاجات منددة بالحرب الإسرائيلية على غزة في العاصمة الإيطالية روما. 22 سبتمبر 2025 - REUTERS
دبي -الشرق

تشهد إسرائيل عزلة متنامية على الساحة الدولية، مع إعلان مزيد من الدول اعترافها بالدولة الفلسطينية، وتزايد الاتهامات بارتكاب "إبادة جماعية"، وصدور إدانات رفيعة المستوى بشأن الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة، فضلاً عن التهديدات التجارية المتصاعدة، وفق صحيفة "واشنطن بوست".

ويأتي كل ذلك في الوقت الذي يستعد فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لإلقاء كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك هذا الأسبوع.

ولاقت إسرائيل تنديداً عالمياً بسبب الحرب على غزة، التي توشك أن تدخل عامها الثالث، والتي تسببت في دمار واسع، وأودت بحياة أكثر من 65 ألف فلسطيني.

وباتت العلاقات التقليدية لإسرائيل متوترة، فشركاتها تواجه مقاطعات، بينما تحظى مقترحات استبعادها من فعاليات ثقافية ورياضية بتأييد متنامٍ، لكن هذه الخطوات لم تُحدث أثراً يُذكر على سياسات الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتشددة. 

ورغم الاعتراضات الشديدة، تواصل القوات الإسرائيلية التوغل في مدينة غزة، فيما استهدفت مطلع الشهر الجاري قيادات من حركة "حماس" الفلسطينية في العاصمة القطرية الدوحة، الحليف الوثيق لواشنطن.

ونقلت "واشنطن بوست" عن آرون ديفيد ميلر، وهو خبير في شؤون الشرق الأوسط، ومفاوض أميركي سابق قدم استشاراته لإدارات جمهورية وديمقراطية، قوله إن الضغوط الدبلوماسية لن تؤدي إلى تغيير في السياسات ما لم تقترن بـ"تكاليف أو عواقب كبيرة وجدية على إسرائيل".

وأضاف: "كل هذا الاعتراف (بدولة فلسطين) هو رد فعل على الفظائع الإنسانية، وإحباط وغضب من الارتفاع الهائل في أعداد الضحايا المدنيين الفلسطينيين، لكنه لا يؤثر على مسار أو تكتيكات أو استراتيجيات إسرائيل".

ويرى مراقبون أن تزايد العزلة ربما يؤدي إلى تقليص كبير في التجارة، ومنع العلماء الإسرائيليين من الشراكات البحثية مع أوروبا، وفرض قيود على السفر، وحظر مشاركة الرياضيين الإسرائيليين في البطولات الرياضية.

تحركات أوروبية نحو مواقف أكثر تشدداً

وحتى الآن، لم يتحقق شيء من ذلك، غير أن القادة الأوروبيين أصبحوا أكثر ميلاً للقول، إن موقفاً أكثر تشدداً بات ضرورياً، فيما يبدو أن القيادة الإسرائيلية تستعد لمعركة طويلة.

وفي مايو الماضي، علقت بريطانيا محادثات بشأن اتفاق تجاري جديد مع إسرائيل، على خلفية الحرب على غزة، بينما تعهد الاتحاد الأوروبي بمراجعة سياساته التجارية، غير أن الترتيبات القائمة لا تزال سارية.

ودعت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، في مطلع الشهر الجاري، إلى تعليق اتفاقية التجارة الحرة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، لكن لا يزال من غير الواضح إن كان الاتحاد قادراً على التوحد خلف مثل هذه الخطوة.

ورغم ذلك، تواصل وزارة الدفاع الإسرائيلية، الإعلان عن أرقام قياسية في صادرات السلاح، بالتوازي مع تدفق الأسلحة إلى إسرائيل بكميات كبيرة، إذ بلغت صادرات الدفاع 14.8 مليار دولار في عام 2024، أكثر من نصفها إلى دول أوروبية، وفق بيانات الوزارة.

وقرر عدد محدود من الدول، وقف بيع السلاح لإسرائيل، أو فرضت قيوداً عليه، إذ منعت ألمانيا مبيعات يمكن استخدامها في غزة، لكنها استمرت في تصدير أنظمة أخرى. أما إسبانيا فألغت الأسبوع الماضي طلبات فردية لصفقات سلاح.

الاعترافات الغربية بالدولة الفلسطينية

وخلال هذا الأسبوع، اعترفت بريطانيا وفرنسا وكندا بدولة فلسطين في الأمم المتحدة، لتنضم إلى أكثر من ثلاثة أرباع الدول الأعضاء في المنظمة الدولية التي باتت تعترف بفلسطين، وأكثر من نصف دول الاتحاد الأوروبي.

لكن هذه الخطوة لا ترفع مكانة فلسطين في الأمم المتحدة إلى ما بعد صفة "الدولة المراقب غير العضو"، التي حصلت عليها منذ عام 2012، إذ يتطلب ذلك تصويتاً في مجلس الأمن الدولي، حيث تتمتع الولايات المتحدة بحق النقض (الفيتو).

وعلى الرغم من الطابع الرمزي للاعتراف بالدولة الفلسطينية، في ظل الأوضاع الميدانية، يرى ميلر أن "الإسرائيليين أكثر توتراً مما يُظهرون".

وقد أقر نتنياهو بعزلة إسرائيل، لكنه وصفها بأنها نتيجة "لا مفر منها" لجهوده الرامية إلى الحفاظ على أمن البلاد. وفي مؤتمر هذا الشهر، دعا الإسرائيليين إلى تعزيز الاعتماد على الذات وتطوير ما وصفه بـ"مجتمع شبيه بإسبرطة خارقة"، في إشارة إلى المدينة اليونانية القديمة المعروفة بالاكتفاء الذاتي والانضباط العسكري الشديد والنزعة العسكرية الصارمة.

وقال نتنياهو: "ليس أمامنا خيار، على الأقل في السنوات المقبلة، حيث سنُضطر إلى مواجهة محاولات العزلة هذه"، معتبراً أن "طريقة إدارة الجيش الإسرائيلي للحرب على غزة ضرورية للقضاء على التهديد الذي تشكله حركة حماس)، وإعادة الأمن للشعب الإسرائيلي"، على حد وصفه.

لكن مسؤولين أوروبيين، يرون أن حرب إسرائيل على غزة تجعلها والعالم "أقل أمناً."

وقال مسؤول في الرئاسة الفرنسية، طلب عدم ذكر اسمه: "ما نؤكد عليه دائماً للسلطات الإسرائيلية هو أن هذا ليس في مصلحة المجتمع الإسرائيلي ولا المنطقة بأسرها". 

وأضاف المسؤول الفرنسي: "ما نشهده اليوم على الأرض هو تصعيد متواصل نعتقد أنه لن يجلب سوى حرب دائمة للمنطقة ولإسرائيل والفلسطينيين".

غضب في الشارع الأوروبي

وأثارت الأوضاع الإنسانية الكارثية في قطاع غزة، بما فيها المجاعة، موجة غضب واسعة في أوروبا وأماكن أخرى، حيث يطالب المتظاهرون قادتهم السياسيين ببذل المزيد من الجهود لوقف الأزمة.

ففي إيطاليا، شارك آلاف العمال والطلاب هذا الأسبوع في إضراب عام احتجاجاً على حرب غزة، ما أدى إلى إغلاق الموانئ وبعض مراكز النقل العام. ولعب هذا الضغط الداخلي دوراً محورياً في دفع القادة الأوروبيين للبحث عن وسيلة للتصرف.

في المقابل، وفر "الفيتو" الأميركي في مجلس الأمن الدولي، مظلة لإسرائيل ضد أي تداعيات دولية، إذ صوت المجلس 6 مرات لفرض وقف لإطلاق النار في غزة، وست مرات استخدمت واشنطن حق النقض.

ويرى محللون، أن خطوة الاتحاد الأوروبي لتعليق التجارة الحرة مع إسرائيل وفرض عقوبات على وزيرين إسرائيليين وعدد من المستوطنين في الضفة الغربية، وهي قيد الدراسة، قد تشكل ضغطاً حقيقياً.

ودعت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، الدول الأعضاء في التكتل، إلى إقرار الإجراء و"الضغط على الحكومة الإسرائيلية لتغيير المسار".

وتشمل العقوبات المقترحة تجميد أصول الوزراء الإسرائيليين، وحظر سفرهم إلى الاتحاد الأوروبي. لكن وزير الخارجية الإسرائيلي، جدعون ساعر، رد قائلاً: "لن ننحني تحت التهديدات ما دام أمن إسرائيل على المحك".

ولا يزال مصير الإجراء غير محسوم، فقد فشل الاتحاد الأوروبي في المحاولة السابقة لتعليق المنح البحثية للمنظمات الإسرائيلية، في الحصول على الأغلبية اللازمة لتمرير القرار.

ويتزايد الزخم أيضاً في المجال الثقافي. فقد هددت إسبانيا وإيرلندا وهولندا بمقاطعة مسابقة "يوروفيجن 2026" الغنائية إذا شاركت فيها إسرائيل.

ودعا رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، إلى استبعاد إسرائيل من جميع المنافسات الرياضية الدولية، على غرار حظر روسيا من المشاركة في الألعاب الأولمبية بعد غزوها أوكرانيا. وفي الولايات المتحدة، وقع أكثر من 4 آلاف عامل في قطاع السينما، بينهم نجوم بارزون، تعهداً بمقاطعة بعض المؤسسات السينمائية الإسرائيلية.

اقرأ أيضاً

إسبانيا تدعو لاستبعاد إسرائيل من الفعاليات الثقافية الدولية

دعا رئيس الوزراء الإسباني، بيدرو سانشيز، الاثنين، إلى استبعاد إسرائيل من الفعاليات الثقافية الدولية مثل مسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) ب

وقال جوناثان بانيكوف، المسؤول الاستخباراتي الأميركي السابق ومدير برنامج الشرق الأوسط في "المجلس الأطلسي"، إن كثيراً من الإسرائيليين لا يزالون "يستخفون" بحجم الغضب العالمي إزاء الحرب على غزة.

وأوضح أن كثيرين في إسرائيل يعتقدون أن قدراتها الدفاعية والعسكرية، إضافة إلى إمكاناتها في المجال السيبراني، كافية لتبقى الدول راغبة في التعاون معها وشراء منتجاتها. غير أن بانيكوف رأى أن هذا الموقف قد يتغير مع تصاعد الغضب الشعبي في العالم. 

تصنيفات

قصص قد تهمك