
بعد أشهر قليلة من حرب إيران وإسرائيل التي دامت 12 يوماً، والقصف الأميركي لمنشآت إيران النووية، أعادت الأمم المتحدة فرض العقوبات على طهران بدعم غربي، لتشمل الحظر على الأسلحة، ومنع تخصيب وإعادة معالجة اليورانيوم، وتقييد الأنشطة الخاصة بالصواريخ الباليستية وغيرها.
وعبرت طهران عن رفضها لإعادة فرض العقوبات، ووصفت الخطوة الأممية بأنها "غير قانونية"، لكن الولايات المتحدة دعت شركاءها في العالم إلى الالتزام بالعقوبات، وتوعدت بـ"محاسبة إيران"، بينما تركت باب الدبلوماسية مفتوحاً.
والعقوبات الأممية أكثر شمولاً من العقوبات الأميركية الحالية على طهران، في أعقاب الخلاف الإيراني مع "الترويكا الأوروبية"، بشأن التزام طهران باتفاق 2015، وقرار منع المفتشين الدوليين من دخول المواقع النووية، بعد الضربات الإسرائيلية والأميركية في يونيو الماضي.
وتشمل العقوبات الجديدة أيضاً، تجميد أصول مالية، وحظر سفر لمجموعة من الكيانات والأفراد في إيران، وتُجيز للدول توقيف وتفتيش الشحنات القادمة من إيران، براً وبحراً وجواً، بما فيها ناقلات النفط.
وما زالت إيران تتعافى من حرب استمرت 12 يوماً مع إسرائيل في يونيو الماضي، انتهت بعد أن أسقطت الولايات المتحدة قنابل خارقة للتحصينات على ثلاثة من منشآت إيران النووية. كما تعاني طهران من أزمة اقتصادية، وارتفاعاً في التضخم، إذ تراجعت العملة المحلية إلى مستوى متدن جديد، وفق ما أوردت "بلومبرغ"، السبت.
كيف سترد طهران؟
وترفض طهران إعادة تفعيل آلية "سناب باك" المنصوص عليها في اتفاق 2015، بسبب انسحاب الولايات المتحدة الأحادي من الاتفاق في عام 2018، خلال إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب الأولى.
واتهم وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، "الترويكا الأوروبية" (بريطانيا وألمانيا وفرنسا)، بـ"انتهاك التزاماتها"، معتبراً أنه "ليس من حقها تفعيل الآلية".
وأضاف عراقجي عقب القرار الأممي: "لن نعترف بأي إعادة لفرض العقوبات ضد بلادنا"، محملاً الولايات المتحدة و"الترويكا الأوروبية"، "العواقب الوخيمة لقرار اليوم.. وندعو الأمين العام (للأمم المتحدة) إلى تجنب أي محاولة لإحياء الآليات المتعلقة بالعقوبات داخل الأمانة العامة".
وتابع عراقجي في كلمته أمام مجلس الأمن الدولي، في الجلسة المخصصة لمناقشة مشروع قرار صيني بتأجيل العقوبات: "أميركا خانت الدبلوماسية أما الترويكا الأوروبية فأهالت عليها التراب".
ووصف الرئيس الإيراني، مسعود بيزشكيان، العقوبات بأنها "جائرة وغير قانونية". وقال في تصريحات للصحافيين في نيويورك: "إنهم يريدون إسقاطنا، لو كنتم مكاننا، ماذا كنتم ستفعلون؟".
ولم تحدد إيران كيف أو ما إذا كانت سترد على العقوبات الجديدة. وقال بيزشكيان، إن القرار سيتخذ بعد عودته إلى طهران للتشاور مع المسؤولين الآخرين.
واستدعت الخارجية الإيرانية، السبت، سفراءها من فرنسا وبريطانيا وألمانيا للتشاور، بينما يناقش البرلمان الإيراني، الأحد، رسالة من أعضائه تدعو إلى تغيير سياسة البلاد المعلنة بعدم السعي إلى امتلاك أسلحة نووية، وفق ما أوردت "بلومبرغ".
كما دعت تيارات متشددة في إيران، إلى الرد بالانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي، وهي خطوة ستزيل الضمانات على التزامات إيران بموجب المعاهدة. لكن بيزشكيان رفض الفكرة قائلاً إنها "ليست خياراً".
وقال مهدي محمدي، مستشار محافظ بارز لرئيس البرلمان الإيراني، في منشور على مواقع التواصل الاجتماعي: “لقد اتخذوا قرارهم، والآن علينا أن نتخذ قرارنا نحن أيضاً، السبيل الوحيد هو أن نصبح أقوياء إلى حد يمحو فكرة استسلام إيران للعدو".
موقف الصين وروسيا
حاولت روسيا والصين، الحليفتان الرئيسيتان لإيران، تأجيل العقوبات لستة أشهر حتى أبريل 2026. لكن الاقتراح سقط بتصويت 9 دول ضده، بينها بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة.
ولا تعتبر روسيا والصين، آلية "سناب باك" شرعية، ومن المرجح أن تخففا من آثار العقوبات عبر مواصلة تجارتهما مع إيران.
وقال وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، في الأمم المتحدة، السبت، إن "هذه الخطوة غير قانونية ولا يمكن تنفيذها"، مضيفاً أنه وجّه رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش، يحذر فيها من أن تصديقه على إعادة تطبيق عقوبات المنظمة الدولية على إيران سيكون "خطأ فادحاً"، وفق ما أوردت وكالة "رويترز".
وترتبط إيران والصين بعلاقات اقتصادية قوية، فبكين هي المستورد الرئيسي لنفط طهران، وتشتري الخام بخصم يصل إلى 20%.
وقال مسؤول كبير في وزارة النفط الإيرانية في مقابلة هاتفية مع "نيويورك تايمز"، إن العقوبات الجديدة لن توقف الصين عن شراء النفط الإيراني، لكنها ستضيف عقبات أخرى، مرجحاً أن تطلب بكين الحصول على خصومات أكبر، ربما عبر إثارة مخاوف من اعتراض ناقلات النفط الإيرانية في البحار.
ثلاثة شروط أوروبية
واتهمت "الترويكا الأوروبية" طهران، بخرق الاتفاق من خلال رفع نسبة تخصيب اليورانيوم من 3.5% إلى 60%، وتكديس مخزون يبلغ 400 كيلوجرام من اليورانيوم عالي التخصيب، إضافة إلى منع دخول المفتشين الدوليين بعد الغارات الإسرائيلية والأميركية.
ويصرّ المسؤولون الإيرانيون، على أن برنامجهم النووي لأغراض سلمية، ويقولون إنهم سرّعوا التخصيب فقط لأن الولايات المتحدة انسحبت من الاتفاق في عام 2018.
وللالتزام بالعقوبات الأميركية، أوقفت الدول الأوروبية تجارتها مع إيران، وهو ما تعتبره طهران أيضاً خرقاً لالتزاماتها.
وكرر بيزشكيان القول إن "إيران لا تنوي إنتاج سلاح نووي"، وأبدى استغرابه من عدم تصديق العالم لذلك. وأضاف أن إيران "لن تنصاع ببساطة لمطالب الولايات المتحدة وأوروبا دون اعتراض"، "لن نقبل بذلك".
كما انتقدت أوروبا قرار طهران بعد الضربات الإسرائيلية والأميركية بتعليق التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومنع مفتشيها من دخول المواقع النووية.
وكانت أوروبا قد وضعت ثلاثة شروط لتجنب العقوبات، تمثلت في السماح الفوري بدخول المفتشين الأمميين، تقديم موقع المخزون البالغ 400 كيلوجرام من اليورانيوم عالي التخصيب، وفتح مفاوضات نووية مباشرة مع الولايات المتحدة.
وقال بيزشكيان، إن إيران مستعدة للتعاون مع الأوروبيين، "سواء مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، أو بخصوص مخزون اليورانيوم المخصب، والسماح للمفتشين بالمجيء والتحقق".
وأعلن بيزشكيان في تصريحات لوسائل إعلام إيرانية، السبت، موافقة إيران وافقت على المفاوضات، وعلى السماح للمفتشين بالدخول. لكنه قال إن الولايات المتحدة اشترطت أن تسلّم إيران كامل مخزونها البالغ 400 كيلوجرام مقابل تعليق العقوبات لمدة ثلاثة أشهر، وهو ما وصفه بيزشكيان بأنه "شرط غير معقول".
خيار الدبلوماسية
وعرضت "الترويكا الأوروبية"، تأجيل إعادة فرض العقوبات لمدة تصل إلى ستة أشهر، لإفساح المجال لإجراء محادثات بشأن اتفاق طويل الأجل، شريطة أن تسمح إيران مجدداً بدخول مفتشي الأمم المتحدة، وتعالج المخاوف بشأن مخزونها من اليورانيوم المخصب، وتنخرط في محادثات مع الولايات المتحدة.
وقال وزراء خارجية بريطانيا وفرنسا وألمانيا في بيان مشترك: "ستواصل بلادنا اتباع الطرق الدبلوماسية والمفاوضات. إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة ليست نهاية الدبلوماسية".
وأضافوا: "نحث إيران على الامتناع عن أي عمل تصعيدي والعودة إلى الامتثال لالتزاماتها بشأن الضمانات الملزمة قانوناً".
وفي رسالة إلى جوتيريش، قال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، إن طهران "مستعدة للدبلوماسية والتوصل لحل عادل ومتوازن ومستدام"، متهماً الدول الأوروبية الثلاث والولايات المتحدة بـ"اختيار نهج المواجهة".
من جهته، قال وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، إن "قرار إعادة فرض هذه القيود يبعث برسالة واضحة، وهي أن العالم لن يقبل بالتهديدات أو أنصاف الحلول، وطهران ستُحاسب".
وأشار إلى أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب "كان واضحاً في أن الدبلوماسية لا تزال خياراً قائماً، وأن التوصل إلى اتفاق يبقى أفضل نتيجة للشعب الإيراني وللعالم".
لكنه شدد على أن ذلك "يتطلب قبول إيران بمحادثات مباشرة تُجرى بحسن نية ودون مماطلة أو تضليل"، مضيفاً: "في غياب مثل هذا الاتفاق، يتعين على الشركاء تنفيذ عقوبات سناب باك فوراً للضغط على قادة إيران لفعل ما هو صائب لبلادهم، وما هو الأفضل لأمن العالم".