
رغم ما يرون فيها من "ثغرات"، يبدي كثير من الفلسطينيين قبولاً تجاه الخطة الأميركية لوقف الحرب على غزة، أملاً في أن تؤدي إلى وقف الحرب المتواصلة التي تقترب من دخول عامها الثالث.
وتنص الخطة الأميركية، التي طرحها الرئيس الأميركي دونالد ترمب، على وقف العمليات العسكرية بصورة فورية، بالتزامن صفقة شاملة لتبادل الأسرى، وانسحاب تدريجي إسرائيلي "أقلق الفلسطينيين"، حسبما أكدت مصادر لـ"الشرق"، إذ حملت الخطة الكثير من النصوص العامة، التي أبقت الباب مفتوحاً أمام تفسيرات متباينة، قد تستغلها الحكومة الإسرائيلية في مواصلة احتلال أجزاء من القطاع، مع استمرار عمليات القصف، تحت عناوين أخرى.
انسحاب بلا جداول زمنية
الخطة المؤلفة من 21 بنداً تنص على انسحاب إسرائيلي تدريجي من قطاع غزة، لكنها لم تضع جداول زمنية لهذا الانسحاب، ما أثار مخاوف من أن تقوم إسرائيل بوقف الانسحابات لفترات قد تصل لأسابيع أو شهور وربما سنين.
مسؤول في حركة "حماس" قال لـ"الشرق": "استناداً إلى تجربة الشعب الفلسطيني في المفاوضات مع إسرائيل، فإن الانسحابات قد تُؤجل لسنوات أو لعقود، أو ربما تُعطل بصورة نهائية كما حدث في الضفة الغربية".
وكان اتفاق سابق بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، نص على انسحاب إسرائيلي من 13% من المناطق الريفية في الضفة الغربية، وتحويلها إلى إدارة السلطة الفلسطينية، وهو ما لم يحدث حتى اليوم، بعد مرور نحو 30 عاماً على الاتفاق.
وتنص الخطة الأميركية أيضاً، على "حق إسرائيل" في القيام بهجمات مسلحة على قطاع غزة، بعد انتهاء الحرب، في حال حدوث تهديدات ضد أمنها، وهو ما يفتح الكثير من الاحتمالات أمام تفسيرات إسرائيلية متطرفة للتهديد الأمني، وفق وجهة النظر الفلسطينية.
ونص المقترح على إدارة دولية لقطاع غزة لفترة انتقالية، وهو ما يخشى فلسطينيون، من أن يتحول إلى ترتيب دائم شبيه بـ"وصاية أجنبية"، يفصل القطاع كلياً عن الضفة الغربية، وعن السلطة الفلسطينية.
مطالب "حماس"
وتطالب حركة "حماس"، حسبما قالت مصادر لـ"الشرق"، بـ"ضمانات بشأن الانسحاب، ووقف التدخل العسكري، وتشكيل حكم فلسطيني لإدارة القطاع".
وأضاف أحد مسؤولي الحركة في تصريحاته لـ"الشرق": "نريد تطبيقاً أميناً للخطة"، إذ اعتبر أنه "يقف وراءها (الخطة) أشخاص يحملون نوايا سيئة تجاه شعبنا، من الرئيس دونالد ترمب ومستشاره جاريد كوشنر، إلى رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير"، على حد وصفه.
ومن المرتقب أن تتلقى حركة "حماس" نص المقترح الأميركي بصورة رسمية من الوسطاء (مصر وقطر وتركيا)، الذين حصلوا عليه من الجانب الأميركي بعد الاجتماع الذي عقد بين ترمب وعدد من قادة وممثلي الدول العربية والإسلامية، وهي تركيا والأردن وقطر وإندونيسيا والسعودية ومصر والإمارات وباكستان، والذي خصص لبحث وقف الحرب الإسرائيلية على غزة.
وقالت مصادر قريبة من المفاوضات، إن حركة "حماس" تبدي استعدادها لتقديم "تسويات" في مختلف الملفات الجوهرية، مثل حكم قطاع غزة، والسلاح، وإبعاد قيادات الحركة، "في حال توفرت ضمانات" لوقف الحرب والانسحاب الإسرائيلي التام من قطاع غزة.
وتشترط الخطة الأميركية، منح عفو لقادة الجناح العسكري لحركة "حماس"، إذا قبلوا الرحيل عن قطاع غزة إلى الخارج.
قبول شعبي
كثير من الفلسطينيين في قطاع غزة، يرحبون بأي خطة تؤدي إلى وقف الحرب، مهما كانت التنازلات المطلوبة، على وقع الكلفة البشرية والإنسانية والاقتصادية والاجتماعية.
وأودت الحرب بأرواح أكثر من 66 ألف فلسطيني حتى الآن، وتحصد يومياً حياة حوالي 100 فلسطيني ثلثهم من الأطفال، وفق إحصاءات منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسف".
يضاف إلى ذلك، تدمير أكثر من 80% من المباني وتهجير الغالبية العظمى من السكان، الذين باتوا يقيمون في مخيمات شديدة الاكتظاظ تفتقر لأبسط مقومات الحياة الانسانية.
أولوية فلسطينية
وترحب السلطة الفلسطينية بأي خطة تؤدي إلى وقف الحرب، حسبما أشار عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، أحمد مجدلاني، المقرب من الرئيس محمود عباس، والذي قال في تصريحات لـ"الشرق"، إن "الخطة تغطي الأولويات الفلسطينية الأساسية وهي وقف الحرب، وبدء الانسحابات الإسرائيلية، ودخول المساعدات الغذائية، وإعادة الإعمار ووقف التهجير".
وأضاف: "لكن بالتأكيد سندرس الخطة عندما تصلنا بطريقة رسمية، وسنعلن موقفنا منها لأن المسألة تخص جزء من أراضي دولة فلسطين المعترف بها دولياً، وليست مسألة تفاوضية بين إسرائيل وحركة (حماس)".
الكثير من المراقبين يأملون أن تشكل هذه المبادرة الأميركية، بداية النهاية للحرب بكل نتائجها المأساوية على قطاع غزة، مستندين إلى الثقل الذي يمثله قادة الدول العربية والإسلامية التي الذين التقوا الرئيس الأميركي، وحصلوا منه على تعهد بالعمل على وقف الحرب، وعلى منع ضم أجزاء من الضفة الغربية، ومنع تهجير سكان القطاع.
وثمة من يرى أن الدائرة المحيطة بترمب المعروفة بدعمها لإسرائيل، باتت ترى أن استمرار الحرب يشكل تهديداً لمكانة إسرائيل في العالم، والتي تشهد تراجعاً دراماتيكياً دون أن تحقق لها الحرب أي أهداف استراتيجية، سوى قتل المدنيين وتهجيرهم وتجويعهم وحصد المزيد من الإدانة والاستنكار.
ترحيب وتحفظات إسرائيلية
رحبت الكثير من الأطراف في إسرائيل بالمبادرة التي تقود إلى إطلاق سراح جميع المحتجزين الإسرائيليين في اليوم الأول، فيما أعربت مصادر مقربة من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن تحفظها على بعض النقاط.
وتشمل نقاط التحفظ الإسرائيلية، تأجيل نزع سلاح حركة "حماس" إلى ما بعد وقف الحرب، ودور السلطة الفلسطينية في إدارة قطاع غزة، حتى لو كان شكلياً، ومنع ضم الضفة الغربية المحتلة إلى إسرائيل.
وذكرت مصادر مطلعة، أن نتنياهو سيعمل على محاولة تعديل هذه النقاط في لقائه المرتقب مع ترمب، فيما لم يتضح بعد مدى استعداد الرئيس الأميركي لممارسة ضغط فعلي على رئيس الوزراء الإسرائيلي لوقف الحرب.